فيلم هندي (حياة الماعز) يكشف جوانب من العبودية في نظام "الكفيل"

الرابط المختصر

"هذا الفيلم لا يحمل إساءة لأي دولة أو شعب أو مجتمع أو عرق".. بهذه العبارة بدأ صناع الفيلم الهندي حياة الماعز فيلمهم في إشارة إلى ما سيحدثه الفيلم من ضجة كبيرة على المستويين الخليجي والعربي بمجرد عرضه.

فيلم حياة الماعز من إنتاج هندي استغرق تصويره خمسة أعوام ما بين بلدان الأردن والهند وبلدان أخرى وعرض في الهند في مارس الماضي ثم تم عرضه على منصة نيتفليكس في يوليو الماضي ليصبح الفيلم الأكثر مشاهدة ويشاهده ملايين عبر منصة الأفلام الشهيرة.

 

قصة الفيلم مأخوذة من رواية بنيامين وهي تجسيد لقصة حقيقية بطلها مواطن هندي يحكي ما تعرض له من مآس بشعة أثناء رحلة عمله في المملكة العربية السعودية على يد ما يعرف باسم الكفيل والذي جسد دوره الفنان العماني طالب البلوشي.

على مستوى صناعة الفيلم من حيث التمثيل والإخراج والتصوير والسيناريو والموسيقى التصويرية فقد أبدع صناع الفيلم في رسم تفاصيل الحكاية بدقة واحترافية شديدة ما جعل انتشار الفيلم والتأثر بأحداثه أمرا طبيعيا لما يجسده من معاناة إنسانية كبيرة لفئة العمال المغتربين.

قصة نجيب العامل الهندي الذي باع منزله ليحصل على تأشيرة عمل في إحدى الشركات داخل المملكة العربية السعودية، هي قصة ملايين البشر الذين ساقتهم الأقدار لرحلة عمل مشابهة داخل السعودية ليصطدموا بكابوس بشري اسمه نظام الكفيل بما يحمله من قسوة وظلم وقمع واستعباد للعامل الوافد أيا كانت جنسيته أو دينه دون رحمة أو إنسانية أو احترام لقانون أو نظام.

 

يصل نجيب إلى السعودية وفي المطار لا يفهم لغة الموظفين ولا يجد كفيله الذي يستقبله، فقط صديقه الصغير حكيم الذي يعرف بعض الكلمات الإنجليزية ولا يفهم هو الآخر ما يحدث حوله في مشهد كشف لك معاناة كل عامل مغترب لا يعرف من اللغة إلا لغته الأم ويصبح عرضة للنصب والاحتيال بل الاختطاف من أصحاب البلد وهذا ما حدث مع أبطال الفيلم.

 

كفيل سعودي صارم الملامح قاسي الطباع عنيف المعاملة، اصطحبهم في سيارة متهالكة في رحلة نحو الصحراء القاحلة، يسبهم كلما تكلموا، يوبخهم كلما سألوا، يضربهم كلما اعترضوا، اختطفهم إلى المجهول، ترك الولد الصغير حكيم في مزرعة أحد أصدقائه داخل الصحراء ثم اصطحب نجيب بطل الحكاية إلى جحيم آخر أو حتى أكون دقيقا إلى حياة الماعز.

 

ثلاثة أعوام، تحول فيها نجيب إلى شخص آخر، فقد وزنه، طالت لحيته، تحول لونه إلى اللون الأسود، تعرض إلى أبشع أنواع العذاب، فلا ماء ولا طعام إلا بإذن الكفيل، لم ير إلا الماعز فبات يعيش حياتهم، يأكل أكلهم، حتى فقد القدرة على الكلام إلا بعضا من أصوات يطلقها الماعز بين الحين والآخر.

 

ثلاثة أعوام من الكفيل عديم الإنسانية، غليظ القلب، الذي لا يعرف إلا السباب والضرب بالعقال والتهديد بالقتل والتحقير من نجيب ومعاملته كما يعامل الماعز.

 

فجأة جاءت لنجيب فرصة للنجاة، تقابل مع صديقه الصغير حكيم وشخص آخر ذي أصول إفريقية وعدهم بالهروب، وهنا جسد الفيلم مأساة متكررة ليست فقط في صحراء السعودية هربا من الكفيل ولكنها مأساة الهروب من جحيم الأنظمة القمعية في عالمنا العربي.

 

رحلة نجيب في الصحراء، هي نفسها رحلة آلاف المصريين هربا من السيسي نحو السودان، وهي نفسها رحلة السودانيين هربا من حميدتي إلى مصر، نفس المعاناة في الحر والشمس وانعدام المياه والطعام ومواجهة الثعابين والعقارب والرمال المتحركة، رحلة عذابات أطفال ارتريا هربا من خدمة التجنيد الإجباري نحو الصحراء الكبرى، ورحلة آلاف المصريين هربا إلى ليبيا ثم أوروبا عبر صحراء مصر الغربية.

 

أثناء الرحلة، مات الشاب الصغير حكيم من الحر والعطش والتعب أمام أعين نجيب، ثم اختفى الشاب الإفريقي أيضا أثناء عاصفة رملية، حتى وصل نجيب فجأة وبمعجزة حقيقية إلى طريق للسيارات وهو في حالة إعياء شديدة وعلى مشارف الموت المحقق.

 

بعد محاولات بائسة لطلب النجدة وإيقاف عدد من السيارات، توقف له رجل سعودي كريم، اصطحبه معه إلى المدينة وأوصله إلى المسجد، وهناك التقطه بعض العمال الهنود فأنقذوا حياته.

 

مشهد النهاية في الفيلم قبل عودة نجيب إلى الهند مرة أخرى كشف عن مفاجأة مذهلة داخل مصلحة الجوازات وقسم الترحيلات، أن الكفيل السعودي الذي اصطحب نجيب من المطار لم يكن بالأساس كفيله الحقيقي وهو ما يوضح بشاعة هذا النظام الذي راح ضحيته آلاف البشر عبر سنوات طويلة.

حياة الماعز، قصة حقيقية كشفت جوانب من العبودية في نظام الكفيل داخل المملكة العربية السعودية، ولكنه أيضا أغضب السلطات السعودية  وهاجم سعوديون الفيلم وصناعه والفنان العماني طالب البلوشي لمشاركته فيما أسموه محاولة الإساءة للمملكة.