زيادة عمالة الأطفال: تحت ضغط الظروف الاقتصادية وعجز الإجراءات الوقائية
يعيش أحمد، الذي يبلغ من العمر 15 عاما، مع عائلته في ظروف اقتصادية صعبة، حيث يعمل والده كميكانيكي للمركبات، يكاد يلبي احتياجات أسرته الأساسية، ما دفع أحمد باتخاذ قرارا بتعلم مهارات والده والعمل لمساعدة عائلته، معتقدا أنه بذلك سيكون قادرا على تخفيف العبء المالي عن والده والمساهمة في توفير المال اللازم للحياة الكريمة.
ويقول أحمد بأنه واجه العديد من التحديات في رحلته، حيث كان يجب عليه التوازن بين العمل والدراسة، فهو أراد ألا يضحي بتعليمه وأن يقوم بالعمل في ورشة والده بعد الدراسة وفي عطلات نهاية الأسبوع.
على الرغم من شعور أحمد بالفخر لقدرته على مساعدة الآخرين ودعم عائلته، إلا أنه كان يواجه تحديات كبيرة من حيث ظروف عمل صعبة وبذل مجهودا بدنيا كبيرا، ما يشعره بالإجهاد والتعب، وفي بعض الأحيان كان عليه التعامل مع أجزاء ميكانيكية حادة ومواد كيميائية خطرة، بالإضافة إلى ذلك، عمله في سن مبكر يعني مواجهته غيابا طويلا عن المدرسة، ما يؤثر سلبا على تعليمه وفرصه المستقبلية.
تقارير عمالية تشير إلى أن ما يقرب من 60% من الأطفال العاملين يعملون في أعمال خطرة، وأن أبرز الأنشطة الاقتصادية التي يشتغل بها الأطفال هي "تجارة الجملة والتجزئة وإصلاح المركبات" والزراعة والصناعات التحويلية والبناء.
كما يستخدم القطاع الزراعي الأطفال في الفئة العمرية 5-11 عاما بشكل أكبر، حيث يعمل 56% من الأطفال العاملين من هذه الفئة في هذا القطاع.
أما الأطفال في الفئة العمرية 15-17 عاما، فيتجهون للعمل في الصناعات التحويلية والبناء وبيع وإصلاح المركبات، ويتقاضون في المتوسط أجورا تبلغ 161 دينارا شهريا، أي ما يقارب من خمسة دنانير يوميا.
تحذيرات من زيادة عمالة الأطفال
على الرغم من عدم توفر إحصاءات رسمية حديثة حول حجم عمالة الأطفال في المملكة، والتي تعود أحدثها إلى عام 2016، إلا أن التقارير العمالية المختلفة تحذر من زيادة كبيرة في عمالة الأطفال، مستندة هذه التقارير إلى تفاقم معدلات الفقر والبطالة، وغياب حلول فعالة لمكافحة هذه المشكلة، على الرغم من وجود اتفاقيات دولية وأنظمة وقوانين تنظم مكافحة عمل الأطفال وتتوافق مع قانون العمل.
ووفقا لتقرير صادر عن "بيت العمال"، المركز الأردني لحقوق العمل، بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة عمل الأطفال الذي يحتفل به في الثاني عشر من حزيران في كل عام، فإن عدد الأطفال العاملين زاد بنسبة تفوق 25% خلال فترة الجائحة مقارنة بآخر مسح إحصائي تم في عام 2016. وقد ارتفع عدد الأطفال العاملين إلى أكثر من 100 ألف طفل عامل، نظرا لعدم توافر حلول فعالة لمشكلة البطالة التي بلغت نسبتها 21.9% في الربع الأول من هذا العام.
تشير التقارير إلى أن حوالي 60% من الأطفال العاملين يعملون في أعمال خطرة، وتكون أجورهم متوسطة بحوالي خمسة دنانير في اليوم. يعمل معظمهم لفترات تتجاوز الحد القانوني المسموح به البالغ 36 ساعة في الأسبوع، ويتراوح عمر 47% منهم دون 14 عاما.
الناشطة في حقوق الطفل في مجال عمل الأطفال، نهاية دبدوب، تؤكد ان معالجة البطالة والفقر يتطلب توجيه للاستثمارات واستغلالها بطريقة تسهم في تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة، ويجب تشجيع القطاعات الصناعية والاقتصادية للمساهمة في حل هذه المشكلة المقلقة.
توضح أيضا أن التغيرات الاقتصادية والاجتماعية وتدهور الأوضاع الاقتصادية بسبب تداعيات جائحة كورونا أدت إلى تفاقم ظاهرة عمالة الأطفال، مع تأثيرات سلبية على الأنظمة التعليمية ودخول المواطنين، ومع ذلك، لا توجد إحصاءات رسمية تشير إلى حجم هذه المشكلة.
تشير إلى أن الأردن، على الرغم من التزامه بالعديد من السياسات والمواثيق الدولية، إلا انه لا ينفذها بشكل فعال لمكافحة ظاهرة عمالة الأطفال والوصول الى اردن خال من عمل الأطفال.
كما أن تراجع دخول بعض الأسر ما نسبته 45%، وعمل الآباء في القطاع غير الرسمي وغير المشمول بأي حماية اجتماعية، يضع ضغطا على الأطفال لترك المدارس والعمل لمساعدة العائلة في تأمين الدخل، بحسب دبدوب.
من بين الخطوات الهامة التي يجب أن تتخذها الحكومة للحد من هذه الظاهرة، هي تفعيل الإطار الوطني لمكافحة عمالة الأطفال، وتحديد آليات التعاون والشراكة بين وزارة العمل والتنمية الاجتماعية ووزارة التربية والتعليم، بناء على ذلك، تم إنشاء قاعدة بيانات متطورة لتتم مراقبة مواقع عمل الأطفال وتوفير حلول لهذه المشكلة.
جهود وزارة العمل
وزارة العمل تسعى جاهدة لحماية الأطفال العاملين وتبذل جهودا في هذا الصدد، من خلال حملات التفتيش والتأكد من امتثال القطاعات المختلفة لقانون العمل وتعديلاته المتعلقة بعمل الأطفال، واتخاذ الإجراءات القانونية ضد أصحاب العمل المخالفين، بهدف مواجهة مشكلة عمل الأطفال.
ويوضح الناطق باسم وزارة العمل، محمد الزيود في حديثه لـ "عمان نت"، أن الوزارة تقوم برقابة سوق العمل للتحقق من وجود أي حالات تخالف قانون العمل، وتقوم يوميا بزيارات تفتيشية تغطي نسبة 15% من عمالة الأطفال.
وخلال الفترة من بداية العام وحتى الأول من أيار، أجرت الوزارة 7587 زيارة تفتيشية، مقارنة بـ 15706 زيارة في العام الماضي، كما تم رصد 231 حالة عمل أطفال تم اكتشافها منذ بداية العام، مقارنة بـ 520 حالة في العام الماضي بأكمله.
ويشير الزيود إلى وجود آلية للإبلاغ عن حالات عمالة الأطفال من خلال رابط إلكتروني على موقع وزارة العمل، عبر بوابة التفتيش، يتم التنسيق والتعاون بين وزارات العمل والتنمية الاجتماعية والتربية والتعليم في هذا الصدد.
ويضيف الزيود أن وزارة العمل تراقب الأطفال العاملين من خلال حملات التفتيش الخاصة بها وتسجل حالاتهم، لتتولى وزارة التنمية الاجتماعية إدارة الحالة ودراسة البرامج الخاصة بها وتقديم الدعم المناسب لأسرة الطفل من خلال صندوق المعونة الوطنية.
وفيما يتعلق بالإجراءات القانونية، فإن المادة 73 من قانون العمل تنص على أنه يمنع توظيف أي فرد لم يتجاوز سن السادسة عشرة في أي حالة، وتنص المادة 74 على أنه يمنع توظيف الفرد الذي لم يتجاوز سن الثامنة عشرة في الأعمال الخطرة أو المرهقة أو المؤذية للصحة، وتحدد هذه الأعمال بقرارات صادرة عن الوزير بناء على آراء الجهات الرسمية المختصة.
يحظر قانون العمل أيضا في المادة 75 توظيف الفرد لمدة تزيد عن ست ساعات في اليوم الواحد، مع منح فترة راحة لا تقل عن ساعة واحدة بعد عمل أربع ساعات متواصلة، كما يحظر توظيف الأطفال بين الساعة الثامنة مساء والساعة السادسة صباحا، وفي أيام الأعياد الدينية والعطل الرسمية وعطلات نهاية الأسبوع.
"أطفال مش عمال" حملة توعوية
بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة عمالة الأطفال، يطلق مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية والمرصد العمالي الأردني حملة تحت عنوان "أطفال مش عمّال"، والتي ستستمر من 10 إلى 15 يونيو الحالي.
تهدف هذه الحملة إلى إلقاء الضوء على مشكلة عمالة الأطفال وزيادة الوعي القانوني لدى أصحاب الأعمال للحد من هذه الظاهرة، وكشف الأسباب التي تدفع الأطفال، وخاصة تلك الذين تقل أعمارهم عن 16 عامًا، للانخراط في سوق العمل.
تشمل الحملة نشر رسائل عبر منصات التواصل الاجتماعي تتنوع بين رسائل توعوية ونصوص قانونية واقتباسات من أطفال يعملون في قطاعات مختلفة، بالإضافة إلى تقارير وقصص صحفية.
من المتوقع أن يشارك الفينيق والمرصد العمالي هذه الرسائل التوعوية والتقارير الصحفية مع وسائل الإعلام المحلية والعربية، وعبر منصات التواصل الاجتماعي المختلفة مثل فيسبوك وتويتر وإنستجرام، باستخدام الوسوم التالية (#أطفال مش عمال، #مكافحة عمالة الأطفال).