قدوم الحجاج الشيعة للأردن.. قصة قديمة تتجدد
قد يظن البعض أن قصة عرض استقبال الأردن الحجاج الشيعة وتحديدا الإيرانيين جديدة وليدة التغييرات السياسية الحساسة في الإقليم مؤخرا، وتحديدا المستجدات في النقاش الدائر حول الوصاية الهاشمية على المقدسات في القدس وصفقة القرن وغيرها من المواقف التي تؤثر على الأردن بكل مكوناته السياسية والاجتماعية بشكل مباشر.
لم تتوقف المحاولات الإيرانية منذ بداية القرن الحالي لاقناع الحكومات الأردنية وصناع القرار فيها للوصول إلى توافق للسماح للحجاج الإيرانيين خاصة والشيعة عامة بزيارة مزارات الصحابة في المملكة وأكثرها قربا للوجدان والعقيدة الشيعية هو مزار الصحابي جعفر الطيار في محافظة الكرك وتحديدا في بلدة المزار جنوب الأردن.
في العام 2001 حذر السفير الأردني في إيران القيادي السابق في جماعة الإخوان المسلمين الدكتور بسام العموش من اختراقات إيرانية أمنية في الأردن، وصرح في أكثر من مناسبة رفضه لعروض إيرانية سخية تلقاها ممثلا عن بلاده أثناء عمله الدبلوماسي مقابل التساهل في موضوع "الحج الشيعي للمزارات"
وارتفع صوت النائب السابق ناريمان الروسان تحت قبة البرلمان الأردني في إحدى جلساته العام 2005 مطالبة الحكومة آنذاك بالتحقيق في شائعة السماح لبناء حسينية لأحد المقيمين يحمل الجنسية العراقية في عبدون أحد أحياء عمان الراقية غرب عمان.
وتلتها قصص متعددة حول سلاح حزب الله الإيراني التي كشفتها الأجهزة الأمنية الأردنية مما دفع حسن نصر الله بالتصريح أنها كانت موجهة لفلسطين وليس للداخل الأردني، ويبدو أن سماحته أغفل أن حدود الجنوب اللبناني أكثر قربا لفلسطين من الإلتفاف الغير مبرر لتلك الشحنات عبر الأردن!!، إضافة إلى ما أعلنته المخابرات الأردنية آنذاك من اكتشاف خلية نائمة تعمل لصالح إيران، وحادثة قيام مواطنين في الكرك بحرق بيتا قيل انه يستخدم كحسينية لجماعة شيعية أردنية هناك، بحسب أردنيين شيعية فأنهم في الغالب يترددون بإظهار هويتهم الدينية خوفا من المضايقات بالعموم وهم بعدد لا يتجاوزون 5000 الآف نسمة يقيم أغلبهم شمال الأردن.
هذه التجارب ضللها تخوف سابق أعلنه الملك عبدالله الثاني 2004 بتحذيره مما أسماه بالهلال الشيعي وخطره على المنطقة ، ويبدو أن هذا الخطر أصبح حديثا من الماضي وفقا للمؤشرات التي تشي بتقديم المصلحة الأردنية العليا فوق أي اعتبار حتى لو كانت من ضمنها فتح الباب أمام السياحة الدينية واهمها مزارات الشيعة( يشار إلى ان شيعة إيران هم نسبة قليلة بالنسبة للشيعة في العالم وخاصة العرب منهم).
"بحب اقول لكل اللي رافض قدوم الشيعة للأردن هي اليهود صرلهم سنوات رايحين جايين عالبلد ما سمعت انه أردني تهود" كان هذا جواب لأحد المواطنين من الكرك الذي لم ينف تخوفه السياسي من الموضوع ولكنه يرى في ذلك فائدة اقتصادية كبيرة تعود على أهل الجنوب خاصة والأردنيين عامة ممن يعملون في قطاع الخدمات والسياحة الذي توقف تماما بعد جائحة كورونا، ناهيك أن الحاج هو بالنهاية زائر يشتري ويبيع ويطلب العلاج وكثير من الإمتيازات والخدمات التجارية التي من شأنها إنعاش الوضع الاقتصادي المتدهور حاليا.
في العام 2013 كانت أول زيارة أردنية رسمية لوفد برلماني أردني بعد الحرب الإيرانية العراقية ثمانينيات القرن الماضي، يرأسه رئيس مجلس النواب الأردني عاطف الطراونة يومها وعدد كبير من النواب والصحفيين لحضور مؤتمر برلمانات الدول الإسلامية، يوحها أعاد مسؤولون ايرانيون عرضهم السخي القديم بشروط خيالية لاحياء موضوع المزارات: تتعهد الحكومة الإيرانية بتطوير البنية التحتية كاملة للمزارات وبناء مرافق سياحية وأسواق ومتاحف في المزار، الإلتزام بعدد الحجاج الذي يحدده الأردن ومكان إقامتهم هناك وتحركاتهم وتزويد الأجهزة الأمنية بقائمة مسبقة توافق على ما تريد وتستبعد منها من تريد، ووصل الأمر لعرض بناء مطار في الجنوب لضمان عدم تحرك الحجاج الشيعية في باقي المحافظات إن لزم"لكن هذا العرض رفض مجددا.
ولم تساعد تصريحات السفير الإيراني في الأردن في نيسان/أبريل 2017 بتحسين شروط التفاوض بين الدولتين، إذ بلغت وزارة الخارجية الأردنية السفير مجتبى فردوسي بور وابلغته احتجاجا شديد اللهجة لانتقاده الملك عبدالله الثاني صراحة في مقابلة لجريدة الواشنطن بوست.الانتقادات كانت لتصريحات الملك من وصفه لتواجد الحرس الثوري الإيراني على حدود مملكته الشمالية بمسافة 70 كيلومترا تقريبا من الحدود السورية الأردنية ووصفها يومها بأنه "أخبار غير جيدة لنا"
ورغم انقسام الشارع الأردني ما بين رافض ومتخوف من "المد الشيعي الصفوي السلبي وفقا لتجارب سابقة في بلدان عربية مجاورة"، وما بين مؤيد لما فيه مصلحة أردنية خالصة وعدم انتظار دول عربية اخرى تعوضنا عن موقفنا الداعم كما في السابق، يظهر تساؤل حول إمكانية ما هو غير جيد قبل سنوات قد يكون جيدا اليوم خاصة إذا ما وضعنا فرضية تؤخذ بالحسبان وهي أن مسألة المزارات قد أكثر من موسما للحج لبضعة آلاف من المؤمنين الشيعة، بل ربما تكون فرصة لوصاية الملك عبدالله على المقدسات الشيعية فالملك بالنهاية هو حفيد الرسول وعميد آل البيت وقد لا يمانع الكثير من الشيعة وخاصة العرب من هذا المنطلق أن يكون وصيا على مقدساتهم.