ذر الرماد في العيون
قبل أيام تم توقيع اتفاق بين الاتحاد الأوروبي ومكتب رئيس السلطة الفلسطيني وجرى حفل التوقيع في القدس بحيث تم تخصيص مبلغ ستة ملايين دولار للبرامج الثقافية في القدس، وجرى التوقيع بأجواء احتفالية وابتسامات وزعت بالمجان في كل مكان وعلى كل الحضور وخاصة أمام كاميرات الإعلام ، وذلك بمقر الاتحاد الأوروبي ، هذه الاتفاقية دفعت المسوؤلين الى الاجتماع مع بعض المؤسسات الثقافية في القدس ليبشروهم بهذا الانجاز الكبير!!
ما علينا !
المهم ، انه لو نظرنا بصورة واقعية واعتمادا على أرقام رسمية لوجدنا أن هذا الرقم لا يمثل أي شيء فأقل مشروع ثقافي محترم يليق بالقدس تفوق ميزانيته ما تبرع به الاتحاد الأوروبي ، ذلك التبرع الذي يعتبر نقطة في بحر من الاحتياجات التي تحتاجها القدس من أجل الصمود فقط ، وليس من أجل المتعة، فهل تعرفون أن القدس بحاجة إلى عشرة ملايين دولار شهريا، من أجل تحسين البنى التحتية الثقافية والاقتصادية والصحية والتعليمية والتجارية ... أي أن القدس بحاجة إلى ما يقارب 400 مليون دور شهريا من أجل تعزيز الصمود ومن أجل سد النقص الحاد في جميع المجالات ، وهذا الرقم هو قديم ولم يتم تحديثه حتى الآن ، إلا أنه يعطى صورة واضحة عما تحتاجه القدس وعن الهوة بين ما يتم الإعلان عن التبرع به وعن الواقع الحقيقي
ولنأخذ على سبيل المثال لا الحصر قطاع الإسكان في القدس والذي يعتبر الأهم في تعزيز الصمود، فالقدس بحاجة إلى 26 ألف شقة سكنية بتكلفه تزيد عن المليار دولار بكثير لسد النقص الحاد في الشقق السكنية ولتمكين كل من خرج من القدس بسبب الضائقة السكنية إلى العودة لها، بالتالي فإن المبلغ الذي خصصته الجامعة العربية قبل سنوات لمدينة القدس والذي يصل إلى 500 مليون دولار يسد نصف حاجة ما يحتاجه قطاع الإسكان فقط .
أما في مجال الثقافة فإن ما يحتاجه هذا القطاع يقدر بعشرات الملايين من الدولارات وليس إلى بضع ملايين، انظروا ماذا خصصت إسرائيل لقطاع الثقافة في القدس لهذا العام، تخصيص 10 ملايين دولار من أجل المكتبة الوطنية والمتحف إضافة الى تخصيص ما يقارب 10 ملايين دولار من أجل تحويل القدس إلى عاصمة الثقافة والفنون من خلال استضافة المهرجانات وآخرها كان مهرجان الاوبرا العالمي ليتحول هذا المهرجان إلى حدث دولي سنوي . وفي المقابل لا توجد في القدس الشرقية مكتبة وطنية واحدة يمكن لأي مقدسي أن يتوجه إليها بحثا عن كتاب، ولا زال صاحب هذه الفكرة يبحث منذ سنوات عن مكان لإقامة هذه المكتبة !
في القدس المهرجانات التي تنطلق منها تتحول بقدرة قادر إلى رام الله، بحثا عن التمويل وعن الجمهور!
في القدس لا يوجد فيها متحف واحد شامل، هناك أشباه متاحف وهي مغلقة طيلة أيام العام !
ولكن قد يقول قائل إن هذا المبلغ الذي تم تخصيصه من قبل الاتحاد الأوروبي أفضل من لا شيء! قد يكون هذا صحيح في الكثير من الحالات ، ولكنه في القدس ، هي عبارة عن ترقيع لواقع مؤلم ، هذا الترقيع سوف يساهم في تفاقم الأزمة وليس حلها ! وكفانا ترقيعا ، فهو مثل حبة الاسبرين التي تعطى لمصاب بمرض مزمن أو يعانى سكرات الموت ، فحبة الاسبرين هذه لن تخفف الالم ولن تشفى المريض ولكنها امام الناس هي علاج( ذر الرماد في العيون ) ،،،!!
هذا ما يسمى ضحك على اللحى !! فهذا المدينة بحاجة إلى حلول جذرية وليست حلول تجميلية لصورة قبيحة من واقع اخطر من أي شيء ، فالمسالة في المدينة فاقت أي تصور .
فإما أن يتحمل الجميع مسوؤليته عن المدينة، أو أن يمتلك الشجاعة (وهم لا يملكونها) ويعلن فشله على الملأ، ذلك الملأ لذي يعرف رغم هذه المؤتمرات الصحفية التي تعقد باسمه ورغم اللقاءات السرية والعلانية التي تناقش حالته ، بأن هذا ما هو إلا للعرض الإعلامي فقط، وليس حقيقي، ولهذا أصبح المواطن يسمع كثيرا ولا يرى إلا القليل، ومن هنا هو لم يعد يصدق شيء لأنه لا يرى أيا من هذا الوعود وقد تحولت إلى واقع ، فما أكثر الكلام وما أقل الأفعال !!
وكما قال أحد الذين يعملون من القدس، إن المدينة بحاجة إلى رجال حقيقيين وإلى همم شامخة وإلى قلوب محبة، وليست بحاجة إلى أشباه رجال يعرفون كيف يتحدثون ولكنهم لا يعرفون كيف ينفذون !
القدس بحاجة إلى عاشقين لها وليس إلى دجالين باسمها..
وللحديث بقية...