في يومهم العالمي.. أطفال يتأرجحون بين حبال "العمل" و"التعليم عن بعد"
ثماني شهور من "التعليم عن بعد" كانت بيئة خصبة تشجع الأطفال من أسر فقيرة للالتحاق بسوق العمل والانضمام لأكثر من 76 ألف طفل عامل في المملكة، خاصة أولئك الذين لا يمتلكون القدرة على مجاراة "التطور التكنولوجي" في التعليم عن بعد الذي فرضته بقسوة جائحة "كورونا المستجد".
رصدنا خلال الأشهر الماضية أثناء عملنا على أربعة تقارير صحفية وفي جولات ميدانية عديدة أطفال دون سن العاشرة يعملون لإعالة أسرهم الذين فقدوا عملهم خلال جائحة "كورونا المستجد"، فمن سوق الطيور في مدينة الزرقاء، مرورا بمجمعات النقل ووصولا إلى إشارات العاصمة عمان وليس انتهاء بباعة جوالين يطرقون أبواب المكاتب للبيع، قابلنا أطفال جعلوا "التعليم عن بعد" خيارا ثانويا يسبقه العمل.
في الوقت الذي يصادف فيه يوم غد الجمعة، اليوم العالمي للطفل؛ ما زالت التشريعات في الأردن قاصرة عن حماية الأطفال من الانخراط في سوق العمل متعارضة في ذلك مع اتفاقية حقوق الطفل التي صادق عليها الأردن عام 1991 والتي تنص فيها المادة رقم 32 على أنه "يجب حماية الأطفال من العمل في المهن الخطرة التي قد تتسبب بأذى لصحتهم، تعليمهم، أو تؤثر على حقهم في الرخاء واللعب"، كما لا تزال مسودة قانون حقوق الطفل حبيس أدراج الحكومة الأردنية منذ ثلاثة وعشرون عاما، رغم أن المادة رقم 4 من اتفاقية حقوق الطفل تنص على أنه "على الدول أن تتخذ كل التدابير التشريعية والإدارية لإعمال الحقوق المعترف فيها بالاتفاقية".
نصف مليون طالب خارج أسوار "الأونلاين"
من بين العديد من الأطفال الذين قابلهم "المرصد العمالي" تحدثنا مع صالح (اسم مستعار) (9 أعوام) الذي يبيع دفاتر الرسم على الطرقات ويقوم بعمل جولات على المكاتب والشركات في العمارات القريبة من عمل والدته، برفقة صديقه أنور (اسم مستعار) (12 عاما) الذي ترك المدرسة منذ سنوات، وتفرغ لبيع الحلويات، بحسب قوله.
أكد صالح خلال لقائه "المرصد العمالي الأردني" [إلى جانب والدته] أن الدراسة والتعليم أحد خياراته الأساسية التي يسعى لها، موضحا أنه يدرس عندما ينتهي عمله مع والدته، "أنا أبدأ الدراسة لما أخلص بيع مع أمي"، يقول صالح هذا الكلام رغم أن لقاءنا فيه كان الساعة 1:30 ظهرا في أحد أيام الدوام الرسمية من شهر تشرين الثاني.
تؤكد والدة صالح أنه طفلها يبدأ ساعات دوامه على منصة درسك بعدما ينتهي من العمل معها في ساعات النهار (الذروة)، "صالح بيزهق وهو بيحضر الدروس على المنصة لأنها سريعة وما بستفيد منها شيء"، وتضيف والدة صالح أن معلمته في المدرسة تقوم بإرسال فيديوهات أخرى له من منصة يوتيوب، تساعده على فهم الدروس من خلال جهاز والدته الوحيد في المنزل.
كشكل من أشكال توفير الحماية للأطفال، صرحت وزارة العمل أن إجراءات حكومية اتخذت لمكافحة عمل الأطفال وحمايتهم خلال فترة جائحة كورونا ومنها توفير "التعليم عن بعد" عبر القنوات التلفزيونية والمنصات التعليمية، ولكن تصريحات أخرى لوزارة التربية والتعليم أثبتت أنه ليس كل الأطفال محميين من خلال "التعليم عن بعد" إذ قالت أن ما يقارب 70% من الطلبة واظبوا على الانخراط في منصة درسك من خلال متابعة الوزارة لحضور وغياب الطلبة بهدف الحفاظ على انخراطهم في عملية التعلم عن بعد.
مما يعني، أن ما يقارب نصف مليون طالب كان الفترة الماضية خارج العملية التعليمية لأسباب اقتصادية اجتماعية نفسية وغيرها، بحسب، لبنى القدومي المستشارة في قضايا حماية الطفل.
غياب المرجعية الموحدة
وأضافت القدومي لـ"المرصد العمالي الأردني" أن الأولويات الوطنية في ظل جائحة كورونا والتي اتجهت لمواجهة هذه الجائحة وما ترتب عليها من تبعات اقتصادية حادة وصعبة تغيرت، الأمر الذي أثر بشكل ملحوظ على الفئات الأكثر هشاشة وجعلها تدخل في فجوات دون الانتباه إلى الآثار المباشرة التي تترتب على الأطفال بشكل عام والأطفال المعرضين لأي نوع من أنواع الخطورة بشكل خاص مثل حالات العنف الأسري، والأطفال في نزاع مع القانون والتسول، وتغير شكل التعليم وربما الانقطاع عنه لدى البعض.
وعلى الرغم من وجود استراتيجيات وخطط وطنية متعددة، إلا أن ضعف الإجراءات التطبيقية وإجراءات المتابعة تحول دون تطبيق النهج الشمولي في توفير الحماية والمحافظة على حقوق الأطفال بشموليتها. بحسب القدومي التي لفتت إلى ضرورة إعادة النظر في منظومة حماية الأطفال التي تقدمها كل من الحكومة بالشراكة مع المؤسسات الوطنية والمنظمات الدولية ومنظمات الأمم المتحدة ذات العلاقة. وأن تكون انطلاقا من التشريعات والاستراتيجيات والأطر الوطنية المتعلقة بحماية الطفل وبشكل شمولي يضم جميع أنواع قضايا الحماية التي تواجه الأطفال.
وترجع القدومي، سبب عدم نجاعة تطبيق القوانين الأردنية ذات العلاقة في مكافحة عمل الأطفال إلى عوامل متداخلة، ومن أبرزها العوامل الاقتصادية التي تواجهها الأسر في ظل الجائحة، وأن مراقبة عمل الأطفال مجزأ بين أكثر من وزارة وقطاع، إذ يقوم مفتشي وزارة العمل بمراقبة المنشآت والمحال، بينما يعتبروا أن الأطفال الباعة والمتجولين هم من مسؤولية وزارة التنمية الاجتماعية. ومن الإجراءات المقترحة للتعامل مع قضية عمل الأطفال، اتباع الإجراءات الوطنية للتدخل في حالات عمل الأطفال، وتجسير الفجوة بين التشريعات والتطبيق، والتخطيط الشمولي في قضايا حماية الطفل والتأكد من شموليتها لكافة هذه القضايا ضمن السياقات المختلفة.
"ملل" منصة درسك
"ملل" التعليم عن بعد وعدم جدواه واعتباره "عطلة رسمية" للأطفال دفع بعض الأهالي لسحب أبنائهم من التعليم إلى سوق
العمل، إذ أصبح نبيل (11عاما) عاملا في أحد محلات بيع الطيور في الزرقاء، بعدما وجد هو وأهله أن "العطلة" من المدرسة "فرصة" لكي يتعلم نبيل مهنة جديدة يكتسبها منذ الصغر وبنفس الوقت حفاظه على مقعده الدراسي وحصوله على شهادة مدرسية أكيدة من خلال تسجيل حضوره الوهمي على المنصة بالتعاون مع أهله.
يقول د. رائد محمد عليوة، مدير إدارة الإشراف والتدريب التربوي في وزارة التربية والتعليم، لـ"المرصد" أن مفهوم التسرب من المدرسة ما زال مرتبطا بالتعليم الوجاهي، وأن الوزارة تقوم بمتابعة حضور الطلبة من الحصص "الاونلاين" عن طريق تسجيل الرقم الوطني للطالب وتاريخ الميلاد عند دخوله للمنصة ومن ثم ترسل الوزارة كشوفات الحضور لمديريات التربية في المحافظات والتي تقوم بدورها بإرسالها للمدارس والمعلمين، مضيفا أن التقييمات اليومية والواجبات تعد شكلاً من أشكال الرقابة على حضور الطلبة وتفاعلهم مع المنصة.
يتابع عليوة، أن الدرس "الاونلاين" يعرض على المنصة، ويتم دخول الطلبة إلى المنصة حسب برنامج يومي لمتابعة ودراسة المحتوى، لافتا إلى أن الوزارة تعمل على مراجعة المشاكل والتحديات الواردة من مقيّمي المنصة، والتغذية الراجعة التي تأتيهم من الميدان التربوي أو المجتمع المحلي، كما أكد على نية الوزارة إعادة تصوير بعض المواد بهدف تغيير نمطيتها لتصبح أكثر تفاعلية ومشوقة وممتعة وبالتالي تحقيق الاهداف المنشودة من التعلم.
وفي هذا الإطار، تقول مي سلطان، مديرة السياسات والأبحاث في المجلس الوطني لشؤون الأسرة أن المنظومة التشريعية تخلو من عقوبات للأهل في حال تشغيل الطفل أو في حال تسربه من المدرسة، بالإضافة إلى أن مفهوم التسرب لدى وزاره التربية واسع، فيتيح فترات طويلة لتسرب الطفل حتى يتم احتسابه "متسربا"،
إلى أن هذا الأمر يحول دون إظهار حقيقه أعداد الحالات كما أن التعليم عن بعد يفاقم هذه الظاهرة لأنه غير تفاعلي وغير جاذب للطفل فيساهم في جعله يتوجه للعمل، خصوصا مع عدم توفر الأجهزة والإمكانات لدى الأسر لمتابعه أطفالها عبر التعلم عن بعد، فيكون التسرب الحل الوحيد أمام الأسرة، ولحمايه الطفل من خطر الشارع تلجأ الأسرة لتشغيله في ظل هذه الظروف الاقتصادية الصعبة.
مراجعة سياسة التعليم عن بعد
وحذرت العديد من منظمات المجتمع المدني الأردني من ارتفاع نسبة عمل الأطفال، منهم المرصد العمالي الأردني الذي أعرب من تخوفاته بسبب زيادة عمل الأطفال في الأردن الناجمة عن اتساع رقعة الفقر والبطالة والاستمرار في تطبيق سياسة التعليم عن بعد، داعيا إلى إعادة النظر بمختلف السياسات الاقتصادية والتعليمية التي يتم تطبيقها في الأردن خلال جائحة كورونا.
كما طالب "المرصد" بضرورة تطوير العملية التربوية والتعليمية خلال المرحلة الأساسية للحدّ من عمليات تسّرب الأطفال من مدارسهم، والعمل على توفير بيئة تعليمية مناسبة للأطفال، ودراسة تبعات نظام “التعليم عن بعد” المُتبع في غالبية مدارس المملكة وغياب “التعليم الوجاهي” من جهة، والتأكد من توّفر وسائل “التعليم عن بعد” لجميع طلبة المملكة بشكلٍ عادل من جهة أخرى.
ويشار إلى أن أعداد الأطفال العاملين قد تضاعف من (33) ألف في عام 2007، إلى ما يقارب (76) ألف عام 2016، وأن هناك نحو45 ألف طفل يعملون في الأعمال الخطرة بحسب أحدث الإحصائيات التي وفرها المسح الوطني لعمل الأطفال عام 2016.
كذلك، في دراسة أعدتها منظمة العمل الدولية منظمة "اليونسيف" حول كورونا وعمل الأطفال بعنوان: "كوفيد-19 وعمل الأطفال: وقت الأزمة ... وقت العمل" حذرت الدراسة من ازدياد الاعتماد على الديون وازدياد عمل الأطفال لافتة إلى ضرورة أن تكون فترة ما بعد الإغلاق وإعادة فتح المدارس فرصة لضمان عدم تسرب المزيد من الأطفال من المدارس وأنه يجب على الحكومات تأكيد ضمان انخراط جميع الطلاب في العملية التعليمية، متخوفة في ذلك من صعوبة إعادة إدماجهم في العملية التعليمية بسبب طول فترة الانقطاع عن التعليم