سياسيون: بعد لقاء الملك بترمب الأهم هو الخطة العربية والموقف الموحد

الرابط المختصر

بعد عدة لقاءات رسمية عقدها الملك عبدالله الثاني مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منذ توليه منصبه في عام 2017، شهد البيت الأبيض لقاء جديدا بين الجانبين الثلاثاء وسط ترقب واسع، خاصة في ظل ما تناوله الاجتماع بشأن مقترح أمريكي حول تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى الأردن ومصر، وهو ما قوبل برفض شديد من البلدين.

وسبق اللقاء حراك شعبي ورسمي واسع في الأردن، حيث نظمت مسيرات شعبية تحت شعار "كلنا في الأردن ضد التهجير"، تعبيرا عن رفض المخططات الرامية إلى تهجير الفلسطينيين.

وفي بيان واضح صدر عن رئيس الوزراء جعفر حسان، حول مخرجات الاجتماع بين أن اللقاء أكد فيه الملك على موقف الأردن الثابت تجاه القضية الفلسطينية وضرورة تحقيق السلام العادل والشامل، الذي يلبي حقوق الشعب الفلسطيني ويضمن الاستقرار في المنطقة، كما جدد التأكيد على أهمية تثبيت وقف إطلاق النار في غزة، وتعزيز الاستجابة الإنسانية، وإعادة إعمار القطاع. 

وأشار الملك إلى أن هناك خطة ستقدمها مصر والدول العربية بشأن غزة، لافتا إلى أنه من المهم إيجاد حل يراعي مصالح الجميع، ويأخذ بعين الاعتبار مصالح الشعوب، وخاصة الشعب الأردني.

وفي تصريحات للصحفيين، كشف الملك عن ترتيبات لنقل نحو 2000 طفل مصاب بالسرطان وممن يعانون وضعا طبيا صعبا في غزة إلى الأردن لتلقي العلاج، كجزء من جهود الأردن في تعزيز الاستجابة الإنسانية في القطاع، وهو ما حظي بإشادة من الرئيس الفلسطيني محمود عباس، خاصة في ضوء الدور الذي تلعبه المملكة في تقديم المساعدات الإنسانية وتشغيل المستشفيات الميدانية في غزة والضفة.


 

سياسة أردنية متزنة
 

المحلل السياسي الدكتور حسن الدعجة يرى في حديثه لـ "عمان نت"، أن لقاء الملك عبد الله الثاني مع الرئيس الأمريكي في البيت الأبيض يعكس أسلوبا دبلوماسيا مهذبا يعبر عن السياسة الأردنية المتزنة، في مقابل نهج ترامب الذي يتعامل مع السياسة بعقلية رجل الأعمال المهووس بالصفقات.

ويضيف الدعجة أن رد الملك كان واضحا في التأكيد على حل الدولتين كمسار وحيد لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة، محذرا من أن أي حلول أخرى ستجعل المنطقة بؤرة توتر دائمة.

ويشدد على أن الأردن يلتزم باللاءات الثلاث: "لا للتهجير، لا للوطن البديل، لا للتنازل عن الحقوق الفلسطينية"، وهي ثوابت لا تقبل المساومة، كما لفت إلى أهمية الدور العربي في دعم الموقف الأردني، خاصة مع الاجتماعات المقبلة في الرياض والقاهرة، والتي ينتظر أن تعزز الموقف العربي المشترك تجاه القضية الفلسطينية، وتؤكد الالتزام بمبادرة السلام العربية.

كما أن دعوة الملك عبد الله الثاني كأول زعيم عربي إلى البيت الأبيض بعد عودة ترامب تعكس محورية الدور الأردني في القضية الفلسطينية، رغم الضغوط الأمريكية، مؤكدا أن السياسة الخارجية الأردنية ثابتة في دعم حل الدولتين، ورفض أي مخططات تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية أو زعزعة أمن المنطقة، بحسب الدعجة.

من جانبه يؤكد رئيس الجمعية الأردنية للعلوم السياسية، الدكتور خالد شنيكات في حديثه لـ "عمان نت"، أن هناك تباينا واضحا بين الموقف الأردني والموقف الأمريكي، حيث تتبنى الولايات المتحدة مقاربة تدعم تهجير سكان قطاع غزة إلى دول عربية مجاورة مثل الأردن ومصر والسعودية، بالإضافة إلى اعتبار القطاع مشروعا استثماريا عقاريا، كما يشير إلى تصاعد استفزازات المستوطنين في الضفة الغربية وتزايد العمليات العسكرية في شمالها، خاصة في جنين، في ظل دعم أمريكي مستمر لإسرائيل، يتمثل في تزويدها بالأسلحة وعدم معاقبة المستوطنين المتورطين في الانتهاكات.

ويرى  شنيكات أن الرؤية الأردنية تعتبر القضية الفلسطينية قضية وطنية وسياسية، وليست مشروعا اقتصاديا أو استثماريا، مشيرا إلى أن التعامل معها من هذا المنطلق يعد نظرة قاصرة لا تراعي جذور الصراع وتطوراته، كما يشدد على أن الأردن يرفض أي محاولات لتهجير الفلسطينيين ويدعو إلى إعادة إعمار قطاع غزة كبديل عن الحلول الأحادية التي قد تؤدي إلى تصعيد الأوضاع في المنطقة.

تعتبر العلاقات بين الأردن والولايات المتحدة وثيقة وممتدة على مدى عقودـ تسعى الولايات المتحدة إلى تعزيز التزام الأردن بالسلام والاستقرار والاعتدال في المنطقة.

منذ عام 1952، قدمت الولايات المتحدة للأردن مساعدات اقتصادية تقدر بحوالي 14 مليار دولار، شملت مجالات متعددة مثل الرعاية الصحية والتعليم والمياه والزراعة. 

بالإضافة إلى ذلك، تم توقيع اتفاقية للتجارة الحرة بين البلدين، وتم تصنيف الأردن كحليف رئيسي خارج الناتو، مما يعكس عمق التعاون الاستراتيجي بينهما.


 

ما الخطوات القادمة

عن الخطوات الأردنية القادمة، يوضح الدعجة أن المملكة ستواصل تقديم الدعم الإنساني لغزة، وتعزيز موقفها الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، مع الحفاظ على بدائل اقتصادية تضمن الاستقلالية في القرار السياسي، مشيرا إلى أن الأردن سبق وأن تجاوز ضغوط ترامب عندما هدد بقطع المساعدات، حيث نجح في تأمين دعم مالي بديل من أوروبا بقيمة ثلاثة مليارات دولار، وهو ما يعكس مرونة الأردن في التعامل مع التحديات.

ويؤكد الدعجة على ضرورة وجود موقف عربي موحد يبعث برسائل واضحة إلى واشنطن وإسرائيل، مفادها أن الدعم العربي لصمود الفلسطينيين ثابت، وأن أي مشاريع لإعادة إعمار غزة يجب أن تتم دون تهجير أو ترحيل سكانها، كما يشير إلى أن العلاقات العربية الإسرائيلية لن تشهد تطبيعا حقيقيا دون قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة.

من جانبه يشدد شنيكات على أهمية القمة العربية المقبلة، التي من المتوقع أن تتبنى موقفا عربيا موحدا تجاه ما يجري في غزة.

 ورغم التحديات والتغيرات السياسية الإقليمية، يؤكد أن القضية الفلسطينية لا تزال مركزية بالنسبة للدول العربية، التي تحافظ على ثوابت دعم الدولة الفلسطينية والنظرة الشاملة للأمن الإقليمي.

وكانت مصر قد أعلنت مؤخرا اعتزامها طرح تصور كامل لإعادة إعمار قطاع غزة، وبصورة تضمن بقاء الشعب الفلسطيني على أرضه، وبما يتسق مع الحقوق الشرعية والقانونية لهذا الشعب.


 

مستقبل التعامل الأمريكي مع القضية الفلسطينية

في الآونة الأخيرة، تحدث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتصريحات مثيرة للجدل تتعلق بالقضية الفلسطينية، خاصة فيما يتعلق بقطاع غزة.

واقترح ترامب أن تتولى الولايات المتحدة السيطرة على قطاع غزة بعد إعادة توطين سكانه الفلسطينيين في دول مجاورة مثل الأردن ومصر، مشيرا إلى أن هذا الإجراء سيسمح بتحويل غزة إلى "ريفييرا الشرق الأوسط" من خلال تطويرها اقتصاديا وبناء مشاريع سياحية. 

هذه التصريحات قوبلت برفض واسع من الدول العربية والمجتمع الدولي، مؤكدا الملك، رفضه القاطع لهذه الفكرة، مشددا على أن الأولوية يجب أن تكون لإعادة إعمار غزة دون تهجير سكانها، والتوصل إلى حل سياسي قائم على حل الدولتين. 

ويؤكد الدعجة أن القضية الفلسطينية تمر بمرحلة شديدة التعقيد، خاصة بعد أحداث 7 أكتوبر والانتخابات الأمريكية التي أعادت دونالد ترامب إلى المشهد، وهو المعروف بمواقفه الداعمة لإسرائيل بشكل مباشر، موضحا أن الأردن يواصل موقفه الثابت الرافض للتهجير والتوطين، مؤكدا على أهمية إدخال المساعدات الإنسانية للفلسطينيين وتعزيز صمودهم على أرضهم في مواجهة المخططات التي تستهدف حقوقهم.

وحول سياسة ترامب، يشير الدعجة إلى أن الرئيس الأمريكي يدير الملفات الدولية من منظور تجاري، حيث يتعامل مع إسرائيل كأنه طرف مباشر في المفاوضات، ويتبنى مواقفها بالكامل، مضيفا أن تصريحاته الأخيرة حول غزة، وتهديداته بإقامة مشاريع عقارية هناك، تعكس تفكيره بعيدا عن الاعتبارات السياسية والدبلوماسية.

أما عن مستقبل التعامل الأمريكي مع القضية الفلسطينية، فيؤكد الدعجة أن مواقف ترامب ليست قدرا محتوما على الدول العربية، مشيرا إلى أن الأردن استطاع التصدي لصفقة القرن خلال فترة حكمه السابقة بين 2016 و2020، مضيفا أن استمرار الدعم العربي، إلى جانب قدرة الفلسطينيين على الصمود، سيحبط أي محاولات لإنهاء القضية دون تحقيق الحقوق الفلسطينية المشروعة.