في صمود أرمن القدس

الرابط المختصر

يستمرّ مسلسل الصمود والتحدّي من المكون الأرمني في البلدة القديمة من القدس، رغم محاولات المستوطنين المدعومة من مليشيات الوزير إيتمار بن غفير لكسر إرادتهم. وحسب أحدث بيان للجنة حماية حارة الأرمن، جديد فصول هذا الصمود الأسطوري في 3 إبريل/ نيسان، عندما اقتحم مستوطنون مدعومون من رئيس وحدة شرطة إسرائيل، ويدعى أساف هاريل، مرأب السيارات التابع لبطريركية الأرمن في منطقة بساتين البقر، في محاولة لتغيير معالم الموقع وتحطيم غرفة بلاستيكية فيه، هي مقرّ اعتصام متطوعين من حارة الأرمن على مدار الساعة ومنذ أشهر، بحماية أراضيهم بأجسادهم العارية، لمنع عملية الاستيلاء التي يحاول أن يقوم بها مستثمر يهودي أسترالي يدعى داني روتشيلد (أحياناً يُستخدم اسم داني روبنشتاين) بالإصرار على الاستفادة من قطعة الأرض، على أساس أن بطريركية الأرمن اشترتها. وقد نشر موقع العربي الجديد بالإنجليزية تحقيقات استقصائية كشفت تورّط من سُمّي المستثمر الأسترالي اليهودي في علاقات مع الحركات الاستيطانية الإسرائيلية، وكشفت أيضاً عن خفاية داني روتشيلد المالية غير المستقيمة وعلاقاته الاقتصادية المشبوهة في العالم.

سجّلا، البطريركية والمجتمع الأرمني، قضايا في المحاكم الإسرائيلية في شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بهدف بطلان صفقة البيع المشبوهة. وأعلن البطريرك نورهان مانوغيان، منذ الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، براءته من عملية البيع بتقديم شهادة مشفوعة بالقسم، يعلن فيها انسحابه من الصفقة المشبوهة. وقد جاء تراجع البطريرك واستمرار النضال من أجل حماية أراضٍ حساسة جداً في البلدة القديمة من القدس لسبب واحد، إصرار سكّان حيّ الأرمن على حماية أراضيهم التي ورثوها من أجدادهم عبر قرون طويلة. لقد شكلت وحدة المجتمع الأرمني وتضحيات الأرمن وحسن إدارتهم عملية التحدي للاستيطان أسطورة يمكن أن يستفيد الجميع منها.

منذ بدأ تهديد أراضيهم التاريخية، اتّحد المجتمع الأرمني الصغير، وقام بعمليات احتجاج شبه يومية وبأشكال مختلفة، منها الاعتصام، ومنها التواصل مع الجاليات الأرمنية في العالم والكنيسة الأرمنية، ومنها الاستفادة من الخبرات القانونية لأفضل المحامين الأرمن في العالم الذين قدّموا خدماتهم مجّاناً، ما أدّى إلى اكتشاف نقاط ضعف وثغرات عديدة في العقد المشبوه، ما وفّر لهم فرصة لرفع قضية على أساس أن الأراضي المشار إليها وقف ديني، ولا يمكن بيعها إلا بموافقة المجتمع الأرمني ككل. ولذلك، رفع 400 مواطن أرمني دعوى جماعية، بهدف إبطال العقد المشبوه. ووقّع البطريرك، ولو متأخّراً، على سحب توقيع من العقد، وتوجّهت البطريركية الأرمنية أيضاً إلى المحاكم الاسرائيلية، طالبين بطلان العقد.

أثار التحرّك القانوني غضب المستثمر اليهودي – الأسترالي، وحسب بيان حركة إنقاذ حارة الأرمن، حاول أحد معاونيه، جورج ورور (من سكّان الناصرة) وعدّة مستوطنين مسلّحين بعصيّ، بحماية الشرطة الإسرائيلية، اقتحام الأرض المشار إليها قبل عدة أشهر، على أساس أنها تابعة لشركة بساتين زانه الإسرائيلية. وفي اعتداء قبل أكثر من شهر، اعتقلت الشرطة سكّاناً من الحيّ الأرمني كانوا معتصمين وعدة معتدين، ثم أطلق سراحهم بعد قرار قاضٍ إسرائيلي بضرورة بقاء الأمور كما هي، أي احترام الأمر الواقع status quo إلى غاية الانتهاء من كل الإجراءات القانونية.

ويبدو أن المستوطنين والمستثمر وجدوا في وزير الأمن الإسرائيلي بن غفير ومليشياته حديثة التمويل شريكاً لعملهم الشرير، لذا اقتحموا ليلة الأربعاء، 3 إبريل/ نيسان الجاري، الموقع، ومزّقوا الممتلكات العائدة للمجتمع الأرمني. عندما طالب النشطاء معرفة السند القانوني لعملية التخريب، ادّعى مدير الشرطة، أساف هاريل، حسب بيان حركة إنقاذ الحيّ الأرمني، أن الشرطة تحمي مصالح موظفي شركة بساتين زانا.
 

تركت الشرطة والمستوطنون الموقع بعد عملية التخريب، لكن القصة لم تنتهِ، فقد استمر النشطاء بالاعتصام على مدار الساعة. واستنكرت الخارجية الأردنية واللجنة الرئاسية لشؤون الكنائس في فلسطين والقنصلية الفرنسية المحاولات الإسرائيلية لتغيير الوضع القائم في القدس. كذلك أصدرت سبع مؤسّسات أرمنية بياناً مهماً اتّهمت فيه الشرطة بالتواطؤ مع المستوطنين اليهود بغرض الاستيلاء على أراضيهم بالقوة، وأعربت عن قلقها من أن "الشرطة الإسرائيلية أضافت طبقة خطيرة إلى التهديد الوجودي الذي نواجهه بالفعل". وتابع البيان المشترك، قائلاً إن "الشرطة الإسرائيلية انضمّت الآن إلى المستوطنين في تغيير الحقائق على الأرض بشكل فعال، وتعريض وجودنا البالغ 1600 عام في القدس بشكل خطير". وشدّد البيان على أن وجود البطريركية و الجالية الأرمنية في القدس يتعرضان للتهديد تاريخي. ويذكّر البيان المجتمع الدولي بأن الحيّ الأرمني ليس مجرّد حيّ جغرافي، "إنه رمز وجودنا الدائم وهويتنا". واختتم بأن أي محاولة للتعدّي عليهم "تهدّد بتدمير نسيج" مدينة القدس القديمة.

تحيّة إلى المكوّن الأرمني البطل على وحدة الحال والصمود الأسطوري على أرضهم وشجاعتهم في النضال غير العنيف من أجل حقوقهم التاريخية في القدس، وكلنا أملٌ بأن تستفيد القيادات والمجتمع الفلسطيني الواسع من هذه التجربة، ومن أهمية العمل الوحدوي والصمود على الأرض، مهما كلف ذلك من ثمن.

عن العربي الجديد