صناعة الحذاء المحلي.. مشكلة عنوانها " الفرنجي برنجي"

صناعة الحذاء المحلي.. مشكلة عنوانها " الفرنجي برنجي"
الرابط المختصر

يتنقل حسين قابوق ( أبو سليمان) بين كرسي العامل وكرسي المدير في مشغله المنزوي في طلعة حليمة السعدية في منطقة المصدار، بين الكرسيين يحافظ على ذات الهندام الملطخ بالغراء والأصباغ والمترع بالثقوب جراء عمله المتواصل في صناعة الأحذية.

عندما دخلت إلى مشغله بعد وقت ليس بقليل قضيته في البحث قفز لاستقبالي، وبعد تعارف سريع قال مازحا : " خسارة فكرتك زبون"، مزحته عكست واقع الحال الذي يعيشه صناع الأحذية الذين ينتظرون الزبون بشغف بعد أن أضحت صناعتهم آيلة للزوال.

عاد أبو سليمان إلى كرسي العامل، وواصل تجميع الأحذية بشكل أتوماتيكي يضاهي في سرعته الآلات، مؤكدا أن منتج عمله يضاهي جودة ما تنتجه الآلات، وكلما فرغ فمه من المسامير التي يضعها فيه قبل أن تنتقل برشاقة بين أصابعه ليثبت فيها الحذاء على إيقاع صوت المطرقة على السندان، يفصح عن تفاصيل رحلته مع مهنة صناعة الأحذية.

المسامير تركت أثارها على أسنان أبو سليمان، حيث تضررت أسنانه الأمامية فاستبدلها بأسنان صناعية خلفت لديه مشاكل في النطق.

ايام الخير

يؤرخ أبو سليمان (54 عاما) لبدايته في المهنة بحرب الكرامة في العام 1968، وكان في الحادية عشرة من عمره حين التحق بأخواله الذين كانوا يمتلكون مشغلا لصناعة الأحذية في مدينة السلطة ليتعلم المهنة، وهناك قضى خمسة سنوات خرج بعدها " معلما "، لينتقل العام 1973 للعمل في مصانع العاصمة.

يصف تلك الأيام بـ" أيام الخير" يقول "كانت مهنة صناعة الأحذية من المهن التي يطمح الناس لتعليمها لأبنائهم بسبب دخلها المرتفع".

وعن واقع المهنة في تلك الأيام يقول " كانت المصانع الضخمة منتشرة في العاصمة وفيها أعداد كبيرة من العاملين، إضافة إلى مئات المشاغل الصغيرة"، يذكر مصنع مروان مسلم و بركات والأهرام التي كانت تصدر منتجاتها إلى اليمن، السعودية ،العراق، بلغاريا وروسيا، قبل أن تتوقف حركة التصدير مع نهاية التسعينات وتغلق تلك المصانع أبوابها. لم تكن البطالة تعرف طريقها في تلك الايام لممتهني صناعة الاحذية، يقول "كان العامل مثل الدولار وكان صاحب العمل يقدر العمال ويتمسك بهم".

أبو سليمان الذي تنقل بين عدد من المصانع والمشاغل أسس في العام 1990 مشغله الخاص، ليتحول من عامل إلى صاحب عمل.

عند افتتاح المشغل استعان أبو سلميان بـ 15 عاملا لمساعدته في انجاز الطلبيات التي كانت تتهافت عليه من أصحاب المعارض، لم يكن المشغل يهدأ وكان العمال يوصلون العمل حتى ساعات متأخرة، يقول " كنت أكرم العمال حتى احفزهم على زيادة العمل".

لم تكن معارض عمان تعرف غير إنتاج المشاغل التي نمت أعدادها بشكل كبير وخصت بالعاملين، قبل أن تبدأ بالتعرف في وسط التسعينات على وافد جديد ينافس الصناعة المحلية.

دخول الصيني

يقول أبو سليمان إن المشكلة بدأت 1997، مع دخول صناعة الأحذية الصينية إلى الأسواق، يتابع في البداية لم نتوقع أن تؤثر الصناعة الصينية على الصناعة الاردنية المعرفة بجودتها ومتانتها، فواصلنا العمل كالمعتاد "ولكن يوما بعد يوم، صار اصحاب المعارض يتغيبون، وقل طلبهم على منتجنا، وكلما قلت الطلبيات كنت أخفض عدد العمال، وحين غاب أصحاب المعارض بشكل كامل استغنيت عن جميع العمال".

يتحدث بحسرة عن عماله يقول: " لم يقصروا في العمل، وظللت أدفع رواتبهم لاشهر طويلة على الرغم من عدم وجود عمل على أمل أن يتغير الحال"، ويضيف بعدها لم يعد عندي القدرة على المواصلة بعد أن أنفق 15 ألف دينار هي كل ما ادخره خلال عمله.

ضعف الإقبال على صناعته دفعة لقليل الكلف، وبعد أن استغني عن العمال استغني عن جزء من مشغله، حيث سلمه إلى صاحبه لتقليل الأجور، و استعان بعد ان أصابه التعب بأبنائه ليساعدوه في انجاز العمل القليل.

اليوم يساعده في العمل أبنائه سليمان 22 عاما وصدام 17 عاما اللذان تركا مقاعد الدراسة ليلتحقا بمقعد العمل، وكانا ينكبان على العمل بكل جهد.

العمال الذين غادروا المشغل وتحولوا إلى أعمال أخرى ما زالوا يواصلون زيارة المشغل، يتساءل عمار عليوي الذي ترك المهنة ليصبح بائع بسطة " هل سالت الحكومة نفسها اين ذهب العمال ؟ ".

ويقول منتقد مطلب وزارة العمل الدائم من أصحاب مشاغل الأحذية بضرورة المنافسة " لا يستطيع خمسة مليون منافسة مليار ونصف مليار لديهم المواد الخام والأيدي العاملة الرخيصة"، ويتابع بعصبية " إذا كانت الصناعات الصينية أحسن وارخص، فعلى الدولة أن توقف كل الصناعات وتوظف كل أبناء البلد حتى نترك الصناعة لا أن تتركنا نصارع المنتجات الصينية دون حماية حتى ننهار ونتحول إلى عاطلين عن العمل أو شحادين او لصوص حتى نتمكن من الحياة".

يقول عليوي " الأحذية التي تأتي من الصين أحذية رديئة وأصحاب المعارض يهتمون بالربح النتائج عن كثيرة البيع"، وهو يؤكد انهم لا يريدون حماية للمنتج المحلي، بل يريدون أن تطبق تطبق المواصفات والمقاييس على المنتجات الصينية كما تطبيق على المنتج المحلي، بحيث يتم منع أي منتج لا يتناسب مع المواصفات الأردنية.

يتفق أبو سليمان مع عليوي، ويتساءل لماذا تقوم المواصفات والمقاييس بالتفتيش علينا ولا تفتش على البضائع الصينية؟.

ويرى ان العدالة تقتضي وضع مواصفات للأحذية التي يتم استيرادها من الصين بحيث تكون متقاربة مع ما يتم تصنيعه في الأردن، الحل الذي سيؤدي إلى تناسب في الأسعار بين المنتج المحلي والمستورد.

وهو برى ان اكبر دليل على رداءة الأحذية المستوردة، هي حقيقة ان بلد مثل الاردن، لا يتجاوز عدد سكانه الخمسة مليون، لكنه يستورد من الصين عشرين مليون حذاء سنويا.

مكانة صناع الاحذية

خلافا لعليوي الذي تعلم المهنة عند أبو سليمان وانتهى به الحال عامل بسطة بعد الاستغناء عنه، قام مهند العويوي بفتح مشغل لصناعة الأحذية وتخصص في صناعة الأحذية الستاتي.

كان في مشغل أبو سليمان يشتكي حال الصناعة التي انهارت، قال " لم استطع أن أغير مهني بعد أن تركت العمل عند أبو سليمان". لا يحزن مهند انهيار وتراجع المهنة، بل يزيد في حزنه تراجع نظرة الناس إلى العاملين في المهنة، يقول إن صانع الأحذية كان أفضل من الطبيب! اليوم أصبح لا يجري على التقدم لطلب الزواج.

مهند يرى ان طلب حماية المنتج في وزارة الصناعة للعاملين في صناعة الأحذية بمنافسة المنتج الصيني مجرد تحايل وكذب، ويرى الحل يكمن في إغلاق السوق أمام الصناعات المستوردة لفترة من الزمن لمنح المنتج المحلي فرصة للمنافسة.

ابو سليمان يصف قرار وزارة الصناعة والتجارة لحماية المنتجات المحلية الذي طبق في العام 2007 بالممتاز، وبحسبة فقد ساهم القرار الذي فرض ضريبة على الأحذية المستوردة في انتعاش عمل المشاغل المحلية التي استطاعت المنافسة.

وفرض القرار الذي طبق لمدة ثلاثة سنوات رسم نوعي مقداره 5ر4 دينار على الأحذية المستوردة المصنعة من الجلد الطبيعي، في حين خضعت باقي أصناف الأحذية والتي يدخل في تصنيعها الأقمشة والمواد الصناعية المختلفة لرسم نوعي تراوح بين نصف دينار إلى دينار ونصف.

لكن وبعد انتهاء سريان القرار عاد التراجع إلى سوق المشاغل، بحسب أبو سليمان الذي يرى الحل في وضع حماية دائمة للمنتج المحلي.

السياسة الرسمية

ويتهم وزارة الصناعة بالعمل لصالح التجار والمستوردين على حساب أصحاب المشاغل، كما يتهم الجمعية الأردنية لمصنعي ومصدري الأحذية والصناعات الجلدية بعدم دعم الصناعة المحلية، ويدلل على ذلك بالمنحة الأوروبية لتي بلغت 16 مليون يورو والتي خصصت في العام 2010 للصناعات المتضررة حيث وزعت "بناء على المصالح الشخصية، واستفاد عدد قليل من المشاغل منها".

أصحاب مشاغل الأحذية التي تتلاشي شيئا فشيئا ملوا من مراجعة وزارة الصناعة والتجارة ووحدة حماية المنتج المحلي، لأنهم لا يحصلون سوى على رد واحد كما يقولون " نافسوا".

كيف ننافس؟ تساءل ابو سليمان والعويوي، يقولان لا يمكن أن ننافس والحكومة لا تقدم لنا أي مساعدة تمكنا من المنافسة.

وقف الاثنان امام المشغل وأشارا الى الشارع وهم يعددان المشاغل التي أغلقت بعد ان عجزت عن المنافسة والبقاء مع قلة الطلب على منتجها، فبعد ان كانت طلعت حليمة السعدية تعج بالمشاغل التي زاد عددها عن المائة في السنوات الماضية لا يزيد عدد المشاغل اليوم على العشرين مشغل، يتوقع أبو سليمان أن يتناقص عددها قريبا.

ثم يستذكر " معلمي المصلحة" وكيف انتهى بهم الحال ، متخوفا ان يلاقي نفس مصيرهم، يقول مات بخبخ، الذي كان أفضل صاحب مشغل، وهو يبيع الخردة على بسطة في وسط البلد بعد أن أغلق مشغله... ويضيف" لقد مات فقع".


* نقلا عن المستور/ مجلة فصلية متخصصة بقضايا الفقراء