صراع الزوايا الصحفية
لعقود طويلة من عمر الصحافة الورقية، ظلت اسماء الزوايا التي يكتب تحتها كتاب الصحف تشكل جزءاًً أساسياً من مقالاتهم، ومحلياً اعتاد الكتاب على العناية بأسماء زواياهم بحيث تحتمل أكبر قدر ممكن من الثبات والاستمرارية.
لكن تلك الزوايا كانت بالفعل اسماً على مسمى كما يقال، حيث كانت المقالات تحتل فقط الزاويتين العلويتين من صفحة الجريدة، وحينها لم تكن الصحافة قد أفردت مساحات خاصة لمقالات كتابها، وهو الأمر الذي عندما حصل كانت نتيجته أن الزوايا لم تعد جميعها زوايا! لأن الصفحة الواحدة تحتمل أربع زوايا فقط بينما تكتظ الصفحات بالمقالات. ومنذ ذلك الوقت صار الكتاب يفضلون تسمية "كاتب عمود" على تسمية "كاتب زاوية"، رغم ان متطلبات اخراج الصفحات كانت تجعل من بعض الأعمدة مستطيلات أو مربعات صحفية. وبالتوازي مع تلك التبدلات في المقالات وازدياد عدد كتابها، أخذت الصحف تزيل الأسماء من أعلى الزوايا وتكتفي باسم الكاتب فقط، ولكن ذلك تم بالتدريج.
بالأمس، أي يوم الأحد الخامس من نيسان ومع آخر موجة تحديث وتغيير تشهدها صحيفة "الدستور" وبعد أسابيع على تولي محمد التل موقع رئاسة التحرير، صدر عددها بزوايا من دون أسماء لأول مرة، ولم يحتفظ بالأسماء سوى الكتاب الساخرون يوسف غيشان ورمزي الغزوي وكامل نصيرات، مع زاويتين عريقتين على الصفحة الأخيرة.
وصحيفة "الدستور" بذلك تلتحق بزميلتيها "العرب اليوم" و "الغد"، فالأولى بادرت الى إزالة أسماء الزوايا مع عودة طاهر العدوان الى رئاسة تحريرها عام 2000، اما صحيفة "الغد" فقد ولدت بزوايا من دون أسماء، وبالعكس منها فإن زميلتها اليومية الجديدة "السبيل" التي تضم عدداً قليلاً من الزوايا، ولكنها ولدت بأسماء أو نقلت أسماءها معها من زمن الصدور الاسبوعي.
لكن صحيفة "الرأي" لا زالت مواظبة على ذلك التقليد، مع فترة انقطاع دامت ثلاث سنوات عندما تولى جورج حواتمه موقع رئيس التحرير فيها ابتداء من مطلع عام 2003، ويعْرَف حواتمه بين الصحفيين بأنه من خصوم الزوايا بصيغتها الحالية، وقد ظل يقول انها مجرد "مشاعر" أو "انطباعات" تخص كتابها. والجدير بالذكر ان حواتمه عندما قام بإعادة ترتيب الزوايا في الصحيفة وجمع اغلبها في صفحتين متقابلتين ووضعها في الجزء الثاني، فإنه تعرض لهجوم من الكتاب الذين اعتبروا ذلك عدواناً على مقالاتهم، ومن طرائف ما حصل مع الحواتمه في تلك الفترة أنه عندما أعلن أن الترتيب الجديد سوف يعطي الأولوية للمقالة التي تتناول الشأن المحلي ويضعها في أعلى الصفحة، سارع أحد الكتاب القدامى في رسالة بعثها لرئيس التحرير، ونشرها هذا الأخير، معلناً انه مستعد لتبديل محتوى مقالاته من العربي والدولي الى المحلي كي يحفظ لمقالته موقعاً في أعلى الصفحة.
ما حصل أن المساحات التي تجتمع فيها المقالات حملت تسميات جماعية للزوايا معاً كبديل للتسميات الفرعية، فهي في صحيفة الغد أخذت تسمية "أفكار ومواقف" وفي العرب اليوم "آراء تعليقات" وفي السبيل "مقالات وآراء" بينما في الدستور فقد تم تغيير التسمية الجماعية من "قضايا وآراء" قبل التطوير الأخير الى "آراء وقضايا" بعد التطوير ابتداء من أمس الأحد، أما صحيفة الرأي فقد وزعت المقالات على الجزأين الأول والثاني، وأعطت لمقالات الجزء الأول عنوانا جماعياً هو "آراء" بينما أعطت لمقالات الجزء الثاني عنوان "مقالات وتعليقات".
غير أن الملاحظ أن الصراع على الزوايا بين الكتاب كان متجاوباً مع التبدلات التي حصلت على اخراج الصحف، ففي المرحلة الأولى عندما كانت الصحف تصدر في جزء واحد، كان بعض الكتاب يحظون بموقع على الصفحة الأولى يليهم في المركز الصحفي صاحبا زاويتي الصفحة الأخيرة، ثم يتسلسل باقي الزملاء على زوايا الصفحات الأخرى.
ومع بدء عهد صدور الصحف بأكثر من جزء، صار في كل صحيفة أكثر من صفحة أولى وأكثر من صفحة أخيرة، وبعضها تصدر أحياناً بأربع صفحات أولى ومثلها أربع صفحات أخيرة، وهو ما يعني تعدد كتاب الأخيرة والأولى، وبالطبع مع فروقات بين أخيرة الجزء الأول وأخيرة الجزء الثاني.. وهكذا. كما أن هرمية الكتاب في الصفحات الجماعية طالها بعض التبدل أيضاً، فللصفحة رأسان وذيلان ووسطان، وبحسب مركز المقالة وكاتبها يتحدد موقعه في الصفحة، ويفوز على الدوام من يحتل "صدر" الصحيفة!











































