زيارة الملك لقطر: السياق والدلالات

الرابط المختصر



مثّلت زيارة ملك الأردن، عبدالله الثاني، مع وفد رفيع من كبار المسؤولين، إلى قطر في 12 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي خطوة أخرى من الخطوات التي يقوم بها الأردن، منذ أشهر، فيما يمكن أن نعتبرها "تحويلة دبلوماسية" ملحوظة، في إدارة ملف السياسة الخارجية ومراجعة الحسابات الدولية والإقليمية. وقد بدأت ملامح التحويلة بالظهور منذ رحيل إدارة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، بداية العام الحالي، بالتزامن مع رحيل رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، بنيامين نتنياهو، والرابط بينهما أنّهما شكّلا معاً في الأعوام الأخيرة فكّي الكماشة في المواجهة الدبلوماسية مع الأردن، على خلفية الموقف من القضية الفلسطينية، سواء نقل السفارة الأميركية إلى القدس أو إعلان صفقة القرن وما صاحبها من عمليات تطبيع عربية - إسرائيلية، وهو سياقٌ وقف الأردن ضده دبلوماسياً، ولم يؤيد جزءاً منه في الحدّ الأدنى.

شهدت تلك المرحلة حصاراً دبلوماسياً غير معلن للأردن، وتوجّها واضحا أميركيا - إسرائيليا لتحجيم دوره وتهميشه إقليمياً، من خلال ما يسمّى السلام الإقليمي، أو نسج تحالفاتٍ مع دول عربية أخرى، توافقت مع الإدارة الأميركية في هذه الرؤية، بخاصة مع صهر الرئيس الأميركي السابق، جاريد كوشنر، وكان عرّاب صفقة القرن وعمليات التطبيع العربي - الإسرائيلي.

بدأ الأردن منذ الأشهر الأولى من العام الحالي اختبار المسار الجديد، وقد كثّف المفاوضات والنقاشات مع كل من العراق ومصر، ضمن ما يسمّى "مشروع الشام الجديد"، وتمكّن المسؤولون في هذه الدول من تطوير مفاهيم وتصوّرات مهمة للمصالح الاقتصادية المشتركة. وفي الأثناء، كان الملك وراء الأضواء يناقش الإدارة الأميركية فيما يتعلّق بالمصالح الأردنية مع سورية، واستثناء الأردن من كثير من بنود قانون قيصر (يقرّ عقوبات على سورية، ومن يتعامل معها)، وهو الأمر الذي يتيح للأردن الخروج من العزلة الاقتصادية التي أحكمت حوله، منذ ما يقارب عقدا، مع الأحداث في كل من العراق وسورية.

يحرص الأردن على استدخال سورية في محور الشام الجديد، وتطوير منظومةٍ من المصالح الاقتصادية والاستراتيجية



كان لافتاً في لقاء مدير المخابرات الأردنية، اللواء أحمد حسني، مع مجموعة من الكتاب الصحافيين (في بداية شهر أكتوبر/ تشرين الأول الحالي) إشارته إلى أهمية العلاقات مع دمشق، ومع بغداد، ما يعكس حرص الأردن على استدخال سورية في محور الشام الجديد، وتطوير منظومةٍ من المصالح الاقتصادية والاستراتيجية. ضمن هذا السياق، بعد أيّام عدة من هذا اللقاء كان وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، يتلقى اتصالاً هاتفياً من نظيره الإيراني، حسين عبد اللهيان، ليناقشا ملف العلاقات بين بلديهما (الأردن استدعى سفيره في طهران في 2016، ولم يعيّن سفيراً جديداً، على خلفية تدهور العلاقات السعودية الإيرانية حينها).



من الواضح، إذاً، أننا أمام حراك أردني جديد لاستعادة الدور الإقليمي الأردني، أو بعبارةٍ أدقّ إعادة تعريفه، في ضوء المتغيرات الدولية والإقليمية الراهنة، ومحاولة لتجاوز مرحلة الإدارة الأميركية السابقة، والإمساك بزمام المبادرة، وهو ما انعكس على أكثر من صعيد؛ الصعيد الأول يرتبط بالقضية الفلسطينية، مع إدراك الأردن تراجع فرص حل الدولتين، ومع عدم وجود بديل، إلاّ أنّ هنالك انفتاحاً غير معلن على رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد، نفتالي بينت، في محاولةٍ لإيقاف التدهور الذي حدث مع الحكومة السابقة، واستعادة قدرة الأردن على التأثير على المواقف الإسرائيلية، بخاصة فيما يتعلق بتجميد الاستيطان وحماية القدس والمقدسات، وإيقاف المشروع الإسرائيلي المعلن في تهويد المدينة المقدسة بالكلية.

على الطرف الآخر، يسعى وزير الخارجية الأردني إلى ترميم الموقف العربي من القضية الفلسطينية، ورأب الصدع بين الفلسطينيين والدول العربية التي طبّعت مع إسرائيل، وبناء توازنٍ بين مواقف هذه الدول غير المرغوبة أردنياً وفلسطينياً من جهة، والحفاظ على الحدّ الأدنى من الموقف العربي في حماية حقوق الفلسطينيين وربط العلاقات العربية - الإسرائيلية بالتسوية السلمية.



 

استثمر الأردن جيداً في نتائج قمة العلا في بداية العام الحالي، للمصالحة الخليجية الداخلية، والحراك الدبلوماسي الخليجي- المصري- التركي



على صعيدٍ ثانٍ، دول الجوار، الأولوية الأردنية واضحة تماماً في تحسين شروط العلاقات السياسية والاقتصادية مع كل من العراق وسورية، ما يساهم في إنقاذ الاقتصاد الأردني من الحصار البرّي الخانق، وتنشيط خطوط التجارة والتعاون الأردني الإقليمي.

على الصعيد الثالث، الخليج العربي، استثمر الأردن جيداً في نتائج قمة العلا في بداية العام الحالي، للمصالحة الخليجية الداخلية، والحراك الدبلوماسي الخليجي- المصري- التركي، ما ساعد على الانفتاح على قطر وتطوير العلاقات بين الدولتين، باتجاه إيجاد شريكٍ استراتيجيٍّ إقليمي جديد، والتحلّل من الضغوط الخليجية لتحجيم العلاقات الأردنية القطرية سابقاً.

ويصعب هنا تجاوز ما حدث من فتور واضح في العلاقات الأردنية السعودية خلال الأعوام الأخيرة، والأسباب متعددة؛ سواء الاختلاف في منظوري الدولتين لإدارة العلاقات الإقليمية، والموقف من إدارة ترامب، ومن القضية الفلسطينية خلال تلك المرحلة، ثم ما عرف بقضية الأمير حمزة (منذ شهر إبريل/ نيسان العام الحالي) التي وضعت العلاقة بين الدولتين في مرحلةٍ غير معرّفة (نتيجة موقع أحد الشخصيات المفتاحية في القضية، باسم عوض الله، مستشارا سابقا لولي العهد السعودي، ومبعوث الملك الخاص إلى السعودية قبل ذلك، وكانت هنالك إشارات أردنية غير مريحة إلى السعودية بوجود أصابع خارجية، في الوقت نفسه جهود سعودية لإطلاق سراح عوض الله رفضها الأردن)، مع تراجع كبير وغير مسبوق في المساعدات السعودية إلى الأردن، منذ نهاية حكم الملك عبدالله بن عبد العزيز (في بداية العام 2015).

 

القضية الفلسطينية ليست فقط على تماسّ مع المصالح الحيوية الأردنية، بل هي جزء من الأمن الوطني الأردني



بالضرورة، هنالك تحدّيات عديدة أمام الدبلوماسية الأردنية والسياق الحالي، وتمثّل الانتخابات العراقية أخيرا اختباراً أولياً، خصوصا أنّ علاقات الدولتين شهدت تطوّراً ملحوظاً مع رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، وهنالك قوى سياسية معادية للأردن في العراق. لذلك سيكون هنالك فرق بين عودة الكاظمي أو صعود غيره لا يحمل التوجهات نفسها. مع ذلك، القرار الأردني هو العمل على تعزيز العلاقات مع العراق، والانفتاح على القوى المختلفة، شيعياً وسنياً.

التحدّي الأكبر يتمثّل في تراجع فرص حل الدولتين، وعدم وجود بديل واضح لذلك، مع صعوبة تصوّر قبول إسرائيلي بحل الدولة الواحدة، ورفض الأردن أي خيار فدرالي مع الضفة الغربية، قبل إعلان قيام الدولة الفلسطينية. ومن المعروف أنّ القضية الفلسطينية ليست فقط على تماسّ مع المصالح الحيوية الأردنية، بل هي جزء من الأمن الوطني الأردني. والتحدّي الثالث مع دول الخليج العربي يتمثّل في مسار العلاقات الأردنية السعودية، في ضوء الوضع الراهن، مع تغليب سيناريو عودة العلاقات، وتراجع حدّة الخلافات وتجاوزها، بخاصة أنّ الدولتين تمتعتا بعلاقاتٍ تاريخيةٍ وثيقة، منذ خمسينيات القرن الماضي، وتجاوزتا أزمات آنية عديدة في العلاقة بينهما.



(أوراق مسار-معهد السياسة والمجتمع)