سحب السفير.. خطوة استباقية ستؤكد جدية الرفض الأردني للضمّ

الرابط المختصر

 يواجه الفلسطينيون والعرب امتحانا مهما خلال شهر حزيران حيث يسبق الموعد المعلن في الأول من تموز لتنفيذ القرار الإسرائيلي بضم أراضي فلسطينية محتلة. فهل هناك معارضة حقيقية وصادقة وإرادة سياسية جادة فعلا، برفض الضمّ ودفع ثمن ذلك سياسيا وحتى ماليا؟

يحاول الجانب الإسرائيلي وخاصة رئيس الوزراء المتهم بالفساد بنيامين نتنياهو الادعاء بأن قيادتي الجانبين الفلسطيني والأردني بحاجة إلى إسرائيل أمنيا للبقاء في مناصبهم، وأن اعتراضاتهم هي مثل اعتراضات الراعي الذي واصل التحذير من الذئب حتى توقف الناس عن تصديقه. ويقدم نتيناهو وغيره أمثلة على ذلك باعتراض الفلسطينيين والعرب على نقل السفارة الأمريكية أو الاعتراف الأمريكي بضمّ الجولان وغيره، وأن الأمر لم يتعد سوى الاعتراض اللفظي. طبعا هناك خبث واضح في تلك الأقوال. فموضوع نقل السفارة الأمريكية نجم عنه وقف فلسطيني لأي اتصال سياسي أو دبلوماسي مع أكبر وأهم دولة في العالم، وهو أمر يجب عدم تقليصه، واستمرت المقاطعة الفلسطينية بعد إعلان "رؤية ترمب" لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. أما عربيا فليس من الصعب توقع ردود فعل الدول العربية ومنها الأردن، والذي عمل أقصى ما يستطيع لمواجهة سياسات إسرائيل العدوانية، وقد توقف الملك عبد الله منذ عدة سنوات من لقاء أو حتى استقبال مكالمات رئيس الوزراء الإسرائيلي. أما فيما يتعلق بالولايات المتحدة فليس من المنطق أن يتم قطع العلاقات مع دولة عظمى ومهيمنة خاصة ضمن سياسات دول صغيرة تحاول أن لا تعادي أية دولة خاصة الدول العظمى كجزء من استراتيجيتها الأساسية.

ولكن موضوع الضم لمناطق الأغوار يختلف تماما. فموضع الخلاف ليس مع واشنطن، رغم أن خطة ترامب هي الحجة، وموقف إدارته قد يحسم الموضوع، ولكن مع دولة الاحتلال. يقيم الأردن منذ 1994 اتفاق سلام مبني في أوائل بنوده، على حدود متفق عليها شمال وجنوب غور الأردن. فكما قال العديد من المحللين فإن الضم بالنسبة للأردن يندرج تحت بند الأمن القومي الأردني ويعتبر موضوعا في غاية الأهمية له، كما جاء في مقابلة الملك مع دير شبيغل الأخيرة.

إلا أن خطورة الموقف وقرب تنفي التوجه الإسرائيلي يتطلب خطوات إضافية، وبعث رسائل أكثر علنية ووضوحا، واستنزاف كافة الخطوات الممكنة لقطع الطريق امام التوجه الإسرائيلي لقد قدم البعض اقتراحات مهمة في هذا المضمار منها على سبيل المثال لا الحصر ضرورة عقد قمة أردنية فلسطينية مصرية لكي يكون واضحا للجميع وخاصة الإسرائيليين، جدية ووحدة موقف الجهات العربية الثلاث التي تربطها اتفاقيات مع إسرائيل. هناك أيضا فكرة أن تحاول القيادة الأردنية فتح حوار مع رئيس حزب أزرق أبيض وزير الدفاع الإسرائيلي بني جانتس، ووزير خارجية إسرائيل جابي أشكنازي إما في الأردن أو بالتعاون مع طرف ثالث.

ويبقى هناك أمر آخر يمكن أن يقوم به الأردن وقبل موعد الأول من تموز.

 بما أن اتفاق الائتلاف الحكومي وتصريحات كبار المسؤولين الإسرائيليين شملت تأييدا واضحا للضمّ فلماذا لا تقوم الأردن وخلال الأيام القادمة باستدعاء سفيرها من تل أبيب للتشاور. من المعروف أن خطوة استدعاء السفير هي خطوة احتجاجية شرعية وقد تعبر عن جدية الموقف الأردني. 

 

فإذا تم إلغاء أو تأجيل الضمّ يمكن عودة السفير، وإذا تم الضم يبقى السفير في الأردن ويتم العمل على خطوات تصعيدية أخرى. وقد اتخذ الأردن مثل هذه الخطوة العام الماضي عند توقيف السلطات الإسرائيلية لأردنيين دون توجيه تهم بحقهما. فلا شك ان خطوة "وجودية" مثل الضم ستحتاج إلى رد أقوى. ولكن استدعاء السفير قبل الضم أهم بكثير مما سيتم بعد الضم لأنها ترسل رسالة علنية قوية بأن الأردن معترض على ما يجري وأن سحب السفير هي أول الخطوات التي قد يتبعها طرد سفير الاحتلال من الأردن وتقليص أو وقف التعاون الاستراتيجي الأمني بين الجانبين، وقد تشمل إلغاء اتفاقية الغاز المرفوضة من قطاعات واسعة من الشعب الأردني، وصولا إلى إمكانية تجميد أو حتى إلغاء اتفاقية وادي عربة.

لقد انتقلت فكرة الضم من الجانب النظري والدعاية الانتخابية إلى البحث في وضع ورسم الخرائط " والحديث عما يساوي ثلث أراضي الضفة الغربية المحتلة. هناك حاجة ماسة إلى العمل العربي الموحد واتخاذ قرارات تتعدى الشجب والاستنكار. إن التدرج في العمل السياسي مهم ويرسل إشارات واضحة بالرفض وعدم قبول ما يجري من التوجه بالضم. إن استدعاء السفير الأردني وبأسرع وقت للتشاور سيكون خطوة استباقية تساهم في رفض الادعاءات الكاذبة عن صدقية الموقف العربي في رفض أي شكل من أشكال الضم وتغيير أحادي الجانب للوضع القانوني للمناطق الفلسطينية المحتلة.