شبان النظيف يبحثون عن الأبواب المغلقة

الرابط المختصر

لم تكن مدرسة "عاتكة بنت زيد" في جبل النظيف..على موعد مع أناس يبحثون عن بيوت تحتاج لمن ينهض ببيوتها من ثبات الفقر والعوز....وإنما كانت بابا شرع أمام "شبابيك" و"جيران" ومصعب خورما" ليكونوا اليد التي تفتح أبوابا تخفي ورائها فقراً ما كان لأحد أن يعرفه.

جبل النظيف، القابع وسط العاصمة عمان، ينتمي سكانه –في معظمهم- إلى الطبقات المتوسطة والفقيرة والأشد فقرا، حيث يصل تعدادهم إلى 120 ألف نسمة، وكغيره من مناطق عمان وتحديدا الشرقية ذات الكثافة السكانية تعاني من سوء الخدمات وتدني في مستواها فلا يوجد في الجبل مركز أمني وحدائق عامة وأماكن ترفيه، وحتى وقت قريب مكتبة للأطفال ومركز صحي.
 
وتجاوزا لنسب البطالة في الجبل والتي تتخطى نسبة 50% من مجموع سكانها، فالتحصيل العلمي بين الشباب مرتفعة ولكن لا نصيب في مجال العمل.
 
فدخول شركات القطاع الخاص في تنمية المجتمعات المحلية كان دعوة أطلقت في ملتقى المسؤولية الاجتماعية الضخم الذي أقامته أمانة عمان قبل شهور خلت..وكان الاعتداد بتجربة "النظيف" على اعتبارها تجربة لا يمكن المرور عنها هكذا.    
 
أما عن بداية تجربة "النظيف" فكانت مع مجموعة شبان بحثوا عن أماكن تحتاج إلى "الدعم" حيث لا مكان لها في أجندة الحكومة، فهم "لا يعلمون ما هي الكيفية لمساعدة الفقراء"..لكن باستطاعتهم المساعدة..
 
وأصل الفكرة، كانت في اندماج القطاع الخاص مع المجتمعات المحلية لأجل تنميتها، وكانت تلك الخطوة الجديدة، وأما جبل النظيف فكان مسرح البداية..
 
لكن، لماذا جبل النظيف؟
"قبل سنة من بدء المشروع..كانت تقوم رغدة بطرس مديرة المؤسسة وفادي غندور مدير مجموعة أرامكس الداعم للمشروع وعدد آخر، قاموا بجولات في المناطق المختلفة..وكان هناك مناطق فيها من الفقر الكثير..وخاصة تلك التي تحتاج إلى فرصة..وجبل النظيف هو من المناطق الأقل حظا..وإذا ما نظرنا إلى جغرافيته فهو بعيد عن عبدون خمس دقائق، وينتهي الشهر بالسكان ولا يملكون خمسة دنانير، أما الجهة الأخرى فهي واضحة".
 
"وجبل النظيف، خرج بعد جولاتهم في المناطق الأقل حظا، حيث لا يوجد فيه الخدمات كما في معظم مناطق عمان. لا مركز صحي ولا مركز أمني بالإضافة إلى أن صوت الناس منخفض غير عالي ولا أحد يسمعهم"..تقول رزان عبد الحق مديرة المشاريع في مؤسسة رواد التنمية.
 
كانت أولى الخطوات هي اتفاق مع وزارة الصحة لإنشاء مركز صحي وكذلك بريد النظيف الذي تأسس بعد تهيئة المبنى على حساب "رواد التنمية" وتزامن ذلك مع مطالب أطفال النظيف بمكتبة تأويهم..وجاءت مكتبة "شمس الجبل" المتاخمة للبريد.
 
وأول برنامج فعلي هو "مصعب خورما" ذاك الشاب الفاعل في مجتمعه المحلي في الأردن وفلسطين وتخليدا لذكراه جاءت المنحة باسمه..وشملت 250 طالبا للجامعات والكليات والقروض لـ15..
 
جيل المدرسة
والمؤسسة العربية للتنمية المستدامة، تلك الناشئة من حضن جهات لطالما آمنت بخدمة مجتمعاتها المحلية، "وتجربتنا الأولى كانت في مدرسة عاتكة بنت زيد حيث تعتبر أول مدرسة قامت المؤسسة بترميمها وتأثيثها ودهنها وتأهيل وإصلاح الأبنية والجدران فيها"..تقول ربيعة الناصر، مستشارة ثقافية في مشروع "شبابيك" وهو واحدا من البرامج التي تنفذها المؤسسة.
 
ومدرسة "عاتكة" الابتدائية كانت كالعديد من مدارس وزارة التربية والتعليم ذات الأقل حظاً، حيث تعاني من سوء في "البنية التحتية" والرطوبة السيئة التي أثرت على جيل من الطلاب..
 
"هي كانت لنا المدخل لأطفال مجتمع جبل النظيف، حيث قمنا بورشة رسم في المدرسة لأجل الاقتراب من الأطفال وقامت شركة Canon بتقديم دعم يتلخص بمجموعة كاميرات ومن ثم قام المصور صبري الحكيم بإعطاء الطلبة دروس في التصوير وأخذ طلاب الورشة بأخذ الكاميرات إلى بيوتهم وصور حارتهم وبيوتهم وأقاربهم والجبل وعادوا في اليوم الثاني".
 
وتضيف الناصر: "في البداية كانت مكتبة الأطفال مساحة ليعبروا فيها عن ذاتهم، خاصة وأن الجبل لا يوجد فيه حديقة أو مكان يعبروا فيه عن ذاتهم...وفرصة لكي يجدوا وسيلة ليكتبوا وكان ذلك وسط حماسة الطلاب ومن هنا خرجنا ببرنامج شبابيك وهو ما فتح آفاق ما كان يعرفها الطلاب..كانوا يخربشوا وفيها يعبروا عن ما يريدونه وكانت لهم إبداع أو اهتمام ممكن أن يؤسس لإبداع..حيث يكتبوا ويقرأوا ويجدوا مكانا يخصهم ويسمع لهم..هذه فلسفة شبابيك وتستطيع أن تفتح شبابيك آفاقك ونتمنى مساعدتهم بفتح شبابيكهم"..
 
تقول ربيعة الناصر أن شعارهم "تعلم وعلم وشارك الآخرين، لأننا نحن أنفسنا نتعلم قبل أن نعلم، وفي مكتبة شمس الجبل استقبلنا  خلال عام واحد 700 طالبة وطالبة بمعدل زيارات كانت تسجل إلى ما يزيد عن 20 ألف زيارة"..
 
الكثير من أعمال الإنشاء التي ترافق المشاريع الضخمة والكبيرة يزيد بعد انتهاء إنشائها طوبا واسمنت وحديد وكثير من مواد، "ليسوا في حاجة لها، ونقوم بترميم وتصليح المدارس ذات المباني السيئة..هي لا تعني لتلك المؤسسات شيئا لكنها تعني كثيرا للبيوت النظيف".
 
تقول رزان: "وهذه كانت دعوتنا لتلك المؤسسات الضخمة التي تنشأ البيوت..والطريقة التي يختار في البيوت تكون عبر الاتصال الاجتماعي وهي تزور البيوت وتتعرف على مشاكل الناس وبعضهم يأتوا من تلقاء أنفسهم ويقدموا طلبات..  ويتم الترميم...وبعد ذلك يكون هناك تقييم مع الشباب ونزور الأهالي".
 
وينبثق عن "رواد التنمية" خمسة مشروعات: شبابيك، جيران، مصعب خورما، دردشات، مكتبة شمس الجبل، مدراس..
 
قصة مصعب
مصعب خورما، لم يكن شابا نشيطا وطموحا أو حتى شهيدا في تفجيرات عمان 2005، إنما كان مشروعا لخدمة جيل غير قادر على التعليم الجامعي، ومنحة "مصعب خورما" ما كانت إلا تخليدا لذكرى شاب آمن بمجتمعه المحلي، محاولا تنميته ولكنه ذهب ضحية عدوان أخرق..كان مصعب نائبا لمدير بنك القاهرة عمان، وناشطا في العمل المحلي..
 
مصعب خورما للمنح الجامعية أو صندوق خورما لتمكين الشباب كان نتيجة تحرك قام به مجموعة من رجال أعمال أرادوا أن يخلدوا اسم مصعب عبر مشروع منح لدعم الشباب في المنطقة، ويقدم منح للطلاب الجامعات والقروض..
  
"هناك خمس برامج للمنح الجامعية في مشروع خورما..منها دورات تأهيلية وقاعدة توظيف البيانات، وهدفها التنمية المستدامة حيث نتابع مع الشباب منذ دعمهم للتعليم في الجامعات على مدارس أربع سنوات ومن ثم نتواصل معهم عبر لقاءات مستمرة".    
 
وتضيف منسقة المشروع مي أبو خلف، أن "معايير الدعم المادي للطلبة تكون على أسس: أولا الوضع المادي للشاب، ثانيا: العمل التطوعي، وثالثا: مكان سكنه (يجب أن يكون أحد سكان النظيف)، وكذلك تقديره الجيد في الدراسة".
 
هدفنا - كما تقول أبو خلف - أن يشعر الطالب الجامعي بمسؤولية المجتمع الثاني غير مجتمع عائلته، ولو قدم نصيحة ما ستؤثر في مجتمعه، ونسعى ليس فقط لخدمة الشاب وإنما مجتمعه وحارته..
 
أما القروض التي يقدمها  مشروع "مصعب خورما" تكون مستردة وبدون فوائد ومن خلال شرط :السداد على مدى أربع سنوات وهي عمر دراسة الطالب، كما تحدد حسب قسط الجامعة وعدد الساعات التي يدرسها وأيضا من خلال العلامات والعمل التطوعي التي يقوم بها الشاب.

مي لا ترى أن مشروعهم ناجح فيما لو منح الطلبة فرصة العمل.."نحن ضد أن نوظف الطلاب..ولكن قد نؤمن لهم الفرصة ليذهبوا ويقابلوا، إذ ما مرت ستة شهور من عدم إيجادهم للعمل، غير ذلك نحن لا نستطيع أن نوظفهم وإنما نؤمن لهم الفرصة".
 
وانطلاق مشروع مكتبة "شمس الجبل" أتاح المجال لمئات الطلبة بزيارتها وقراءة ما تيسر لهم من الكتب المتوفرة وبعضهم استفاد فيما بعد من منحة خورما وكذلك برنامج دردشات المتاح لهم للحوار وتبادل الآراء. 
 
جيران
ومشروع "جيران" أحد برامج المؤسسة، وهو موجه للأهالي، ويتلخص بزيارة البيوت المغلقة لأجل التعرف على أحوالهم وعبر تقديم الدعم والمتمثل بتأهيل بيوتهم وإعمارها من جديد.."ومنذ بداية المؤسسة وهي تقدم الخدمات الاجتماعية للناس، وأذكر أن الحكومة أعلنت قبل سنة عن بدء خدمة التأمين الصحي لكبار السن برسوم رمزية تصل إلى 36 دينار تدفع كل 6 شهور.. وبادرنا لمساعدة الناس للتسجيل وأذكر أن كثيرين كانوا غير مهتمين ولكن بعد بحثنا وجدنا أن السبب لعدم مقدرتهم على دفع المبلغ المالي..وهنا ساعدنا من لا يستطيع الدفع، بالدفع عنه، ولكن بعد الكشف عن حالته الاجتماعية وعبر جولات ميدانية في بيوتهم"..تقول كفاح عدنان منسقة برنامج جيران.
 
كيف نوزع تبرعات قدموها الناس؟
.. تتساءل كفاح.."قمنا من خلال كي وتنظيف الملابس وغيرها من الحاجيات بشكل مرتب ووزعناها..والجولات التي نذهب إلى بيوت نشعر أنهم في حاجة فنذهب مع "Habitat for Humanity" وهي تعمل على مساعدة الناس في إصلاح بيوتهم وتحسينها وتأهيلها من جديد، ويعملون معنا عن طريق تقديمنا المنحة ودورهم إصلاح البيوت ويكون ذلك بعد كشفهم ومعاينتهم للبيت"..تجيب وهي الآتية إلينا بعد اجتماعها مع عدد من الشباب مقسمة إياهم في لجان صحية تنتشر في عموم الجبل لأجل التعرف على الأوضاع الصحية للساكنين.
 
أما فادي غندور، فهو أحد الشباب الذين آمنوا بتنمية مجتمعاتهم، و ما كان منه إلا التحرك للنهوض بمشروعات تنموية في "النظيف"..ونهضت عدة جهات داعمة للمشروع: هي أرامكس، بنك القاهر عمان، مجدي للاستثمارات، شركة جوايكو وشركة المعاني.
 
قصة امرأة
أم عقاب، المسنة، هي إحدى المستفيدات من المشاريع حيث تم تأهيل وصيانة بيتها من جديد..ولم تألوا وقتا إلا وشكرت المشروع وصاحب أرامكس فادي غندور ومديرة رواد التنمية رغدة بطرس، وقالت بعفوية:  "ذهبت لمؤسسات كثيرة ولم تساعدني قلت لهم انظروا إلى مؤسسة رواد وهؤلاء كيف يساعدوني وانتم لا تعلمون عن أوضاعنا..فقالوا لي دعيهم يساعدوك..".          
 
والشاب هشام السلوان، أحد سكان النظيف، وأحد المستفيدين من المشروع، حيث كان يعمل سائقا لديهم والآن مسؤول عن حاجة البيوت لمواد البناء.."خدمونا كثيرا، وفادوا الجبل إن شاء الله يعمموا مشروعهم في كل عمان". 
 
تجارب شبابية بسيطة في شكلها ورائدة في مضمونها، فها هو محمد ومن معه من الأصدقاء الشباب يعملون على إعادة تأهيل بعض الأثاث العتيق في بيوت الناس وغير الصالحة والمرمية هنا أو هناك وخلقها من جديد..حيث يذهبوا إلى مقرات "رواد التنمية" المزدانة بالألوان الزاهية منتظرة الشباب يوميا وكل يوم سبت لأجل حشد طاقتهم وبعثها إلى بيوت النظيف عبر لجان إما صحية أو غيرها من المجالات.   
 
وتقول مديرة المشاريع، رزان عبد الحق: إن مفهوم الشراكة بين القطاع الخاص والمجتمعات المحلية جديدة في الأردن، وغير موجودة إلا في أوروبا..وكانت حادثة "مصعب خورما" هي الدافع عند مجموعة من أصدقائه وناس يحبون العمل التطوعي والنهوض بالمجتمع المحلي في النظيف وصارت الفكرة أن تضع الشركات جزء قليل من مالهم وهذا القليل كان يعني الكثير في مجتمع النظيف.

أضف تعليقك