سيناريوهات ما بعد حرب غزة وفق مراكز تفكير أمريكية
حتى بداية نوفمبر، ماتزال دائرة الصراع المُطرد داخل قطاع غزة بقيادة حماس من جهة والقوات الإسرائيلية من جهة أخرى تشهد تطورات كثيرة وكبيرة ومتسارعة، ورافق هذه التطورات طرح العديد من التساؤلات التي ظهرت على السطح وبدأت تأخذ مساحة واسعة من الترسيخ والبناء في المؤسسة الفكرية الغربية التي بدأت بدورها في تبنّي العديد من السيناريوهات والأنماط المتوقعة لسلوك العديد من الدول ونوعية المهام المطلوبة منها (ما بعد الحرب)، وذلك تحت مظلة مرحلة دولية جديدة تأخذ على عاتقها إعادة هيكلة لبعض المسائل العالقة في المنطقة والعمل على صياغة سُلّم أولويات جديد يُماهي المتغيرات الإقليمية القابلة لإعادة التشكيل. وبالتأكيد فإن السجل التاريخي للتدخلات السياسية في المنطقة، ودرجة التهديد المتوقعة ما بعد 7 أكتوبر والعديد من الاعتبارات، أخذت مساحة واسعة في ذهن المحلل وصانع القرار الذي يدرك حجم المصالح والأضرار المتوقعة في حالة النأي عن المسألة الشرق أوسطية وعدم الإمعان في الانعكاسات القادمة منها.
وانطلاقًا من ضرورة استيعاب العديد من المساهمات الجارية من قبل الباحثين ومراكز الدراسات الغربية في وضع عدسة التحليل على زوايا محددة في أدوات الصراع والأطراف الفاعلة، فسيتم التطرق لمقالين من أهم المقالات، لنستعرض إحدى أبرز الطروحات ذات الصدى الواسع في غرف صنع القرار وهي تلك الصادرة عن The Washington Institute for Near East Policy (معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى) الذي يُعرف بـ “معهد واشنطن” والذي يتبع منذ اليوم الأول لتأسيسه فكريًّا وتمويليًّا لـلجنة الشؤون العامة الأمريكية – الإسرائيلية AIPAC، وحسب موقع DBpedia يصف جون ميرشايمر وستيفن والت المعهد بأنه جزء من جوهر اللوبي الإسرائيلي (الصهيوني) في الولايات المتحدة.
وفي سياق الحديث عن سؤال النُخب الممثلة داخل وخارج المعهد في تحليلاتها، التي سيتم التطرق إلى مقالاتهم هنا، نستعرض نبذة تعريفية عن الخبراء المشاركين في كتابة المقالين المذكورين، وذلك حسب الملف التعريفي لكل بروفيسور وباحث في موقع معهد واشنطن.
يتصدر المشهد روبرت ساتلوف؛ الذي يشغل منصب المدير التنفيذي لمعهد واشنطن منذ عام 1993، وهو خبير في السياسة العربية والإسلامية وسياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وصاحب مؤلفات ومحاضرات حول عملية السلام العربية – الإسرائيلية والتحدي الذي يشكله الإسلام السياسي والحاجة إلى تغيير الدبلوماسية الأمريكية العامة في الشرق الأوسط، حيث عمل على تأليف وتحرير تسعة كتب ودراسات، وله العديد من الآراء حول قضايا الشرق الأوسط التي تُنشر في الصحف الكبرى مثل “نيويورك تايمز”، و “وول ستريت جورنال” وغيرها.
ومن الشخوص الذي سنتناول طروحاته على شقين في المقالات المُختارة من المعهد، دينس روس؛ وهو مستشار في معهد واشنطن وشغل لمدة عامين منصب المساعد الخاص للرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، والمدير الأول للمنطقة الوسطى في “مجلس الأمن القومي”، وكمستشار خاص لوزيرة الخارجية هيلاري كلينتون لمدة عام. ولمدة 12 عامًا كان دور روس الدبلوماسي محوري في رسم معالم الدور الأمريكي في عملية السلام في الشرق الأوسط حيث كلّفته الولايات المتحدة بقيادة عملية السلام خلال حكم إدراتي الرئيس بوش وكلينتون بالإضافة لدوره المحوري في التوصّل ” لأوسلو الثانية” عام 1995، وتسهيل معاهدة 1994 بين الأردن وإسرائيل، وروس باحث ودبلوماسي في السياسات السوفيتية والشرق أوسطية في خبرة طويلة تمتد إلى أكثر من عقدين، بالإضافة للعديد من المواقع التي شغلها في الخارجية الأمريكية وغيرها، وله العديد من الكتب في عمليات السلام والعلاقات الأمريكية.
مايكل سينغ؛ وهو المدير الإداري لمعهد واشنطن ومدير سابق لشؤون الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي الأمريكي، وخلال فترة ولايته في البيت الأبيض 2005 – 2008، كان سينغ مسؤولًا عن وضع وتنسيق سياسة الأمن القومي للولايات المتحدة تجاه المنطقة التي تمتد من المغرب إلى إيران، وقد عمل كمساعد خاص لوزيري الخارجية الأمريكيين كوندوليزا رايس وكولين باول وفي السفارة الأمريكية في تل أبيب. له العديد من الكتابات عن منطقة الشرق الأوسط واستراتيجية الأمن القومي الأمريكي وظهرت مقالاته في صحف مثل: “واشنطن بوست”، “نيويورك تايمز” و ” فورين آفيرز” وغيرها.
پاتريك كلاوسون؛ مدير الأبحاث بمعهد واشنطن، الحاصل على الدكتوراه في الاقتصاد وله العديد من المؤلفات حول الشرق الأوسط والاقتصاديات العالمية، وقبل انضمامه إلى المعهد، عمل كأستاذ في جامعة الدفاع القومي، وهو اقتصادي في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
مقال “هجمات حماس: نقطة تحول في سياسة الولايات المتحدة”
نُشر في 13 أكتوبر مقال تحليل سياسات والذي يُعد بيانًا لخبراء من معهد واشنطن وساهم فيه كل من: روبرت ساتلوف، دينس روس، مايكل سينغ، باتريك كلاوسون. سنتوقف في هذا المقال على أبرز النقاط التحليلية للمشهد الحالي في تصور نخبة المعهد، وننطلق من التساؤلات المرحلية التي تدعمها إسقاطات الخبراء.
يفتتح المقال باعتبار هجمات حماس في 7 أكتوبر نقطة تحول تدعو لتسليط الضوء على العديد من الحقائق التي تم التغاضي عنها في الشرق الأوسط ومحورية إعادة ترتيب أوراق المنطقة عند صانع القرار في الولايات المتحدة، وفي هذا السياق المُتوقع تم ربط أحداث 11 سبتمبر وظاهرة “الإرهاب الإسلامي المتطرف” آنذاك كتهديد رئيس على الساحة الدولية والذي أخذت زمام مبادرته الولايات المتحدة في توحيد الأمة الأمريكية وتغيير بوصلة استراتيجيتها في المنطقة، والمقارنة الحاصلة هنا تحتم علينا بناء افتراضات حول “سياسة مكافحة الإرهاب 2” لعام2023 ولسنوات طويلة فيما بعد، وبالرغم من أنها هذه المرة لم تقع على إحدى الولايات الأمريكية، لكن لضخامة التداخل في الشأن الإسرائيلي بشكل مباشر وبشكل غير مسبوق من قبل الولايات المتحدة فإن المصاب أمريكي- إسرائيلي، وغربي بطبيعة الحال، وسيأخذ طابعه وسياقه الدولي بعد انتهاء الحرب وبدء مرحلة جديدة من السياسات الموجّهة في الشرق الأوسط التي قد تكون غير مسبوقة أيضًا في ظل موجة تقصير وتوجيه أصابع الاتهام نحو الولايات المتحدة في نأيها عن المنطقة في الفترة الأخيرة.
ويرى كتّاب المقال أن عمليات صنع السلام العربي – الإسرائيلي مستمرة وضرورية والحاجة لاستعادة المكانة والقوة في واجهة المنطقة متطلب لاستكمال الاتفاقيات وديمومتها، بالنسبة للخبراء فإن التوصل لحالة اتفاق سلام سعودي- إسرائيلي هو الحل الأمثل للرد على “الإرهاب الإسلامي”، وهنا يظهر تساؤل حول شكل الاتفاقيات ما بعد 7 أكتوبر وما هو المطلوب بعدها في استحقاقات المرحلة القادمة على الصعيد العربي والإسرائيلي الخارجي، وما الجديد في شعار المرحلة “الإرهاب” الذي وُلد جديدًا في سياق زمكاني قد يختلف وقد لا يختلف كثيرًا باعتماد المعطيات الحالية؟
واللافت هو الإشارة إلى الفصل بين حماس كمنظمة إرهابية ملتزمة بتدمير الدولة اليهودية وأهل غزة التي فُرِضت عليهم حماس، وأن المساواة بينهم غير مُنصفة بطبيعة الحال، وعلى الرغم من تبيان الفرق بين حماس وغزة نظريًّا، إلا أن الوقائع على أرض غزة لا تُشير لحالة من التفريق بين المدنيين من أهل غزة وبين أفراد حماس، ويؤكد الخبراء في المقال حقيقة أن معركة إسرائيل مستمرة منذ عقود ولم تنتهِ، وما طرأ في 7 أكتوبر هو تذكير بذلك بالرغم من كافة حالات التقدم في السلام الإقليمي الذي تم إحرازه.
رغم عنونة وحشية حماس بما يشبهها من تنظيمات مثل القاعدة والدولة الإسلامية “داعش”، إلا أن ما يميز حماس كعلامة فارقة هي شبكتها الواسعة، على حد تشبيه الباحثين، تحت مظلة وكلاء إيران من حزب الله، الجهاد الإسلامي، نظام الأسد والحوثيين والفصائل الشيعية في العراق. ولعلَّ هذه المناسبة الدامية هي فرصة تسنح لتسييج الحدود السياسية والعسكرية وضبطها في ظل موجة التخوف الواضح من أي تبعات تَفوق مسألة التدخل والدعم الإيراني سواء في هذه الحرب أو ما بعدها وهو بالفعل إعلان واضح لشكل تعاطٍ جديد مع المنطقة لأي توجهات نشطة قد تعارض مصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
وبناء على النقطة السابقة عن إيران وشبكتها في المنطقة، استُخدمت مصطلحات في النقطة التي تليها مثل “هدوء المنطقة، استقرار دائم، تحضير الوكلاء والصراع التالي”، وذلك يدلل على عودة بحلة جديدة يكون فيها اضطراب الشرق الأوسط الممنهج والمُحدد الأركان هو الهدوء المطلوب، وأي حالة هدوء لا يتم رسم ملامحها من قبل الولايات المتحدة فهي “وهمية وظاهرية” والتخوف منها واجب. وهذا يتطلب توضيح أهمية توجيه نفس الجهود التي تمت منذ زمن لتنظيمي القاعدة و “داعش”، باتجاه المشروع النووي الإيراني وشبكة تهديدها التي تعمل عليها وذلك يؤكد ويبني على ما سبقه كمسوِّغ لتحديد أولويات السياسة الجديدة والصارمة في المنطقة من منطلقات ذات دافعية أكبر وأكثر رسوخًا.
ويتطلب أيضًا وضع أجندة جديدة في توحيد خطاب وجهود الحلفاء العرب في ملف الإرهاب الذي لاقى تباينًا في تحديد ملامحه في حرب غزة، حسب المحللين، وذلك ما يدفع لحلول وتعاونات على المستوى الحكومي ومستوى المجتمع المدني. وهذا ما يطرح سؤال حول شكل الاعتبارات المجتمعية الجديدة التي سيتم فرضها على مؤسسات المجتمع المدني وعلى شكل التوجهات الداخلية في الدول التي ستحاول التوفيق بين التداخل الأجنبي والحاجة لمُعاونين خارجيين والحاجة لإرضاء الشارع وامتصاص حالة الامتعاض الواقعة بطبيعة الحال. ولعل إشكالية الحليف الغربي وأولويات الدول العربية سيتم إعادة فحصها بشكل متكرر في المرحلة القادمة.
اختتم المحللون المقال بأهمية توحيد الجهود الوطنية الأمريكية من دبلوماسية وعسكرية واقتصادية وأيديولوجية في ظل هذه المهمة المعقدة التي تتطلب تجنبًا لتكرار أخطاء الماضي والعمل قُدمًا نحو المرحلة الجديدة التي تضع المصالح الأمريكية أوّلًا والمصالح الإسرائيلية في الخانة ذاتها وليست ثانيًا ولا ثالثًا.
مقال “ربما كنت أُفضِّل ذات يوم وقف إطلاق النار مع ” حماس”، ولكن ليس في أيامنا هذه”
في مقالة حديثة، نُشرت في 27 أكتوبر، في معهد واشنطن التي تفرد بها المستشار دينس روس، الذي تم التعريف به آنفًا، سنُعرّج على أبرز ما جاء به من التصورات التي يحملها للحرب الجارية بشكل خاص والمنطقة بشكل عام.
يؤطر روس مقالته بعبارات حول مسيرته المهنية في السياسة الأمريكية المتعلقة بصنع السلام وحل النزاع التي استمرت 35 عامًا في الاتحاد السوفيتي السابق، أو ألمانيا الموحدة أو عراق ما بعد حرب 2003. وأنه لم يشغله أكثر من إيجاد حل سلمي ودائم بين إسرائيل والفلسطينيين حسب توصيفه.
وينطلق من هذه المقدمة في الربط بين مسيرته المهنية وحجم التعقيدات في المسألة الإسرائيلية – الفلسطينية إلى حاجة جديدة أبعد من وقف إطلاق النار وهي العثور على وسيلة لوضع حد ووقف حماس ليتسنى للمنطقة التخلص من العنف الحاصل وأن أي استمرار لوجودها هو بمثابة حالة تنمية لتوحيد جبهة من قبل حزب الله لبنان ووجود إيراني مُرتكز مستقبلًا.
يذكر روس في مقالته عن تواصله مع عدة مسؤولين عرب في المنطقة وأن هناك نقطة مشتركة في الرغبة بالقضاء على حماس، ليس فقط من جانب إسرائيل، وذلك بناءً على أن تزايد قوة حماس واستمرارها يعني تمكين أرضية خصبة لإيران ومعاونيها، مع العلم أن ملف إيران ينبغي أن يأخذ طابعًا جديدًا بعد الاتفاق السعودي – الإيراني. ورغم أن آراءهم العلنية، حسب تعبير روس، تتماشى مع الشارع وغضبه وذلك بناء على الحدث الجلل في قصف المستشفى المعمداني، الذي حسب روس وبايدن وغيره في الإعلام الغربي يعتبره أحد مزاعم حماس بأن إسرائيل هي من تسببت بالقصف ويُرجّح أن صاروخًا فلسطينيًّا أصابه. ويذكر روس الإمارات العربية المتحدة كمثال يوضح حالة التناقض التي يريد إيصالها لتبيان الشرخ الحاصل في الشارع والمنبر الوطني الإعلامي “في رواية قصف المستشفى” حيث إنها أدانت هجوم حماس في البداية ثم أدانت الهجوم الإسرائيلي على المستشفى.
ينطلق روس من معادلة رفض وتخوف من أي مطالبات دولية لوقف إطلاق النار أو حتى مطالبة إسرائيل بإلغاء الغزو البري، وذلك بناءً على أن حماس لم تنتهِ وهي متجددة في هيكليتها من بنية تحتية عسكرية وقيادات قائمة ما يشجع على أي حالات هجوم قادمة وعدم تصور حالة هدوء من بعد 7 أكتوبر من قبل حماس خاصة وسلسلة الأنماط التي شهدتها إسرائيل من حماس في الحروب السابقة.
كما يعتبر روس أن حماس بفصائلها وأجهزتها قادرة على تجديد ذاتها حاليًّا على كافة الأصعدة من تسليح وتعبئة ودخول جديد في موجة حرب أخرى، وذلك ما يعنونه بأن كلفة حرب برية إسرائيلية ستكون صعبة وباهظة الثمن للجنود الإسرائيليين، ولا يمكن تحقيق هزيمة لحماس إلا بالضربات الاستراتيجية من الجو مستخدمًا مثال الولايات المتحدة واستئصالها لتنظيم “داعش” في الموصل والرقة، وأن معارك مثل تلك كان للولايات المتحدة شركاء محليون توّلوا القتال البري، واكتفت القوات الأمريكية بدمار لتنظيم داعش من أعلى. وهذا ما يطرح سؤال الحلفاء من جديد كما المقال الأول وماذا سيترتب على مساهمات في المنطقة من دول تحتاج لإعادة رسم أولويات التحالفات وفهم المعادلة الجديدة القديمة التي سترسخها الولايات المتحدة بحلة مختلفة؟ ومن الذي سيتحمل تبعات المبالغ الباهظة التي لن يتورط بها الجنود الإسرائيليون والقوات الأمريكية هذه المرة؟
أما سيناريو انتهاء الحرب، فيطرح روس نموذج ما بعد تدمير البنية العسكرية لحماس والتي ترتبط ببنيتها المدنية بطبيعة الحال والإنهاء على قياداتها فيوضح روس أن عملية إعادة الإعمار بعد ذلك لن يسهل عرقتلها، ومن هنا يقتضي بطبيعة الحال وجود إسرائيلي في غزة مرافق لشكل سلطة جديد يكون بإدارة مؤقتة ” لمنع حدوث فراغ” وهناك العديد من التساؤلات حول شكل الفراغ الذي يُتوقع ملأه؟ ومن ثم يوضح روس تفاصيل شكل الإدارة المكونة من تكنوقراط فلسطينين من غزة أو الضفة الغربية أو الشتات وتحت مظلة دولية تشمل دول عربية وغير عربية، وربما تكون الأمم المتحدة أو لجان متخصصة.
يضرب روس مثالًا محددًا للغاية حول الأسماء المقترحة من الدول العربية في مساهمات الإعمار، فيذكر أنه بإمكان المغرب ومصر والإمارات العربية المتحدة والبحرين، توفير الشرطة وليس القوات العسكرية حسب توصيفه، لضمان نوع من الحماية للإدارة المدنية الجديدة. وبإمكان السعودية والإمارات وقطر توفير الجزء الأكبر من التمويل اللازم لإعادة الإعمار، وذلك انطلاقًا من دور الدول التي ذكرها في تخفيف معاناة الفلسطينيين في غزة. أما كندا قد تكون هي أو غيرها من يساهم بتوفير آليات الرصد لضمان وصول المساعدات إلى غاياتها المقصودة، ولعل هذه الجزئية بحذافيرها تستلزم طرح تساؤولات حول الأطراف المسؤولة وغير المسؤولة لمآلات ما بعد الحرب وما هي الاعتبارات التي تُعفي وتُقصي ملفًا عن غيره وخاصة الدور الأمريكي في المعادلة وإلى أين تقف حدود التدخل الأمريكي المباشر؟ وما هي طبيعة الوجود الإسرائيلي المُرتقب في هذا السياق وكيف تمتد حدوده في قطاه غزة؟
يختم روس مقاله بسيناريوهات تكون فيها إسرائيل أكثر إقناعًا في الإثبات للعالم بأنها تحارب حماس ولا تحاول معاقبة المدنيين. على سبيل المثال يقترح روس إنشاء إسرائيل ممرات آمنة للمساعدات الإنسانية، أو السماح للمجموعات الدولية مثل منظمة “أطباء بلا حدود” بالعمل بأمان وضم أطباء إسرائيليين يمكنهم إنشاء مستشفيات ميدانية مثلًا. ويؤكد على ضرورة أن يؤكد القادة السياسيون في إسرائيل بشكل علني مغادرة غزة ورفع الحصار بعد إلحاق الهزيمة العسكرية في حماس ونزع معظم أسلحتها، وتأكيد ضرورة التوصل لحل سياسي مع الفلسطينين بشكل عام. وهذا حسب روس وعدة أطراف أنها ليست الواجهة التي يمثلها نيتنياهو اليوم بناء على الصدمة الحالية، لكنها حسب توصيفه، الرسالة التي يحتاج شركاء إسرائيل في المنطقة سماعها، وبقاء حماس هو ليس فقط هلاك غزة بل وقسم كبير من الشرق الأوسط.
ويجدر بالذكر أن جميع ما ذكر كاملًا في مقالته يستحق الأخذ بعين الاعتبار في فهم العقلية السياسية الأمريكية التي تعالج المسألة الإسرائيلية – الفلسطينية بحذافيرها، فالعديد من التصورات التي طُرحت في المقال المشترك ومقال روس هي تأكيد على غياب البوصلة المشتركة في فهم جذور الإشكالية نفسها، حتى في فهم رواية عن قصف مستشفى لم يمضِ عليه أيام، فكيف عند الحديث عن تبعات سياسية وإجرائية في صيغ التحالفات وتحديد الفاعلين الرئيسيين منذ عقود؟ هنا تكمن مشكلة مخاطبة الآخر وفهم الأرضية التي ينطلق منها ولعل الحوار ونبرة السياسة المستخدمة تحتاج إلى إعادة صياغة من جديد.