
ريادة الأمهات: تحويل المشاريع المنزلية إلى مصادر دخل مستدامة وفرص عمل
في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجهها العديد من الأسر، أصبحت المشاريع الإنتاجية المنزلية نموذجا ملهما لتمكين المرأة وتعزيز الاقتصاد المحلي، باعتبار هذه المشاريع لا تقتصر على توفير مصدر دخل ثابت، بل تساهم أيضا في تعزيز روح المبادرة والاستقلالية لدى العديد من النساء.
ومن إحدى القرى الأردنية، بدأت فريال الكوفحي رحلتها الريادية من مطبخها الصغير، لتؤسس لاحقا "مطبخ طابون جداتنا"، الذي أصبح نموذجا يحتذى به في تحويل التراث إلى مشروع اقتصادي مزدهر، وذلك منذ أكثر من ثلاثة عقود، حيث وجدت فريال نفسها أمام مسؤوليات كبيرة، وكانت تسعى لمساندة زوجها في زراعة الأرض وتربية أبنائها الثمانية.
ومن هنا، ولدت فكرة إعداد الأكلات التراثية من مكونات طبيعية مثل زيت الزيتون، القمح، والزيتون، وبيعها للعائلات في قريتها.
شيئا فشيئا بحسب الكوفحي" كبر المشروع، وانتشر اسمه بفضل جودة الطعام ودعم الزبائن، ليصبح مصدر دخلي الرئيسي وساعدني في تعليم أبنائي، الذين أصبحوا اليوم أطباء ومهندسين بفضل هذا المشروع".
من مشروع فردي إلى مصدر فرص عمل
لكن نجاح فريال لم يتوقف عند حدود أسرتها، بل امتد ليشمل العشرات من النساء والطلاب الجامعيين، فمن مشروع فردي صغير، أصبح "مطبخ طابون جداتنا" اليوم يوفر فرص عمل لنحو 60 سيدة يعملن في تحضير الطعام، إضافة إلى عدد من طلاب الجامعات الذين يعملون في خدمات التوصيل لتأمين مصاريف دراستهم.
لم يكن الطريق مفروشا بالورود، تقول فريال" واجهت العديد من التحديات الاجتماعية في البداية، إذ لم يكن العمل خارج المنزل أمرا مقبولا للنساء في قريتي، ولكني تحديت هذه القيود وأثبتت أن المرأة قادرة على تحقيق النجاح وكسب احترام مجتمعها، حتى تغيرت النظرة تدريجيا، وبدأت نساء أخريات في تبني فكرة المشاريع المنزلية للمساهمة في إعالة أسرهن.
واليوم، تؤكد فريال أن سر النجاح في المشاريع الإنتاجية المنزلية يكمن في الإتقان والجودة والالتزام بالتراث، وهو ما يجعل المنتجات تلقى رواجا لدى السكان المحليين وحتى السياح، وتنصح كل امرأة ترغب في بدء مشروعها الخاص بقولها أن "البداية دائما صعبة، لكن الاستمرارية والتغلب على التحديات هما مفتاح النجاح الحقيقي".
وفقا لبيانات دائرة الإحصاءات العامة الأردنية، شهدت نسبة النساء اللاتي يرأسن أسرهن في الأردن ارتفاعا ملحوظا، حيث بلغت 17.5% في عام 2020، مقارنة بـ 12.3% في عام 2000، هذا يعني أن من بين 2.242 مليون أسرة في الأردن، هناك حوالي 392.3 ألف أسرة ترأسها نساء.
تزايد إقبال الأمهات على ريادة الأعمال
في ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية المتزايدة، أصبحت ريادة الأعمال خيارا جاذبا للأمهات الساعيات إلى التوفيق بين مسؤوليات الأسرة والعمل.
ومع انتشار التكنولوجيا وتوسع مفهوم العمل الحر، تمكنت العديد من الأمهات من إطلاق مشاريعهن الخاصة في مجالات متنوعة، مثل الحرف اليدوية، التجارة الإلكترونية، وتقديم الخدمات، ورغم الفرص المتاحة، لا تزال هناك عقبات تعترض طريقهن، أبرزها التمويل، التسويق، وإدارة الوقت.
ترى مستشارة ومدربة ريادة الأعمال، علياء عنبر، في حديثها لـ "عمان نت"، أن هناك توجها متزايدا لدى الأمهات في الأردن لدخول عالم ريادة الأعمال، سواء من خلال المشاريع المنزلية، أو الأعمال عبر الإنترنت، أو حتى المشاريع الصغيرة في المجتمعات المحلية.
هذا الإقبال يعود بحسب عنبر مدفوع برغبة من الأمهات في تحقيق الاستقلال المالي، والمساهمة في إحداث تغيير إيجابي في المجتمع، إضافة إلى السعي لتحقيق توازن بين الحياة الأسرية والمهنية، كما أن الظروف الاقتصادية الصعبة، مثل تدني الرواتب وارتفاع تكاليف المعيشة، تدفع العديد منهن للبحث عن مصادر دخل إضافية.
أبرز التحديات التي تواجه الرياديات
فيما يتعلق بريادة الأعمال بين النساء، تبين الإحصاءات إلى أن 4.7% من النساء العاملات في الأردن هن صاحبات أعمال ومع ذلك، تواجه الأمهات الراغبات في دخول عالم ريادة الأعمال العديد من التحديات، التي تتنوع بين قلة الخبرة الإدارية والتسويقية، وصعوبة التخطيط المالي، ما قد يؤدي إلى إخفاقات في المشاريع أو حتى فشلها.
وتشير عنبر إلى أن العديد من الأمهات يفتقرن إلى المعرفة الأساسية حول إدارة المشاريع، مما يجعلهن عرضة للقرارات الخاطئة التي قد تدفعهن إلى إيقاف العمل مبكرا.
إلى جانب ذلك، توضح عنبر أن الضغط المجتمعي والعائلي يشكل تحديا آخر، إذ قد تواجه الأم رفضا من الأسرة، سواء من الزوج، الأبناء، أو الأشقاء، الذين يرون أن العمل الحر ليس خيارا مناسبا لها.
كذلك، يمثل التوازن بين متطلبات الأسرة والعمل تحديا كبيرا، خاصة مع غياب الدعم الأسري، حتى وإن كانت الأم تعمل من منزلها، فإنها تحتاج إلى تنظيم وقتها بين رعاية الأطفال وإدارة المشروع، كما أن هناك تحديا آخر يتمثل في نقص المعلومات حول كيفية بدء المشروع بشكل صحيح، إذ قد تكون لدى بعض الأمهات أفكار ريادية جيدة، لكنهن لا يعرفن من أين يبدأن أو إلى من يتوجهن للحصول على التوجيه المناسب، وفقا لعنبر.
المهارات الأساسية لضمان النجاح
تؤكد عنبر أن نجاح الأم الريادية يعتمد على امتلاك مجموعة من المهارات الأساسية، أبرزها، إدارة وتنظيم الوقتو تحديد أوقات العمل بما يتناسب مع مسؤوليات الأسرة، و تعلم استراتيجيات التسويق، وآليات البيع وما بعد البيع،و القدرة على إدارة الميزانية، وضبط التكاليف والتعامل مع التحديات التي قد تواجهها في بداية المشروع، والاستمرار رغم العقبات، والإيمان بالقدرة على النجاح.
وتنصح عنبر الأمهات الراغبات في بدء مشاريعهن بعدم انتظار الظروف المثالية، بل اتخاذ خطوات صغيرة ومتكررة، لأن النجاح ليس وليد اللحظة، بل هو نتيجة استمرارية وثقة بالنفس، مؤكدة أن الإيمان بالقدرة على تحقيق التوازن بين الشغف والعائلة هو المفتاح الأساسي لنجاح أي مشروع ريادي، مشددة على أهمية التعلم المستمر وتطوير المهارات، لأن العالم في تطور دائم، ولا بد من مواكبته لتحقيق النجاح المستدام.
من أبرز القطاعات الأكثر جذبا للأمهات الرياديات، كالتعليم الإلكتروني وذلك بتقديم دروس خصوصية عبر الإنترنت، سواء في اللغات أو الرياضيات أو غيرها من المواد التعليمية، والمطابخ المنزلية حيث تعمل على تحضير الطعام والحلويات وبيعها عبر الإنترنت أو ضمن شبكات محلية، بالاضافة إلى الحرف اليدوية مثل الكروشيه، صناعة الشموع، النجارة، وغيرها من المنتجات اليدوية، وأيضا كتابة الأبحاث والتدريب وتقديم خدمات كتابة الأبحاث للطلاب أو إعطاء دورات في مجالات مختلفة، مثل اللغات أو تطوير المهارات.