طوفان غير العالم

لم يعد العالم كمان كان وبالتأكيد لن يعود كما كان قبل طوفان السابع من اكتوبر، فتح العالم عينيه باتساع سطوة الاحتلال الإسرائيلي وعقيدته الاستيطانية على مدار عقود، ولا أظن أنه يستطيع إغلاقها أمام الحقيقة الواضحة بعد اليوم : أن هذه ليست دولة وإنما كيان محتل استيطاني سلب أرضا من شعبها بعكس الرواية التي يحاول فرضها على العالم ان فلسطين أرض بلا شعب قبل العام 1948.

وجزء كبيرا من الصحوة العالمية تلك تعود لكل الجهد الذي يبذله باستماته صحفيين وصحفيات وناشطين وناشطات ومدافعين عن الحقوق  في قطاع غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة، وهم يواجهون يوميا تحديات جسيمة أثناء قيامهم بعملهم بنقل الحقيقة و تغطية أخبار الحرب الوحشية هناك، بل هي أكثر من تحديات هي رهان على الحياة ببساطة.

يحاول الصحفيين والصحفيات في غزة والأراضي الفلسطينية الصمود يوميا و الإجابة على سؤال ماذا يدور بالفعل هناك على الأرض؟ ما الذي  يعانيه الفلسطينيين والفلسطينيات ليس منذ بدء الحرب الأخيرة على غزة بل على مدار عقود من الاحتلال والتهجير والقتل والإبادة الجماعية والاعتقال والتنكيل؟

ولم تكن يوما مهمتهم سهلة  ولا تزال صعبة بل أحيانا مستحيلة دفعوا مقابلها أثمان باهضة‘ حياتهم أحيانا وحياة إعزاء و احبة لهم أحيانا أو حتى  مجرد استحالة  الحصول على  فرصة للعيش بسلام والعمل ضمن ظروف طبيعية في الحد الأدنى يتمتعون بها كصحفيين بحماية تفرضها مهنتهم  التي تنص عليها المواثيق الدولية التي باتت بلا معنى أمام وحشية الإحتلال الذي ضرب بكل المواثيق -كعادته-عرض الحائط.

تنص  القاعدة 34. من القانون الدولي الإنساني  أنه " يجب احترام وحماية الصحفيين المدنيين العاملين في مهام مهنية في مناطق نزاع مسلح ما داموا لا يقومون بدور مباشر في الأعمال العدائية.

ورغم ذلك ارتكبت وما زالت ترتكب تجاه المدنيين وبخاصة الصحفيين جرائم حرب  شنيعة يوميا امتداد لسياسة ممنهجة لاستهداف وقتل الصحفيين الفلسطينيين على مدار عقود لإسكات صوتهم والتعتيم على الحقيقة لتكريس رواية الإحتلال  الأحادية .

ولحسن الحظ لم يثن أي من تلك الممارسات الإجرامية أجيال من الصحفيين انضمت لها أجيال شابة بل أطفال لاستغلال المنصات الإعلامية ومواقع التواصل الإجتماعي لرفع الصوت وبث الصور والحقائق حول ما يجري فعلا من قتل وتدمير توضحت بها الرواية الفلسطينية ليس على المستوى المحلي والإقليمي فحسب وإنما على مستوى العالم.

وأصبحوا جميعا جزء من حياتنا اليومية وأفرادا من عائلاتنا نحفظ أسماءهم وأسماء عائلاتهم وشهداءهم وأماكن تواجدهم نتشبث عبرهم ببعض الأمل أمام عجزنا الذي يكبلنا أمام الشاشات بلا حول ولا قوة، نناشد أنظمة تبين أنها تشاركنا المناشدة في بيانات قممها ومقابلاتهم الصحفية كأنهم مثلنا بل أكثر عجزا عن اتخاذ قرار والقيام بفعل!

بفضل هؤلاء الجنود الصحفيين والصحفيات في غزة والأراضي المحتلة : العالم اليوم بدأ يتغير بالفعل وارتفع صوت عربي فلسطيني مهني يواجه مؤسسات إعلامية غربية كبرى تبين بوضوح أنها موجهة ومدفوعة من سياسيين وقوى ضغط وأصحاب مصلحة ..تتبع نفاقا واضحا عند تطبيق الحريات والمعايير المهنية  الصحفية عندما يخص الأمر حقائق تنصف الضحية ولا تنحاز للمعتدي ..ورأينا جميعا زيف تلك المعايير وإهمالها عن قصد بل أحيانا يتعمد التزييف عندما تدين المحتل وتدافع عن صاحب الأرض.

العالم بدأ يتغير بالفعل  :  بفضل  أجيال هجرت عائلاتهم على مدار  75 عاما وابيد الآلاف منهم بشكل جماعي وتعرضوا تصفية عرقية ..تعاد تفاصيلها اليوم في غزة..وقرر هذا الجيل ان لا يصمت وأن يقوم  بدوره  بالفعل بفضل تقنيات رقمية حديثة بإيصال الحقيقة ..لأنه مؤمن بأنه هو صاحب الأرض والحق حتى لو انه  يعيش اليوم بعيدا عنها آلاف الأميال في دول مجاورة أو في قارة مختلفة تماما .    

أجيال من الصحفيين والمصورين والناشطين من الجنسين شكلو وعيا جديدا اليوم بأن:

أي سؤال يركز على إدانة حماس دون التركيز على 75 عاما من الإحتلال هو سؤال منحاز سلفا وغير مهني

وأي سؤال يثير موضوع الإرهاب في سياق تبرير الهجمة الإسرائيلية الوحشية مؤخرا و على مدار عقود  دون التركيز على  سياسات إسرائيل الاستيطانية في الأراضي المحتلة ودعم المستوطنين والتنكيل المستمر بالفلسطينيين في جميع الأراضي المحتلة هو سؤال منحاز سلفا أيضا.

واي طرح حول حجة حق الدفاع عن النفس  والدروع البشرية دون الحديث عن حق المقاومة والتصدي للقتل الوحشي للنساء والأطفال واستهداف المدنيين الأبرياء في غزة هو طرح منحاز يتبنى وجهة نظر المعتدي وإهمال الضحية عن قصد .

لكل الصحفيين والصحفيات في غزة والأراضي المحتلة قلوبنا معكم وندعو لكم جميعا بالثبات ولأهلنا هناك ان تنتهي هذه الحرب بنصر مبين ..وأن ينزل الله سكينته ويعيد السلام لأرض السلام والحرية لفلسطين من البحر إلى النهر .

 

أضف تعليقك