سحب الجنسيات والدولة الفلسطينية

سحب الجنسيات والدولة الفلسطينية
الرابط المختصر

تنص المادة 15 فقرة 2 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه «لا يجوز حرمان شخص من جنسيته تعسفا أو إنكار حقه في تغييرها» ، كما تنص المادة 16 من العهد الخاص بالحقوق السياسية والمدنية على أنه «لكل إنسان في كل مكان الحق بأن يعترف له بالشخصية القانونية»، كما تنص المادة 5 من الدستور الأردني على «الجنسية الأردنية تحدد بقانون».

بناءً على ما تقدم فإن حصول إنسان كائناً ما كان أصله أو دينه على الجنسية الأردنية وفقاً لقانون الجنسية المعمول به، وضمن الأصول، فهذا يعني أنه لا يجوز ولا يحق نزع هذه الجنسية إلا وفقاً للقانون. وبعكس ذلك تكون كافة القرارات المستندة إلى تعليمات قرار فك الارتباط بتجريد آلاف المواطنين من جنسيتهم الأردنية هي قرارات تعسفية، تشكل انتهاكاً صارخاً بالتزامات الأردن الدولية بموجب المواثيق والعهود الدولية التي صادق عليها الأردن بإرادته السياسية، والتي تتمثل في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الخاص بالحقوق السياسية والمدنية.

ومع إدراكي التام لحساسية مناقشة هذه القضية البالغة الأهمية لدى مؤسسات اتخاذ القرار، إلا أن الواجب الملقى على عاتق طليعة الشعب من أحزاب ومفكرين ومؤسسات مجتمع مدني وناشطين حقوقيين، أن تسلط الضوء على القضايا التي تهم الإنسان لمجرد كونه إنسانا، وأن تشارك بمناقشة تلك القرارات التعسفية والظالمة والمجحفة التي جردت آلاف المواطنين من أبسط حقوقهم الأساسية، والتي تضمن لهم الحد الأدنى من الحياة الكريمة، فالدولة هي حكومة وشعب تشارك الحياة على أرض الوطن ضمن عقد اجتماعي وهو الدستور الأردني، والقوانين العاملة التي تتفق والدستور والمواثيق الدولية.

إن الحكومة تستند بتبرير قراراتها بسحب الجنسية على الآتي:

أولاً: أنها ملتزمة بتطبيق قرار فك الارتباط بين الضفتين الشرقية والغربية التي توحدتا عام 1950 ترسيخاً لاستقلالية التمثيل الفلسطيني.

ثانياً: تبرر قراراتها وإجراءاتها بأن هذا التصرف ما هو إلا قرار سيادي؛ أي غير خاضع للقانون.

ثالثاً: بعض المسؤولين أضافوا إلى تبريراتهم بأن ذلك جاء استجابة لطلب منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وللسلطة الفلسطينية بعد اتفاق أوسلو عام 1993.

رابعاً: وفقاً لرأي مسؤول كبير شغل موقعاً رسمياً عالياً «قبل أيام» بأن الأردن اعترف بالدولة الفلسطينية، وهذا يوجب على الحكومة الأردنية أن تعيد السكان إلى الدولة، فلا دولة بدون سكان؛ أي نزع الجنسية عن عشرات الآلاف من المواطنين من أصول فلسطينية.

خامساً: أن هذه الإجراءات ما هي إلا إجهاض للمخطط الصهيوني بتفريغ الأرض الفلسطينية المحتلة من سكانها. وأيضاً لإجهاض المخطط الصهيوني بأن الأردن هو الوطن البديل.

والقارئ المتمعن في تحليل هذه التبريرات يخلص إلى أن الحكومات المتعاقبة فشلت في إقناع الغالبية العظمى من المواطنين أفراداً وأحزابا ومؤسسات مجتمع مدني مستقلة بصواب سياستها وإجراءاتها، وذلك لما يلي:

أولاً: فيما يتعلق بقرار فك الارتباط الصادر في 31/7/1988 تجسيداً لدعم استقلالية القرار الفلسطيني والتمثيل الفلسطيني، وفقاً لقرار مؤتمر الرباط عام 1974 الذي أقر بأن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، فإنني أرى أن القرار هو لدعم الشعب الفلسطيني سياسياً، خاصة أن باقي فلسطين المحتلة (الضفة الغربية) عام 1967 كانت جزءاً من المملكة الأردنية الهاشمية، وبالتالي فإن سكانها هم مواطنون أردنيون، سواء من بقي صامداً على أرضه تحت الاحتلال الصهيوني، أو من اضطرته الظروف السياسية والاقتصادية والأمنية للنزوح والخروج إلى دولة أخرى، وهذا أدعى ألا تلحق القرارات السياسية أذى مباشراً وغير مباشر بالمواطنين، وذلك إلى حين تحرير الأرض الفلسطينية، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.

ثانياً: أما وصف قرار سحب الجنسية بأنه قرار سيادي، فإنني اختلف ولا أتفق مع هذه المقولة، وذلك لأن جميع قرارات الدولة هي قرارات سيادية، سواء على الصعيد السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي، والتعليمي، والثقافي.. إلخ. لذلك فاقتصار القرار السيادي على سحب الجنسية يوحي بأن باقي قرارات وسياسات الحكومات هي غير سيادية، وخاضعة لتأثيرات خارجية، وأما إذا كان المقصود بأن القرار السيادي هو القرار غير الخاضع للقانون، لهذا من شأنه أن يغيب سيادة القانون ودولة القانون، وعندئذ يبرز سؤال أين الحكم والمرجعية القانونية للفصل في الخدمات؟!

ثالثاً: أما القول بأن هذه الإجراءات جاءت تلبية لطلب منظمة التحرير أو السلطة الفلسطينية أو كليهما، فمنذ متى تؤخذ قرارات الحكومة الأردنية بناءً على طلب جهات أخرى (مع حرصي على عدم الخوض بدقة التسريبات أو عدمها). ولنفترض جدلاً أنه لو قامت السلطة الفلسطينية بالطلب من الحكومة الأردنية بالتوقف عن سحب الجنسيات فهل ستلبي الحكومة ذلك؟ ولو افترضنا أيضاً أن منظمة التحرير الفلسطينية طلبت من الحكومة الأردنية سحب جنسيات اللاجئين الذين طردوا من أرض فلسطين الوطن الأم عنوة عام 1948، فهل ستقوم الحكومة بتنفيذ ذلك؟؟

رابعاً: أما قول المسؤول الكبير وتبريره بأن إجراء سحب الجنسية يأتي في سياق إعادة السكان إلى الدولة الفلسطينية، والمعترف بها أردنياً وعربياً وأممياً، فإن هذا القول يقودنا إلى تساؤل، وعلى فرض صحة رأيه، فلماذا لا يتم تخيير هؤلاء المواطنين بأي جنسية يريدون اكتسابها؟ ولماذا تناسى المسؤول الكبير وغيره من المسؤولين بأن قانون الجنسية الأردني يسمح بازدواجية الجنسية على إطلاقها؟ ولماذا إذا كان الهدف دعم الدولة الفلسطينية بالسكان لا ينسحب ذلك أيضاً على ملايين اللاجئين؟ وهل سيكون هذا الأمر قابلاً للتفكير ولا أقول التنفيذ؟ وهذا أيضا يبرز تساؤلاً آخر، أين الفكر القومي الذي قامت عليه المملكة الأردنية الهاشمية من التطبيق؟

خامساً: أما إجهاض المخطط الصهيوني بأن الأردن وطن بديل عبر هذه القرارات، فإنني أعتقد أن جوهر المشكلة يكمن في كيفية مواجهة الكيان الصهيوني الذي لم ولن يحترم اتفاقاً أو معاهدة سواء اتفاق أوسلو أو معاهدة وادي عربة، فإجهاض المخطط الصهيوني ضد الأردن وضد فلسطين يتم بحشد ورص الصفوف الشعبية والسياسية والاقتصادية والعسكرية، وفي تشكيل جبهة عربية وإسلامية وعالمية ضد الكيان الصهيوني المتمرد على الأمم المتحدة وقراراتها؛ لإرغامه على إنهاء احتلاله للأرض الفلسطينية والعربية، وأتساءل أيضاً هل القيام بسحب الجنسية الأردنية من آلاف المواطنين يعيدهم إلى الأرض الفلسطينية؟ وهل قرار عودتهم مرهون بإرادتهم أم بإرادة قادة الكيان الصهيوني مجرمي الحرب بحق الشعب الفلسطيني؟

لذلك فإن الهدف السياسي من الاستمرار والإصرار على سحب الجنسية الأردنية هو غير مفهوم وغير واضح، حتى لبعض من احتلوا مواقع سياسية عليا، فسحب الجنسية لا يمكن أن يؤدي إلا إلى زعزعة وخلخلة في الجبهة الداخلية، وتقسيم الشعب إلى مؤيد ومعارض ومراقب.

فالمطلوب من الحكومة الأردنية احترام قانون الجنسية الأردنية الذي حدد الحالات التي يجوز لمجلس الوزراء فيها -بموافقة الملك- نزع الجنسية، وذلك عبر التوقف عن سحب الجنسيات بموجب التعليمات، والعمل على إعادتها لمن سحبت منهم، وبذلك يتم بناء وتعزيز الثقة بين المواطنين أنفسهم، وبين المواطنين والحكومة. وبذلك أيضاً نزيل ونضعف الإشاعات التي تقول إن هذه الإجراءات هي ضمن سياق الحصول على المزيد من الدعم المالي، عند النظر في تعويضات الأردن لاستضافته الفلسطينيين (لاجئين ونازحين) ولإجهاض مبدأ التوطين فإنني أطالب بإلغاء المادة 8 من «المعاهدة الأردنية الإسرائيلية» وهذا أضعف الإيمان.

أضف تعليقك