سبعيني يعتكف في شق صخري منذ صباه
يعيش عواد حياة بدائية مفترشا الارض وملتحفا السماء منذ أكثر من ستة عقود في مقطع صخري بمنطقة شديدة الانحدار خالية من السكان جنوب غربي بلدة الطيبة في لواء المزار الجنوبي.
عواد لا يملك من متاع الدنيا الا ابريقا قديما لصنع الشاي، وبعض الألبسة البالية التي تستر بعض جسده، وقصبة ابريق حديدية يستخدمها كغليون للتدخين.
يقتات عواد الذي دخل عقده السابع من العمر على ما تيسر له من حشائش الأرض، وما يقدمه له بعض الرعاة والصيادين الذين يرتادون المنطقة، اذ يزودونه من حين لاخر بالمياه، والتبغ الذي يفضله على الطعام والشراب، ما انعكس سلبا على صحته، وبدا نحيلا عظامه نافرة تكاد تغادر جلده ووجهه شاحب تكسوه لحية بيضاء كثة، وتعلوه ابتسامة حزينة تعبر عن أشياء كامنة لا يستطيع البوح بها.
بعد ساعات من المسير الصعب على الأقدام في منطقة وعرة استطعت ورفيقاي الوصول الى ذاك المقطع الصخري حيث يعيش عواد الذي لا يستطيع ان يحدد تاريخ قدومه طفلا الى الاردن من بئر السبع بفلسطين، وفي شبابه رعى بضع شويهات كانت رأسماله ، ولكنها "تبخرت هي وثمنها"،بحسب تعبيره.
عواد لا يملك حاليا شيئا من حطام الدنيا، ولم يعد يقوى على العمل، ويفضل السكون في مكانه، وعدم مفارقته الى مكان آخر في هذه الدنيا التي اصبحت حدودها بالنسبة له المقطع الصخري حيث يعيش، رافضا الاستجابة لمحاولات اقناعه بالانتقال الى سكن اخر أقل وحشة وصعوبة ويكون قريبا من الناس رغم شيخوخته ومرضه وعدم قدرته على المشي سوى خطوات قليلة .
ومع ذلك يجد عواد فسحة من الوقت للتمتع بجمالية المنطقة ، سارحا بنظره صوب واد سحيق تنساب فيه عيون المياه، وتحضنه جبال شاهقة تكسوها الخضرة التي تختلط بها ليلا اصوات الحيوانات المفترسة.
مترددون على عواد يشيرون الى وجود أقارب له تعرفوا عليه وحاولوا نقله الى مكان اخر في أطراف العاصمة الا انه هرب ليلا ، وقطع المسافة مشيا على الأقدام عائدا الى كهفه ليعيش بقية حياته.
ويقول زواره انه يعاني حاليا امراضا مزمنة ولا يستطيع خدمة نفسه، ولا يملك وثيقة اثبات شخصية تمكنه من الحصول على مساعدة من التنمية الاجتماعية، أو الجهات الرسمية الاخرى.
عواد صحته تزداد سوءا يوما بعد يوم ، وبخاصة انه لا يوجد من يقدم له الخدمة، والعناية في هذه المنطقة النائية، بانتظار ان يسترد الله وديعته.