ذاكرة مقاوِمة تتحدى الاحتلال

الرابط المختصر

بسام بدران من مدينة طولكرم في الضفة الغربية،عمره من عمر النكبة،هاله ما يقوم به العدو من محاولات لطمس التراث الفلسطيني وسرقته، فقام في العام 1972 بوضع حجر الأساس لإنشاء متحف يضم كل ما له علاقة بالتراث الفلسطيني القديم، فكان فانوس" شمعدان" اشترته والدته يوم زفافها في العام 1943 هو باكورة هذا المتحف. بدأ بدران بجمع كل ما هو قديم ويمت بصلة إلى التراث الفلسطيني. سافر إلى الخارج، دفع مبالغ طائلة لشراء مقتنيات المتحف، فقام بشراء ورقة نقدية من فئة 100 جنيه فلسطيني بمبلغ تجاوز السبعين ألف دولار امريكي.

المتحف الذي أقامه بدران في شقته الكائنة في حي هادئ ومتواضع في مدينة طولكرم ،افتتح رسمياً في العام 1980 وبحضور فلسطيني رسمي وشخصيات سياسية ودبلوماسية غربية. ويقول بدران إنه لم يجمع هذه المقتنيات الأثرية للشهرة، وإنما ليثبت للعالم أجمع أن الفلسطينيين هم أصحاب الأرض، وليحافظ على هذا التراث.
زرت المتحف واطّلعت على محتوياته ولم أخفِ دهشي من مشاهدة مقتنيات أثرية أراها لأول مرة ،رغم اطّلاعي واستماعي إلى والدي عن التاريخ الفلسطيني، وأنا الذي ولدت في المنفى بعيداً عن مدينة عكا، إلا أنه بعد زيارتي لمتحف بدران زادت معلوماتي عن حياة وتاريخ أجدادي وتراث هذا الوطن.


يضمُّ المتحف المزدحم بالمتقنيات التي ضاق بها المكان زوايا مختلفة تشكّل بمجملها تراث وتاريخ كامل للشعب الفلسطيني، فهناك الملبوسات التراثية والآواني الفخارية والقطع التي كانت تستعملها النساء الفلسطينيات في أعمالهن في البيوت، وآلات الحرث والزرع وآلات طحن القمح والزيتون والطابون لإنتاج الخبز الفلسطيني وهناك المواثيق والمستندات والعقود التي كانت توقع بين التجار والشركات الفلسطينية.

وفي زاوية خُصِّصت للوثائق يوجد شهادة علمية داخل إطار خشبي، موقّعة باسم مدير التربية والتعليم في مدينة طولكرم، ومذيلَّةٌ باسم دائرة المعارف الفلسطينية في القدس التابعة لحكومة فلسطين، ومدوًّن عليها تاريخ منح هذه الشهادة في العام 1930 ،وتضم هذه الزاوية العديد من سندات ملكية أراضي وشهادات ميلاد وشيكات وغيرها من الوثائق الرسمية.

الإنارة من شجرة مباركة

وفي زاوية خاصة جمع بدران مقتنياتها من عشرات القناديل والفوانيس، أطلق عليها اسم "زاوية الإنارة" تضم القناديل التي كانت تستعمل في إنارة المنازل وشوارع المدن الفلسطينية قديماً، بدءاً من قناديل الكاز. من بينها أخرج بدران إشارة ضوئية قديمة تعمل بالزيت، كان يستخدمها مشرف محطة قطار طولكرم قبل عام 1948.

ثم عرض بدران مقارنة بين الإنارة بزيت الزيتون وآخر يعمل بالكاز. فأخرج سراج زيت من الفخار كان يستخدم في إنارة المنزل قديماً من خلال إشعال فتيل مغمور بزيت الزيتون، وأشعل الفتيل فإذا به يعطي نوراً ووهجاً صافياً وقوياً، أما السراج الذي يشعل بالكاز فإنه اعطى نوراً باهتاً وخفيفاً يعلوه سواد.ثم نظر بدران نحوي وقال:أرأ]يت لماذا كان أجدادنا يعتمدون على الإنارة بزيت الزيتون؟. واستشهد بقوله تعالى:

 بسم الله الرحمن الرحيم

"...الله نورُ السمواتِ والارض، مثلُ نورِهِ كمشكاةٍ فيها مصباح، المصباحُ في زجاجةٍ، الزجاجةُ كأنها كوكبٌ دريٌّ يوقَدُ من شجرةٍ مباركةٍ زيتونةٍ لا شرقيةٍ ولا غربيةٍ يكادُ زيتُها يُضيءُ ولو لم تَمسَسهُ نارٌ...". صدق الله العظيم



المجوهرات للزينة والادخار

وزاوية  أخرى خصَّصها بدران للحلي والزينة النسائية التي كانت تقتنيها النساء الفلسطينيات وتلبسها في الأفراح والمناسبات السعيدة. وعندما لفتت نظري عَصبة مرصَّعة، بادر بدران بالقول: "هي من الذهب العثملي والرشادي والحميدي، كانت تضعها المرأَة على الجبين . وهذه القلادة كانت تشكل فائدة مزدوجة للمرأة الفلسطينية، فهي بالأضافة إلى استعمالها للزينة، كانت مصدر ادخار تستخدمها في شراء مستلزمات المنزل في حال الشح المادي".

مجموعة وثائق السفر الفلسطينية

 و اعتمد بدران على جوازات السفر، ليثبت للعالم أجمع ان الفلسطيني هو صاحب الأرض. ففي صندوق زجاجي خاص جمع فيه بدران وثائق السفر التي استعملها الفلسطيني في تنقلاته وسفره بين الدول العربية، صادرة عن المندوب السامي البريطاني، تحمل بين صفحاتها أختام وتواقيع القنصلية اللبنانية في يافا قبل عام 1947، والقنصلية العامة للجمهورية السورية ،والمملكة الأردنية الهاشمية في القدس وهناك جوازات سفر منذ عهد الانتداب البريطاني صادرة عن حكومة المندوب السامي، وجوازات سفر مصرية لسكان قطاع غزة، وأُخَر أردنية خاصة بسكان الضفة الغربية ،وأضاف بدران حديثاً إلى المجموعة وثيقة سفر لبنانية خاصة باللاجئين الفلسطينيين في لبنان،وعلقّ بدران"هذا يثبت أنه كان هناك دولة ومؤسسات وسفارات وشعب، معترف بها حتى من حكومة الانتداب ورغم أنف المحتل"


بداية سيطرة الاحتلال

من بين وثائق السفر أَخرج بدران بطاقَتَي هوية أحداها تعود لفلسطيني والثانية لامرأة يهودية، وقال: انظر، ما الفرق بينهما؟ ظاهرياً لم أجد اي فرق من حيث الشكل، ولكن إذا أمعنت النظر بالمضمون فترى أن بطاقة هوية الفلسطيني مختومة بختم أزرق، كتب عليها باللغة الانكليزية" هذه الوثيقة لا تعطي حاملها شرعية المواطنة في فلسطين"، بينما لا ترى تلك العبارة على بطاقة هوية اليهودية. وعقَّب بدران " هذه العملية كانت تمهيداً للسيطرة على فلسطين وتفريغ سكانها منذ ذلك الوقت.

شجر الزيتون الرومي

كان بدران شاهداً على جرائم اقتلاع شجر الزيتون الرومي الذي زرع في عهد الرومان وتوارث الأجداد على حمايته ورعايته، حيث قام العدو باقتلاع آلاف شجر الزيتون من أرضه وأرض المواطنين الفلسطينيين لبناء جدار الفصل العنصري. فقام بدران بجمع سيقان الأشجار المقتلَعَة وحوَّلها الى نحوت رمزية، دون استعمال المسامير.

وبادر بدران  بالقول: لقد قمت بصنع هذه المنحوتات بنفسي وأشار إلى مقاعد" نحتت بشكل فني رائع" حتى تبقى شاهداً على إقامة جدار الفصل العنصري.

درَّاسة الزيتون

هي عبارة عن صخرة كبيرة منحوتة بشكل جوفي على شكل حوض، خشنة الملس، عليها صخرة دائرية هي أيضاً منحوتة، يوضع الزيتون بالتجويف ويُهرَس بالصخرة الدائرية، بعدها يوضع الماء الفاتر عليها فيطفو الزيت على السطح. هكذا كان أجدادنا يستخرجون زيت الزيتون .وعلى مسافة قريبة من درَّاسة الزيتون، هناك زاوية النحاسيات والقطع الفخارية بأَعداد كبيرة وأَحجام مختلفة، استعملها الفلسطينيون على مدى عصور عدة وتحت تسميات مختلفة.
 


دراَّسة القمح

وإلى جانب دراسَّة الزيتون، هناك لوح "درس القمح" ويتكون من الواح خشب مرصوصة إلى جانب بعضها البعض ومشدودة بأسلاك معدنية وفي أَسفلها حجارة بازلتية صغيرة، وعلى أحد جانبيها تمتد قطعتين من الحديد المربوطتيين بحبلين.



القطع الحادة


خُصِّصت في صندوق زجاجي طويل وتحتوي على خناجر قديمة متعددة الأطوال والأحجام منها ما صنع من خشب والبعض من العظام، تركت عليها السنون بصماتها من خلال تآكُل  قبضاتها،كما هناك نقوش أسماء على بعضها.إلى جانبها بعض المسدسات الحربية التي تعود إلى ما قبل الثلاثينيات وهذا ظاهر من قبضاتها الخشبية المتآكلة، استخدمها المجاهدون الفلسطينيون في مقاومة العدو الصهيوني خلال احتلاله لأرض فلسطين.
الأوراق النقدية
 
وفي زاوية يعتز بها بدران وفي علبة حمراء يوجد قلادة عبارة عن مجسَّم القدس كان يضعها المجاهد الكبير عبد القادر الحسيني والتي ترمز إلى التاريخ الجهادي الفلسطيني.

جلسة عربية

وتنتهي الجولة بجلسة عربية، يطلق عليها بدران" الديوان العربي" مكان يجمع التراث الفلسطيني بأثوابه المطرزة كلًّ حسب المدينة والقرية، وهناك المساند العربية والفَرش المغطى بقماش مطرز بالرسومات التراثية، ويذكِّرك المكان بالمجالس العربية،ويعيدك إلى أمجاد العرب الغابرة وإلى مجالس الخليفة هارون الرشيد.

   بدران لم يكتفِ عند هذا الحد،فالمنزل ضاق بما حوى من مقتنيات ،لديه تصوُّر مستقبلي بالتوسُّع.هو مقتنع أنه ما زال هناك العديد من المقتنيات الأثرية والتاريخية والتراثية التي تدل على عظمة وتاريج هذا الشعب ،من أجل ذلك هو يسافر كثيراً،يبحث..يسأل..يدخل على الإنترنت..يراجع عدة مراجع..يتقصىّ ،لم يترك سبيلاَ إلاّ قصده ،دفع الكثير من وقته وماله،حلمه أن يحوّل هذا المتحف إلى "مزار تراثي" يؤمُّه الزوار و السواح من كافة أنحاء العالم ليدحض أكاذيب هذا العدو الذي لا يمت بصلة إلى هذه الأرض لا جغرافياً ولا تراثياَ ولا حضاريا.ومن أجل تحقيق هذا الحلم قام بدران بشراء قطعة أرض مساحتها 14ألف متر مربّع تشرف على مدينة طولكرم ونابلس و سيباشر بتجهيزها لأقامة المعرض فيها.


جُمعت في صندوق خاص، وتضم العملة النقدية الفلسطينية المتداولة آنذاك وهو الجنيه الفلسطيني ، و المجموعة تضم فئات نقدية مختلفة حتى فئة المئة جنيه التي اشتراها بدران بأكثر من 70 الف دولار امريكي.