ربع قرن على "اتفاقية وادي عربة"..ماذا جنى الأردن؟
تعود الذكرى الخامسة والعشرين، للاتفاقية الأردنية-الإسرائيلية (وادي عربة) 26 تشرين الأول/ أكتوبر 1994، وسط توتر في العلاقات الرسمية بين عمّان وتل أبيب، مع ارتفاع أصوات أردنية، شعبية، مطالبة بإلغاء الاتفاقية، على وقع اعتقال الاحتلال الإسرائيلي لمواطنين أردنيين.
أخذت العلاقات الرسمية الأردنية الإسرائيلية، بالتراجع بوتيرة متسارعة، خلال السنوات الماضية، عقب حادثة مقتل أردنيين على يد رجل أمن في السفارة الإسرائيلية،2017، توقف على أثرها العمل في مشروع ناقل البحرين المائي، وصولا الى نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة 2018.
وارتفعت كذلك وتيرة الانتهاكات الإسرائيلية للمسجد الأقصى، وسط الحديث عن خطة السلام الأمريكية أو ما تعرف باسم "صفقة القرن"، التي تشكل مساسا بالوصاية الهاشمية على المقدسات.
وعلى خلفية ذلك، قرر مجلس النواب الأردني مراجعة الاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل، بما فيها معاهدة وادي عربة، لكن مراجعته للاتفاقيات بقيت طي الأدراج.
ولم تتوقف محطات التأزيم عند هذا الأمر، إذ تعهد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، في أيلول/ سبتمبر الماضي، بضم أراض في غور الأردن، وشمال البحر الميت، في حل شكل الحكومة المقبلة، الأمر الذي دفع العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني للقول بأن "خطوة كهذه سيكون لها أثر مباشر على العلاقات بين الأردن وإسرائيل، وإسرائيل ومصر".
وزاد التوتر بعد اعتقال الاحتلال لمواطنين أردنيين (هبة اللبدي، عبد الرحمن مرعي)، اعتقالا إداريا، مع اقتراب انتهاء الملاحق الخاصة في معاهدة السلام التي تعطي إسرائيل حق الانتفاع بأراضي الباقورة والغمر الأردنية 25 عاما.
الأمين العام لحزب الوحدة، الشعبية، سعيد ذياب (يساري)، اعتبر في حديث لـ"عربي21" أن "الدرس الأكبر المستفاد من هذه الاتفاقية، أن الالتزام بها كان من جانب واحد الجانب الأردني، أما الجانب الإسرائيلي لم يلتزم لا من قريب أو بعيد".
وأضاف: "هذا كان ماثلا في القضايا الأمنية وأطماع الاحتلال في الأردن لم تتراجع ولم تختف، من خلال تصريحات صدرت من أعضاء كنيست ثم رؤية الليكود ونتنياهو في كتابه مكان تحت الشمس يعتبر أن الأردن جزء من فلسطين، حتى أن شارون رفض حضور الاتفاقية قائلا كيف اوقع للتنازل على أرض إسرائيل"، وفق قوله.
وقال ذياب: "الآن نشهد مسار صفقة القرن، والذي يعني توطين اللاجئين وتحويل الأردن الى خزان بشري، وهذا يستوجب رسميا اعادة النظر بالاتفاقية، والمطلب الشعبي الغاءها".
لكن ذياب لا يعتقد أن الأردن الرسمي جاد بإعادة النظر بالعلاقات مع اسرائيل، مستشهدا باستمرار الأردن بالمضي بصفقة الغاز مع الاحتلال، يقول "مما يعني أن هنالك نهج يرى أن تعزيز الحكم هو استمرار التحالف مع اسرائيل".
سلسلة بشرية
على الجانب الآخر ورغم محطات التأزيم تمضي الحكومة الأردنية بتنفيذ اتفاقية الغاز مع إسرائيل واستكمال مد الأنابيب، في اتفاقية غامضة البنود، وسط معارضة شعبية وحزبية كبيرة.
إذ دعت "حملة غاز العدو" للاحتجاج أمام شركة الكهرباء السبت، 26 تشرين الأول/ أكتوبر، وذلك تزامنا مع الذكرى الـ25 لتوقيع معاهدة وادي عربة مع الاحتلال الإسرائيلي، تحت شعار "سيادتنا بإسقاط اتفاقية العار".
وقال عضو الحملة، محمد العبسي، لـ"عربي21"، إن "معاهدة وادي عربة المشؤومة هي أصل البلاء، وهي التي فتحت الباب لنصل إلى ما وصلنا إليه من رهن للأردن وأمن طاقته وسيادته وكرامة شعبه للعدو الصهيوني، فبعد أن فشلت الحكومات المتعاقبة على فرض التطبيع على المستوى الشعبيّ، تم اتخاذ القرار بتوقيع صفقة تجعلنا مشتركين رغماً عنا في تمويل الإرهاب الصهيوني من خلال الكهرباء التي تصل كل منزل وقطاع، وتشمل كل مواطن".
وأضاف: "في الوقت ذاته، تحرم الاتفاقية اقتصادنا المدمّر والمُفقر من 10 مليارات دولار كان يمكن أن تستثمر محليًّا في مشاريع تعزز أمن طاقتنا، وتنمي اقتصادنا، وتوفر عشرات آلاف فرص العمل لمواطنينا".
وبحسب العبسي، سينفذ المحتجون سلسلة بشرية أمام شركة الكهرباء التي وقعت "اتفاقية العار"، مبينا أن "صفقة الغاز مع العدو الصهيوني، التي سربت نصوصها، تتعدى كونها تطبيعا، إنها خيانة عظمى للأردن وشعبه، وخيانة لشهداء معركة الكرامة، واستهتار بدم رائد زعيتر وسعيد العمرو وغيرهم ممن قتلهم الصهاينة بدم بارد".
واعتبر كذلك أنها "استهتار بعدالة قضايانا في فلسطين، وهو استهتار يدفع الصهاينة لاعتقال مواطنين أردنيين هما هبة اللبدي المضربة عن الطعام أكثر من 30 يوما، وعبد الرحمن مرعي المصاب بالسرطان والذي تتدهور حالته الصحية تحت الأسر، دون أن تسأل بأصحاب القرار المفرّطين بحقوقنا".
بنود من الاتفاقية
وتضمنت المعاهدة بنودا تتعلق برسم الحدود بين البلدين استعادت الأردن بموجبها أراضي (الباقورة والغمر) سيطرت عليها إسرائيل لسنوات لتعود اسرائيل لتنتفع بها 25 عاما تنتهي مدتها في 10 تشرين الثاني/ نوفمبر 2019.
ونصت المعاهدة أيضا على "تطبيع كامل يشمل فتح سفارة إسرائيلية وأردنية في البلدين، وإعطاء تأشيرات زيارة للسياح، وفتح خطوط جوية، وعدم استخدام دعاية جارحة في حق الدولة الأخرى".
وتضمنت الاتفاقية بنودا أخرى، تتعلق بالأمن والدفاع واحترام حدود الآخر، والمعاونة ضد الإرهاب وضد أي عمليات مسلحة على حدود البلدين، كما أعطت المعاهدة الأردن أفضلية للإشراف على الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس في حالة عقد اتفاقية لاحقة مع الفلسطينيين.
وتعليقا على بنود الاتفاقية، قال الخبير في الشؤون الإسرائيلية، أيمن الحنيطي، لـ"عربي21" إن "الأردن حافظ على مصالحه الحيوية خلال الـ25 عاما الماضية، والأردن بعد أوسلو وحرب الخليج الثانية ذهب مضطرا لتوقيع هذه المعاهدة".
وقال: "ثمار السلام مصطلح عاف عليه الزمن ولم يستفد من المعاهدة إلا الجانب الإسرائيلي، لكن الأردن من خلال الضغط المستمر، استطاع وقف العديد من الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة، وتحديدا في موضوع المقدسات وحماية حقوق الفلسطينيين".
ومن أبرز النقاط الأخرى في الاتفاقية، توزيع مياه نهر الأردن، وأحواض وادي عربة الجوفية، "بشكل عادل"، بين البلدين وإعطاء ثلاثة أرباع نهر اليرموك للأردن"، الأمر الذي تقول المعارضة الأردنية إن الاحتلال يسرق حصة الأردن من المياه خلافا للاتفاقية.
"ثمار السلام"
لكن ماذا جنى الأردن، من الاتفاقية بعد 25 عاما؟ الخبير والمحلل السياسي، منذر الحوارات، يعتقد أن الاتفاقية "لم تجلب السلام، والأمن، أو الرخاء الاقتصادي".
وقال لـ"عربي21": "السلام لا يتحقق في حال لم يحصل الفلسطينيون على حقوقهم، أما على مستوى الأمن تستخدم الدول في المنطقة جزءً مهما من ميزانيتها للأمن خوفا من العدوان الإسرائيلي، المنطقة لم تعرف الاستقرار أبدا، بسبب ظلم الشعب الفلسطيني، أما على الصعيد الاقتصادي، لم تتحقق أي وعود بالتنمية الاقتصادية".
وأضاف: "لا يزال الأردن يعاني اقتصاديا وتراجع مستوى دخل الفرد، بل أن الأردن يعاني من تهديدات اسرائيل وخير مثال عندما حاولت إلغاء الأونروا بالتعاون مع الولايات المتحدة، هذا يساوي أن اسرائيل ترغب أن لا يكون للاجئين منصة سياسية، وهذا يساوي توطينهم، والمساس بالأمن الاستراتيجي الأردني".
وتعود الذكرى 25 لوادي عربة، ولم يجن الأردن "ثمار السلام" وسط ازدياد الانتهاكات الإسرائيلية للاتفاقية، ولم تفلح الاتفاقية خلال الـ25 عاما الماضية من فرض حالة شعبية من التطبيع على الشارع الأردني الذي يرفض أشكال التعامل مع الاحتلال كافة.