طارق الجندي.. رؤية في تعلّم آلة العود
في عام 2018، أصدر أستاذُ الموسيقى والمؤلّف الأردني طارق الجندي كتابه "دراسات ومؤلّفات لآلة العود"، الذي اشتمل على ثلاثين مقطوعة موسيقيّة من تأليفه، ما بين مقطوعات حرّة، وسماعيات، ودراسات، ومقطوعات تقنيّة متقدّمة، كُتبت بشكلٍ يوثّق الأصابع المُستخدمة في عزف الجُمل الموسيقية وأرقام الأوتار التي تُعزف عليها، بالإضافة إلى بيان حدود الجمل الموسيقية والتعبيرات المستخدمة في أدائها.
إصدارٌ أتى بعد حوالي عشرين عاماً من ممارسة الموسيقى وتدريسها، وتقديم ألبومات عدّة منها: "بين بين" و"ترحال" و"ألحان من طفولتي" و"موسيقى من عمّان" و"صور"، وهو يعمل مدرساً للموسيقى في "الجامعة الأردنية".
نظّمت "مؤسسة عبد الحميد شومان" في عمّان، عند السادسة والنصف من مساء اليوم الاثنين، حفل إشهار كتاب "منهاج آلة العود" (ثمانية أجزاء) الذي صدر حديثاً للجندي، وتلاه حوارٌ مع الجمهور أداره حمزة عبده.
ما يميّز الكتاب سلاسة طرح المعلومة، وعدم فصل الجانب النظري عن العملي، وإرفاق جوانب التذوق الموسيقي
في حديثه إلى "العربي الجديد"، يرى الجندي بأن "ندرة مناهج الآلات الشرقية في المعاهد الموسيقية العربية أمر طبيعي، لأنَّ تجربة التأليف الموسيقي في العالم العربي تقدّر بنحو مئة وعشرين سنة فقط، حيث كان التراث الموسيقي كلّه شفوياً. إلا أن هناك جهوداً عديدة تبذل في هذا السياق، وهي تحتاج إلى زمن طويل من أجل تراكم التجربة، علماً بأن عملية كتابة المناهج تتطوّر حالياً، وكل فترة يُفترض وضع مناهج جديدة".
ويشير إلى أنَّ عمله في الحقل الأكاديمي واطلاعه على المناهج المتداولة حالياً دفعه إلى تأليف كتابه من أجل سدّ الفراغ، موضحاً أنَّ علوم الموسيقى مثل بقية العلوم، تتطلّب وجود أكثر من كتاب يُعلّم كلٌ منها بأسلوب مختلف، كما يجب توثيق كل مدرسة في العود مثل المصرية والشامية بواحد من المنتمين إلى المدرسة نفسها.
ويقول الجندي إن "ما يميّز مؤلَّفه سلاسة طرح المعلومة، وعدم فصل الجانب النظري عن العملي، وإعطائهما بشكل متوازٍ، بالإضافة إلى إرفاق جوانب التذوّق الموسيقي عن المؤلفين الموسيقيين، والصور التوضيحية والشروحات، من شأنها تغطية بعض العلوم النظرية المرتبطة بالعزف على العود".
ويضيف "بسبب خلفيّتي في دراسة الموسيقى الغربية، والتشيلو منها تحديداً، حاولتُ أن أكتبَ بشكلٍ متسلّسل دون أيّة قفزات، وعملت خلال أربع سنوات على تأليف الكتاب الذي يصدر بثمانية أجزاء، مكتوبةً باللغتين العربية والإنكليزية لأجل تعلّمه من شرائح أكبر، إذ قمت بتجريب ما كنتُ أدوّنه مع طلبتي في الجامعة وأقوم بتنقيحه حتّى ظهر بشكله الحالي".
ويلفت الجندي أيضاً إلى أن الكتاب يغطّي جوانب تتعلّق بالارتجال، الذي كان يقال دائماً أنه لا يمكن تدريسه، من خلال تخصيص جزء للتقاسيم، عبر وضع تسعة منها تشكّل نواة لصقل موهبة العازف في الارتجال.
ويكتب في المقدمة إن "عملي كمدرّس لهذه الآلة (العود) في عدة أماكن ومؤسسات وجامعات على مدار السنوات، حتّم عليَّ تطوير نفسي وأساليب التعليم التي أستخدمها، والنقد والتفكير"، ويتابع "بدأت بالتعامل مع دارس هذه الآلة، كالمتعلّم للغة جديدة، يحتاج إلى التفصيل والإرشاد والتوجيه من قبل المناهج والأستاذ، أو عن طريق أساليب التعليم الرقمية الحديثة التي لا تُغني عن لقاء الأستاذ بين الحين والآخر، والممارسة المتنوعة التي تفتح آفاقه وتجعله في نهاية المطاف قادراً على استعمال آلته كأداة تعبير بالشكل الذي يراه مناسباً. ولكن بعد بناء أرضية صلبة، عن طريق الدراسة والتدرّب على العديد من التمارين والأمثلة الموسيقية، والقوالب الكلاسيكية، والمقطوعات الحرة، آلية أو غنائية، لعدّة مؤلّفين، راحلين أو معاصرين، وتدرّبه على أساليب متنوّعة قدر المستطاع، وعدم حصره، بحقبة، أو أسلوب، أو عدد قليل من المؤلّفين".
يتكون كل مجلّد من الكتاب من مجموعة دروس، تهدف إلى إكساب الطالب مختلف المهارات العزفية المدعّمة ببعض الشروحات، وذلك لتسهيل فهمها حيث تمّ بناؤها بشكل تدريجي وممنهج، عن طريق حصص فردية يمكن تطبيقها بشتّى الوسائل المُتاحة والمتنوّعة في هذا العصر.
ويحتوي كل مستوى من هذه المجلدات على مجموعة مقطوعات آلية أو غنائية ضمن صيغ القوالب الكلاسيكية أو الموسيقية الحرّة لمؤلّفين راحلين أو معاصرين، تمتّ كتابتها بشكل يتناسب مع مستوى الطالب لدراستها وتحقيق النتائج المرجوة منها، وذلك بهدف تعريفه بالموروث الموسيقي الشرقي الآلي والغنائي، بالإضافة إلى التجارب المعاصرة والتي عملت على تطوير هذه الآلة من النواحي التعبيريّة والتقنيّة، وذلك لخلق حالة من التوازن ما بين الموروث الآلي والموروث الغنائي القديم أو الحديث، وضرورة دراستهما وممارستهما بشكلٍ متوازٍ لتوسيع الأفق، والتجربة، والمهارات التعبيريّة.
ويختم الجندي المقدِّمة بقوله إن "هذا المنهاج بُني على إستراتيجية التجزيء والتحليل، للوصول إلى تعليم الطالب كيفية التعلّم، لا تلقينه وحصره في التطبيقات الكثيرة المتشابهة، وتركه للاستنباط والتحليل، مما يؤدي إلى إدخاله في متاهة موسيقية، يتوسّع فيها بشكل أفقي، بينما تحدّ من تطوّره بشكل عاموديٍ تراكمي وبنّاء، بما يتناسب مع الوقت والجهد المبذولين من قبله ومن قبل الأستاذ".
*المصدر: العربي الجديد