سبب جديد لإلغاء حبس المدين
كشفت قضية حبس رجل الأعمال الأردني-الأمريكي منذر داود سببا آخر إضافيا لإلغاء قانون حبس المدين،حيث تعتبر الأردن - حسب أقوال القاضي محمد الطراونة عضو مجلس أمناء مجلس حقوق الإنسان- أحد خمس أو ست دول في العالم تقوم بهذا الإجراء القاسي.
قضية صاحب سلسلة مطاعم بافالو وينغز، توضح زاوية جديدة من هذا القانون سيء الصيت، والذي وفر لبعض الأشخاص استغلاله لابتزاز رجل أعمال رجع من امريكا لكي يستثمر في بلده والتي توفر مطاعمه مئات فرص العمل، وترفد خزينة الدولة بمليون دينار سنويا من خلال الضرائب التي تدفعها مطاعمه.
يقول المثل الدارج "المال السائب بعلم الحرامية السرقة" وفي هذا المجال من الواضح أن عدد المجرمين والمخادعين الذين يستغلون هذه الثغرة في القانون الأردني في ازدياد أصبح يهدد الاستثمار وضرورة حماية المستثمر، والذي يتوقع الكثير منهم وخاصة المستثمر الأردني.
ورغم الكتابة والمناقشات الكثيرة يبقى وللأسف، لأصحاب النفوذ المالية مناصحاب بنوك وغرف تجارية القول الأخير والفصل في هذا المجال، رغم وجود بدائل حضارية غير سجن أصحاب الشيكات المتعثرة.
لقد أثار تراجع البرلمان الأردني عن إعفاء محرري الشيكات المتعثرة الانزعاج لدى العديد من العائلات الأردنية والتي كانت تأمل أن يتم الإفراج عن أبنائها وبناتها لكي يستطيعوا العمل وتسديد ديونهم وتوفير لقمة العيش لعائلاتهم. فيجب أن تخرج أو تقلل الحكومة من تدخلها في مجال علاقة طرفين من القطاع الخاص في التعامل بينهما.
إن سجن من يحرر شيك بدون رصيد لمدة سنة والعقاب المتدرج لمن يكتب كمبيالة, عقاب مجحف وقد اصبح تدخل الحكومة في أمر يخص طرفين مدنيين مقلق. فمن المفترض أن يتحمل من يقبل بالشيكات بدلا من الكاش احتمالية التأخر أو حتى الخسارة، كما يقبل من يشتري أسهما أو يستثمر في مشروع ما، إمكانية الربح والخسارة، علما أن من حق أي شخص مقاضاة من له دين وحجز ممتلكاته وأمواله المنقولة وغير المنقولة بقرار من المحكمة.
حبس أصحاب الشيكات المتعثرة عقاب لا يطبق في أي دولة متحضرة وحرة في العالم، وعلى الدولة الأردنية أي الحكومة والقطاع الخاص، العمل معاً لتوفير آلية محاكمة تسمح لمن يتعامل بالشيكات أن يجري فحصاً الكترونية لمعرفة الملاءة المالية لمن يتقدم بطلب قرض وهو عمليا ما يترتب على من يقبل شيكات متأخرة. كما ويخالف حبس المدين التزامات الأردن الدولية.
لقد طور اقتصاديو العالم آلية لفحص الوضع المالي والتاريخ الائتماني للمواطنين والمبنية على كيفية تعامل الشخص بمواضيع سد الديون ودفع مخصصات البنوك وتسديد بطاقات الائتمان وامتلاك العقارات والأراضي وغيرها من الطرق التي يمكن جمعها في آلية دقيقة مبنية على معلومات مالية حقيقية تقدم مؤشرا رقميا لقوة أو ضعف قدرة الشخص على تسديد الدين.
في حال تطبيق مؤشر الدين او Credit rating يمكن لصاحب بيت أن يفحص مدى ملائمة شخص غريب لدفع الأجرة الشهرية، وينطبق نفس الأمر، بطبيعة الحال، على شركات السيارات وعلى مقدمي القروض السكنية وغير ذلك من الأمور التي تتطلب معرفة نسبة المخاطرة بتقديم القرض أو بيع أي سلعة عبر دفعات.
عند تطبيق مؤشر الدين يتوفر للمؤسسات المالية وسيلة علمية لمعرفة قدرة المتقدم على سداد الدين. طبعا لا يعني مؤشر ما ضمان 100% ولكن المؤشر يقلل بنسبة كبيرة المخاطر المترتبة على موضوع الائتمان والقروض.
تفيد المعلومات العامة بأن هناك حوالي 180 ألف شخص في الأردن يعتبرون مقدمي شيكات متعثرة. ومن المعروف أن سجن كل شخص لا يسدد شيك يكلف الدولة الأردنية من محاكم ومتابعات الكثير كما يكلفها شهريا حوالي سبعمئة دينار لكل نزيل في السجون، إضافة إلى عدم قدرة المسجون عن العمل، ما يفقده ويفقد عائلته ويفقد الاقتصاد المحلي الدخل الذي كان سيوفره لو بقي خارج السجن.
إن تطبيق مؤشر الدين بدون أي تمييز سيقلل من التهرب من قضاية عدم سداد الديون لان عدد الذين سيحصلون عن مؤشر جيد ستقل وبالعكس ستحفزهم على دفع ديونهم طوعاً لكي يحصلوا على فرص اكثر للمدين. ففي كل مرة يتأخر مدين على دفع بدل الدين فإن ذلك سيخفض من رقمه في المؤشر مما سيعني أنه لن يستطيع شراء سيارة أو استئجار منزل أو أي سلعة بالدين، ولكن الأمر سيعفي الدولة من سجن المتخلفين عن الدفع وهو أمر مشين وغير مفيد ويعطل من قدرة الشخص على سداد دينه.
كما اسلفت فإن موضوع الديون الشخصية هي عبارة عن عملية بين طرفين مدنيين وعلى الدولة الأردنية الخروج من هذه المعادلة من خلال توفير آلية دقيقة وصادقة توفر لمن يرغب بمعرفة قدرة من يتقدم بطلب دين بالدفع وفي حال التخلف فمن حق الدائن الذهاب للمحاكم وتحصيل قرار بحجز أملاك وأراض وغير ذلك من ممتلكات المدين المتخلف عن الدفع.
إن التعامل الحضاري يفرض على الجميع التفكير بصورة جديدة خارج عملية السجن والعقاب غير المنطقي وغير المفيد لمن يتخلف عن الدفع. إن تأسيس والعمل على مؤشر دين مبني على الرقم الوطني أو أي رقم شخصي آخر سيساعد الجميع على تجاوز مشكلة عدم معرفة المخاطر المبنية على استلام شيكات متأخرة أو غير ذلك من أنواع الاقتراض.
كما ومن المؤكد أن إدخال مؤشر الدين سيساعد كثيرا بتحريك العجلة الاقتصادية وإخراج الأموال "المخبأة تحت البلاطة" إلى الاقتصاد الوطني مما سيوفر العمل ويحسن البيئة الاقتصادية، الأمر الذي سيشكل فائدة للجميع.
لقد كشف الظلم الذي حل برجل الأعمال منذر داود والذي لا يزال موجودا خلف القضبان، ضررا شخصيا وعاما يجب على الدولة الأردنية الاهتمام به فورا. لقد آن الأوان للحكومة والديوان وحتى جهاز المخابرات وكافة أركان الدولة الأردنية التدخل للإلغاء هذا القانون المجحف واستبداله بطرق حضارية مثل منع السفر للخارج أووضع اسواره الكترونية على المدين أو حجز الأموال المنقولة وغير المنقولة طبعا بشرط أن يتم ذلك بقرار قضائي.