في ظل العديد من التحديات تقف المرأة الريفية رمزا للصبر والعطاء، فهي تزرع وتنتج وتربي الأجيال، وتواجه المعيقات بإصرار رغم محدودية الفرص الاقتصادية والتعليمية إلى جانب آثار التغير المناخي وتقلبات المواسم الزراعية.
ورغم كل ذلك، تظل المرأة الريفية شريكا أساسيا في تحقيق الأمن الغذائي وتعزيز الاقتصاد الوطني، إذ لا يقتصر دورها على العمل في المزارع، بل يمتد إلى قيادة مشاريع إنتاجية وتنموية تسهم في تحسين سبل العيش في المجتمعات الريفية.
وفي اليوم العالمي للمرأة الريفية الذي يصادف الخامس عشر من تشرين الأول، يحتفي الأردن بهذه الفئة التي تمثل نحو 20% من إجمالي القوى العاملة في القطاع الزراعي، ويساهمن بنسبة تقارب 12% من الناتج المحلي للقطاع الريفي، رغم التحديات المتزايدة التي يواجهنها في مجالات التعليم، وفرص العمل، والتمكين الاقتصادي.
وتظهر بيانات دائرة الإحصاءات العامة لعام 2025 أن معدل البطالة بين النساء الريفيات بلغ 29.4%، فيما وصلت نسبة الأمية بينهن إلى 11.5%، وهي أرقام تُبرز الحاجة إلى مضاعفة الجهود الوطنية لتمكين هذه الفئة التي تؤدي دورا محوريا في تحقيق الأمن الغذائي ومواجهة تداعيات التغير المناخي.
كما تظهر الإحصاءات أن قرابة 45% من النساء الريفيات يعملن دون أجر في المشاريع العائلية، ما يعكس استمرار التحديات المرتبطة بضعف الاعتراف بعمل المرأة غير المدفوع الأجر.
قصص نجاح من قلب الريف
رغم التحديات، برزت في الأردن نماذج نسائية استطاعت أن تصنع فارقا حقيقيا في مجتمعاتها الريفية، من بينهن السيدة نايفة النواصرة، رئيسة جمعية سيدات غور الصافي للتنمية الاجتماعية، التي تعد من أبرز الجمعيات التعاونية في الأغوار الجنوبية، والتي تعمل الجمعية على تمكين المرأة الريفية من خلال مشاريع إنتاجية وزراعية، وتوفر فرص عمل للنساء في مجالات التصنيع الغذائي والزراعة.
وفي عام 2017، مثلت النواصرة المرأة الريفية الأردنية في مؤتمر دولي في تايوان، مؤكدة حضور المرأة الأردنية في المحافل العالمية.
تقول النواصرة إن المرأة الريفية تعد ركيزة أساسية في التنمية المحلية، فهي لا تكتفي بإدارة شؤون منزلها، بل تعمل في المزرعة وتساهم بشكل مباشر في الإنتاج الزراعي والحيواني، خاصة في مناطق مثل وادي الأردن.
تلفت النواصرة إلى أن التغير المناخي بات أحد أبرز التحديات التي تواجه المرأة الريفية، موضحة أن تأخر مواسم الزراعة بسبب تغير الطقس أثر سلبا على الإنتاج والدخل.
وتضيف أن الجمعية تركز على دعم النساء المزارعات من خلال برامج تدريبية وتوعوية، وتشرف على مشاريع زراعية جماعية تديرها سيدات بهدف تعزيز الإنتاج والاستدامة.
من المشاريع الريادية التي تفخر بها جمعية سيدات غور الصافي، مشروع "النيلة"، الذي يعد الأول من نوعه في المنطقة العربية.
توضح النواصرة أن الأردن أصبح ثاني دولة عربية تزرع نبات “النيلة” المستخدم في إنتاج اللون الأزرق الطبيعي المستخدم في الصباغات والمنتجات التجميلية.
وتقول إن الجمعية أعادت إحياء زراعة النيلة وتطوير استخدامها بأساليب حديثة لصبغ الأقمشة والصوف، ما ساهم في إنتاج منتجات تراثية حديثة تعكس الهوية الأردنية.
رؤية اللجنة الوطنية لشؤون المرأة
من جانبها، تؤكد الأمينة العامة للجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة، المهندسة مها علي، أن اليوم العالمي للمرأة الريفية يمثل فرصة لتسليط الضوء على قضايا النساء في المناطق الريفية، مشددة على ضرورة توفير بيئة عمل آمنة وداعمة لهن.
وتوضح علي أن المرأة الريفية تمتلك مهارات كبيرة في الزراعة والتصنيع الغذائي، لكنها تواجه تحديات في التسويق والتغليف والوصول إلى الأسواق، داعية إلى توفير منصات تسويقية ومساندة فنية تساعد النساء على تطوير منتجاتهن والمشاركة في الأسواق المحلية وربما العالمية.
وتشير إلى أن الأرقام تظهر إلى الحاجة لمزيد من الجهود، فمعدل البطالة بين النساء الريفيات، وفي صفوف الإناث بشكل عام، ما يزال مرتفعا على الرغم من العديد من المبادرات الرامية إلى تعزيز مشاركة المرأة في الاقتصاد، بما في ذلك العمل في القطاع الزراعي والمناطق الريفية، وترى أنه من المهم التركيز على تعزيز دور المرأة الريفية وتوفير بيئة داعمة لها، لتتمكن من أن تكون منتجة ومساهمة فعالة في التنمية الوطنية.
وتشير إلى أهمية تحسين بيئة العمل في المزارع من خلال توفير مرافق صحية وأدوات سلامة عامة، إضافة إلى حلول النقل والرعاية بالأطفال لتمكين النساء من الاستمرار في العمل.
مبادرات وطنية لتعزيز الاقتصاد الريفي
وتأتي هذه الجهود ضمن توجهات اللجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة التي تؤكد بحسب علي، على أن دعم النساء الريفيات لم يعد خيارا تنمويا فحسب، بل ضرورة وطنية لتحقيق أهداف رؤية التحديث الاقتصادي، خصوصا في ظل مساهمة القطاع الزراعي المتزايدة في الناتج المحلي الإجمالي، والتي ارتفعت من 5.4% عام 2024 إلى 5.8% عام 2025.
وتعمل اللجنة بالشراكة مع المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص على تعزيز وصول النساء إلى التمويل والمشاريع الإنتاجية، وتوفير بيئة عمل آمنة تشمل مرافق صحية، وخدمات نقل، ورعاية أطفال لضمان استدامة مشاركة المرأة في سوق العمل الريفي ، وتقوم حاليا على دراسة شاملة لواقع المرأة الريفية، لتحديد احتياجاتها والتحديات التي تواجهها، كما تتابع تنفيذ الاستراتيجية الوطنية للحماية الاجتماعية التي تضمن وصول النساء إلى التعليم والخدمات.
من جانبه، يشير المجلس الأعلى للسكان إلى أن البرنامج التنفيذي لرؤية التحديث الاقتصادي أوكل لوزارة الإدارة المحلية تعديل نظام تنظيم استعمال الأراضي وتحديث الخرائط العمرانية لحماية الأراضي الزراعية، وتعزيز الاقتصاد الريفي وتمكين المرأة.
ويضيف المجلس أن هذه الجهود تترجم من خلال إنشاء مجلس الأمن الغذائي الوطني، ودعم المشاريع الزراعية الصغيرة، وإقامة الأسواق والمعارض الريفية، إضافة إلى إقرار قانون التعاونيّات لعام 2025 وصندوق التكافل للحد من المخاطر الزراعية.
لكن المجلس يحذر من أن استمرار الزحف العمراني على الأراضي الزراعية يشكل خطرًا على الاقتصاد الريفي، مشيرًا إلى أن 92% من سكان المملكة يتركزون في النصف الشمالي من البلاد، ما يزيد الضغط على الموارد والبنى التحتية ويهدد التوازن التنموي.












































