بين ترحيب دولي وتحفظ إقليمي ورفض داخلي في إسرائيل لخطة السلام الأمريكية للرئيس دونالد ترامب، والتي تهدف إلى إنهاء الحرب في غزة، يترقب الشارع العربي والأردني موقف حماس والفصائل الفلسطينية، لمعرفة ما إذا كانت ستقبل بالخطة بشروطها الحالية، أم ستسعى لتعديلها أو ترفضها، ما قد يفضي إلى مواجهة جديدة.
ورغم تأكيد ترامب أن المبادرة تمهد لسلام أوسع في الشرق الأوسط، إلا أنها اثارت نقاشا واسعا حول فرص نجاحها وجدواها، وسط صمت من حركة حماس التي تلقت تفاصيلها عبر وسطاء من مصر وقطر.
تأتي هذه المبادرة في ظل أزمة إنسانية خانقة يعيشها القطاع نتيجة الحصار ونقص الغذاء والدواء، ما يزيد الضغط على الأطراف للتعاطي مع الخطة، خصوصا مع ترقب المجتمع الدولي لكيفية تنفيذها، لا سيما في ما يتعلق بجدول الانسحاب الإسرائيلي ومصير الأسرى.
أفضل الأسوأ أم نسخة إسرائيلية؟
الخبير العسكري والمحلل السياسي الدكتور نضال أبو زيد وصف الخطة بأنها أفضل الأسوأ، فهي برأيه أفضل مما طرح في مبادرات سابقة، لكنها تحمل إيجابيات وسلبيات للطرفين.
ويرى أبو زيد أن الخطة أسقطت عدة شروط سبق أن تمسك بها نتنياهو، مثل مفهوم النصر المطلق وقيود إدخال المساعدات والتهجير، مما يجعلها مكسبا نسبيا للمقاومة، مؤكدا أن الخطة صيغت بطريقة تجبر المقاومة على قبولها، كما أنها فرضت على نتنياهو وحكومته.
في المقابل، يرى الدكتور خالد شنيكات، رئيس الجمعية الأردنية للعلوم السياسية، أن الخطة في جوهرها نسخة من المواقف الإسرائيلية، بل إنها تتجاوز مطالب اليمين المتطرف أحيانا.
ويشير إلى أن تيارات مثل سموتريتش وبن غفير لا تزال تطالب بالمزيد، من ضم واستيطان وتهجير للسكان الفلسطينيين، معتبرين الخطة فشلا دبلوماسيا قد يهدد استمرار حكومة نتنياهو.
على الصعيد الداخلي، تواجه الخطة معارضة من أعضاء اليمين المتطرف في حكومة نتنياهو، مثل وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، الذين اعتبروها فشلا دبلوماسيا وتجاهلا لدروس الهجوم الذي شنته حماس في 7 أكتوبر 2023، مهددين بإسقاط الحكومة إذا انتهت الحرب دون هزيمة حماس بشكل كامل
بينما رحبت بعض الدول العربية، مثل الإمارات، بالخطة داعية لدعمها، وأعربت دول أوروبية عن تأييدها مع التأكيد على ضرورة التوصل إلى حل شامل يضمن إقامة دولة فلسطينية.
حسابات المقاومة ورقة الأسرى والسلاح
ويشير أبو زيد إلى أنه حتى اللحظة لم تصدر أي تصريحات رسمية من حركة المقاومة حول موقفها من الخطة، مؤكدا في الوقت نفسه أن المبادرة لا تحمل جميعها إيجابيات لصالح المقاومة، نظرا لوجود مجتمع دولي كامل يقف وراء إسرائيل، وهو ما يجعل من المستحيل توقع صياغة مبادرة بالكامل لصالح المقاومة، رغم الإنجازات الميدانية التي حققتها.
ويرى أبو زيد أن المقاومة قد توافق على المبادرة بشرط توضيح نقطتين رئيسيتين، الأولى تتعلق بالأسرى أو المحكومين المؤبدين الذين سيتم الإفراج عنهم، والثانية تتعلق بالجدول الزمني للانسحاب الإسرائيلي، بينما من المتوقع الموافقة على باقي النقاط
أما شنيكات فيرى أن الفصائل تواجه مأزقا بالغ الصعوبة نتيجة الحصار والمجاعة وانعدام الموارد، مما يضعف قدرتها التفاوضية بشكل شبه كامل ، مؤكدا أن أي قبول للخطة بشروطها الحالية سينظر إليه كاستسلام عملي، خصوصا مع اشتراط تسليم السلاح، الذي يشكل رغم بساطته رمزا لحق المقاومة.
ويرى أن الفصائل قد تحاول طلب تعديلات على خطة الإدارة الأمريكية خطة ترامب، لكن هذه التعديلات قد ترفض من قبل إسرائيل، خصوصا من قبل اليمين المتطرف الذي يريد المزيد تغييرا جذريا في قواعد اللعبة، وفي حال رفضت إسرائيل هذه التعديلات يرى شنيكان بانه قد تعيد تصعيد الهجمات أو العمليات العسكرية.
غموض التنفيذ وتحديات المرحلة المقبلة
الخطة، المكونة من 20 بندا، تنص على وقف إطلاق النار الفوري، وإطلاق جميع الرهائن الإسرائيليين ورفات القتلى خلال 72 ساعة، مع انسحاب تدريجي للجيش الإسرائيلي مع الإبقاء على منطقة عازلة داخل غزة، إلى جانب تشكيل قوة دولية للإشراف على التنفيذ.
كما تتضمن إعادة إعمار القطاع وإنشاء منطقة اقتصادية خاصة، إضافة إلى عفو عن المنشقين من حماس في حال نزع سلاحهم.
لكن شنيكات يرى أن الانسحاب لن يكون كاملا، وأن إسرائيل كثيرا ما نقضت تعهداتها في اتفاقات سابقة، مما يجعل الضمانات ضعيفة.
كما يشير إلى خطورة منح توني بلير، المعروف بقربه من المواقف الإسرائيلية منذ حرب العراق، دورا قياديا في المرحلة الانتقالية.
في المقابل، يعتبر أبو زيد أن إسرائيل تحاول استثمار المبادرة إعلاميا لتسويق نصر سياسي، بعد فشلها عسكريا في غزة، مؤكدا أن إسرائيل كانت مضطرة لقبول الخطة نتيجة عزلتها الدولية وتراجع صورتها بفعل الاعترافات الدولية المتزايدة بفلسطين.
هذا ويقدم ترامب خطته على أنها مدخل لسلام إقليمي، يراها محللون إما فرصة اضطرارية أو مجرد غطاء سياسي لإنقاذ إسرائيل من مأزقها العسكري.












































