شوّهوا حقوق الطفل فكانوا على أنفسهم شهود

 

 

 لم يعرف التاريخ تنظيماً ولا مجموعةً تكفي أعداءها مؤونة كشف عوارها وفضح خوائها وانحدار تفكيرها.. مثل فلول تنظيمات الإسلام السياسي التي يبدو أنه قُدِّرَ لها أن تُسَلَّط على نفسها فتكون هي ذاتها معول هدم بنيانها وحبل تُنشَر عليه سقطاتها ونزواتها وشذوذها عن الفطرة والناموس.

 ردّة الفعل المفتعلة والمبتذلة التي صدرت عن فلول الفكر المتطرف في الأردن على مشروع قانون حقوق الطفل؛ جاءت حلقةً في سلسلة ممتدة عبر الزمن من الهلوسة الفكرية الكاشفة عن الجمود الذهني والانحدار القيمي الشديدين اللذان أصبحا من السمات الهوياتية لهذه الفلول ومن الركائز التي  تقوم عليها ممارساتها الديماغوجية المقيتة التي من أبرزها المتاجرة الرخيصة بحقوق الإنسان التي تستخدمها في الداخل سبّةً ووصمةً ضد خصومها في الفكر والسياسة، فيجعلها قادتهم وأئمة التطرف فيهم  عنوانً ل«الشذوذ.. والإفساد.. والإباحية.. والتبرج.. والتحرر.. والمساواة..»، ولاحظ كيف يستخدم ثملو الفكر المتطرف هؤلاء مفردات في سياق المترادفات مع عدم وجود الوصل والصلة بينها مثل: «الشذوذ والمساواة، والتبرج والتحرر..». في المقابل،تجد  هذه التنظيمات التي لم تحفظ من النقول إلا «فقه الحيل.. والمداراة.. والخدعة في الحرب.. والضرورات تبيح المحظورات..»؛ تتاجر بحقوق الإنسان بل لا تستحي أن تنسبها لمنظومتها الأيديولوجية وموروثها الفكري العنيف، وذلك  حينما تكون في مقام منظمات أو منتديات دولية دعتها لحضور إحدى فعاليات «مصلحة أو سبوبة حوار الأديان»، دون أن تجد هذه الفلول المنظمة أي حرج في ما تمارسه من نفاق ورياء وازدراء لعقول أتباعها، ولما لا، وكما قلنا: «الضروات تبيح المحظورات.. والحرب خدعة..»، والقوم طبعاً في حرب إيديولوجية دائمة ضد «الأجندات الغربية ومؤيدوها»، حتى تحين ساعة الحسم وتحضر «الفريضة الغائبة».

 ما تضمنه البيان الهزيل الذي صدر عن مجموعة حزبية نعتت نفسها ب«العلماء» حول مشروع قانون حقوق الطفل؛ يبدو أسخف من أن يتم تفنيده أو مناقشته، ذلك أنه مجرد ورقة سياسية رخيصة لمناكفة الدولة وتأليب الرأي العام ضدها، ربما لأنها  قررت بسط سيادتها وسلطتها على بعض معاقل هذه التنظيمات التي يتم تلبيسها لباس «دور أو حلقات العلم.. أو الأندية والجمعيات الثقافية..»، ناهيك عن محاولة الدولة مؤخراً وقف مذبحة المركز الوطني لحقوق الإنسان من خلال تحييد الانتماءات الحزبية والأيديولوجية التي تعد آفة وبائية تفتّ في عضد استقلالية ومصداقية أي مؤسسة حقوقية، خصوصاً إذا تربع على تلّها من يسعى إلى خرابها.. المهم أن هذا البيان يتحدث عن نفسه وعن مصدريه، فهو مثل كل فرقعاتهم مبني على منهجية الإرسال والتعميم والتغميم والاجتزاء والانتقاء، وبطبيعة الحال وكما هو ديدن القوم؛ التفكير «تحت الزنار»، ثم هو يعج بالعبارات الإيحائية التحريضية التي تستنكر وتشجب وترفض وتدين ما تلبّسهم وتلبّسوه من خرافات التآمر وقصصه التي قرؤوها تاريخاً صنعه بعض أسلافهم فاستعذبوه فسكنهم وسكنوه، فلا يقوى على إخراجه منهم ولا إخراجهم منه؛ زار ولا طبلة ولا طار.

 

 يعلم المدلّسون قبل غيرهم؛ أن مشروع القانون من المستحيل أن يتضمن لا بالعبارة ولا بالدلالة أي شيء من شأنه شرعنة «تغيير ديانة الطفل أو تمرده على أسرته أو دفعه نحو الإلحاد أو الشذوذ ..» وما إلى ذلك مما يتمنونه فيتوهمونه ليكون حصان طروادة الذي ينقضّون به على كل ما يختلف عنهم ومن يخالفهم .

 المسكوت عنه في بيان عتاة التطرف الفكري، هو بيت القصيد وعلّة ما اقترفوا ويقترفون من تشويه لكل قيمة بجعلها ذميمة وتحويل كل فضيلة إلى رذيلة، فحتى إن كان صحيح أنهم أرادوا المناكفة بتشويه مشروع القانون، إلا أنهم لهم في ذلك من أدبياتهم سند ومرجع، ألا تراهم يتبجحون معترضين على تحديد سن الطفولة بالسنوات ويريدونه بالبلوغ (المحيض)، وهذا ينسجم تماماً مع ما يتناقلونه ويتقبلوه من أحكام «البيدوفيليا» أو ما يطلقون عليه «تزويج الصغيرة والاستمتاع بها»، وهو باب ثابت في معظم كتبهم الصفراء، فهؤلاء ممن يؤمنون بجواز تزويج الصغيرة في أرجح الأقوال حتى قبل البلوغ ويجوز الاستمتاع بها، أما الوطأ (الجماع) فقد أوقفوه على قدرة الصغيرة  على احتماله، وفي حال بلغت الطفلة المحيض ولو كانت بنت تسع سنوات أو عشرة، فيجوز الدخول بها ووطؤها قولا واحدا! وهذا حكم مستصحب عندهم يفتي به مشايخهم المعاصرون. هذا هو الجذر الفكري الذي تفرع عنه بيانهم المشؤوم. وإياك أن تذكّرهم باتفاقية حقوق الطفل التي صادقت عليها الدولة وعرفت في أحكامها من هو الطفل وبينت حقوقه، لأن هذه الاتفاقية مثل أخواتها من اتفاقيات حقوق الإنسان في عرفهم ما هي إلا مجرد «امتداد لبروتوكولات حكماء صهيون.. ومحاولة لطمس هوي الأمة.. وصكّ لبيع قيمها وأخلاقياتها..». وما دمنا عن القيم والأخلاقيات نتحدث في مقام مشروع قانون حقوق الطفل، فالقوم بالتأكيد يقرؤون في اورادهم باب الموالي والأيامى، وهم في ذلك لا بد أنهم يستحضرون «عظمة التعامل مع الأطفال الذين يتم أسرهم وسبيهن وبيعهم وبيعهنّ أو التسرّي بهن  ذوات يمين..»، إلا أن هذا لم يثنهم عن تشويه أرقى المبادئ في منظومة حقوق الإنسان، فتراهم استشاطوا غضباً ونفرت عروقهم وتزاحم الطفح على جلودهم.. لمجرد ذكر «احترام خصوصية الطفل! والعياذ بالله!»،، إذ كما هو ديدنهم؛  سارعوا  فربطوا بتلقائية منحرف التفكير بالسليقة بين هذا المبدأ العظيم و«الإلحاد والشذوذ!» والواقع أن عين الشذوذ هو هذا الربط الغريب الذي دائماً يقفز إلى أذهانهم فتنطقه ألسنتهم زوراً وبهتاناً في كل مرة تتم فيها مناقشة حقوق الإنسان، الأمر الذي يستحق من خبراء علم النفس والتربية والاجتماع تحليل هذه الظاهرة الفكرية الشاذّة للتعرف على جذورها ودلالاتها وطرق معالجتها، ولكم الأجر والثواب. فيكفيك مما نضح به البيان من ضلالات؛ هذه العبارة التي تتحدث عمّن سطّرها: “في المادة السابعة والثامنة يعطي القانون الطفل الحقّ في احترام حياته الخاصة وعدم التدخل فيها، وحقّ الحصول على المعلومات، وهذ يعني أنّه ليس للأب أن يعترض على ولده أو يتدخل في شؤونه، فإذا أراد الطفل أن يكون ملحداً أو شاذّاً فله ذلك”! هل يستقيم عند غير منحرف النفس والفكر والهوى؛ أن احترام الخصوصية الذي هو من أَجَلّ المبادئ وأعظمها أثراً في تنشئة جيل مستقل له شخصيته وهويته؛ سوف يفضي إلى «شذوذ وإلحاد..»، كيف يفهم هؤلاء الخصوصية؟ عموما، أنى لمن لا يجد في نفسه حرجاً أن يتعلم ويعلم غيره «أحكام نكاح الأطفال وسبيهن وإتيكيت ضربهن..»؛ أن تمر عبارة «احترام الخصوصية» على نفسه مرور الكرام، وهو من تربى وربى على أن «العصا من الجنة.. والضرب أساس التربية.. والضرب بيطَلِّع زُلُم..».

 ليس غريباً على من أمضىوا من الأيام 3 وهم يناقشون ويقنعون أوانيهم المستطرقة من أتباعهم المُطْرِقة؛ أن كلمة «الأردنيات» التي أضيفت إلى عنوان فصل في الدستور منذ أشهر؛ هي «جواز السفر نحو المجون.. والفجور.. والعري.. والشذوذ.. والمثلية .. وتغيير أحكام قانون الأحوال الشخصية.. والانقلاب على العادات والقيم الاجتماعية.... واستبدال اللحمة باللّيّة..وانتصار للصفرة على الطبليّة..»؛ أن يتاجروا بالطفل وحقوقه، مُعلين رذائل التسلط والضرب والسب.. بوصفها «وسائل للتأديب» على المتحضر والسامي من مبادئ وأسس التنشأة القويمة التي قوامها احترام شخصية الطفل وتطورها وهويته وخصوصيته وتنمية قدرته على الاختيار واتخاذ القرار.

 بالأمس كانت المرأة واليوم الطفل وغداً وبعد غد وإلى الأبد.. الإنسان وكرامته وحقوقه؛ ضحايا وقرابين ثملي السلطة والإرهاب الفكري الذين رضعوا العنف صاغراً عن صاغر، ويأبون إلا أن يتجرعه كل أَبْيٍ عاقل سويّ السجيّة رافض لِلّا منطقهم وعبثيتهم وعبثهم.

 

أضف تعليقك