دعوات إلى فهم قانون الجرائم الإلكترونية: فالجهل به ليس عذرا

بعد العمل في قانون الجرائم الإلكترونية الأكثر جدلا في الساحة الاردنية، ونظرا لما يتضمنه من عقوبات مشددة تتعلق بمستخدمي الفضاء الالكتروني، يؤكد خبراء في مجال القانون على أهمية الاطلاع عليه بعناية، باعتباره يمس جميع فئات المجتمع.

ويشدد خبراء على أنه غير مقبول قانونيا الاعتماد على عبارة "لم أكن أعلم أن هذا الفعل يجرمه القانون"، لذلك يصبح من الضروري لكل شخص يستخدم الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي المختلفة الاطلاع على القانون وفهم كل مواده.

المشرع يعتمد على مبدأ أن الجهل بالقانون ليس عذرا لمن يرتكب أي جرم، بدءا من المخالفات البسيطة وصولا الى الجرائم الجنائية الكبيرة.

تنص هذه القاعدة في المادة 85 من قانون العقوبات، فكل قانون يتم نشره في الجريدة الرسمية ويعتبر نافذا من تاريخ نشره، ويسري بحق كافة أفراد المجتمع بغض النظر إذا كان الأفراد على علم به أم لا.

المستشار القانوني والمحامي معاذ المومني يوضح أنه لا يجوز التعذر بالجهل في القانون، وبالتالي يجب على الأفراد الاطلاع على كافة القوانين بما في ذلك قانون الجرائم الالكترونية، وذلك  للحفاظ على سلامة المستخدمين على وسائل التواصل الاجتماعي وتجنب ارتكاب جرائم بغير قصد.

"وهنا، يتحمل النشطاء ومؤسسات المجتمع المدني والحكومة مسؤولية توعية المواطنين بالتعديلات القانونية لكي بأن تطلع المواطنين على التعديلات القانونية لكي يكون بإمكانهم فهم القوانين وتجنب ارتكاب جرائم إلكترونية"، بحسب المومني.

ويشير إلى أنه لا يوجد ما يثير الريبة في التعامل مع مختلف منصات التواصل الاجتماعي بعد العمل في قانون الجرائم الإلكترونية، ولكن يجب أخذ الحيطة والحذر، والتحقق من صحة ودقة قبل أو أثناء نشر المعلومات  او اعادتها او التعليق عليها أو التفاعل مع الصور ومقاطع الفيديو.

على سبيل المثال، هناك الكثير من الأفراد يتداولون مقاطع فيديو ومشاركتها على مختلف شبكات التواصل الاجتماعي دون التحقق من مضمونها او محتواها، قد يحمل هذا المضمون مخاطر كبيرة،  مثل انتهاك الاخلاقيات او فيه خطاب كراهية او انتقاد او ذم وقدح وتحقير ما يؤثر بالأمن الوطني، لذلك يتعين التحقق من المعلومات قبل مشاركتها، خصوصا وان القانون يحتوي  على عقوبات مادية و سالبة للحرية.

فيما يتعلق بنشر الأخبار الكاذبة، يوضح المومني أن قانون الجرائم الالكترونية لم يحدد مفهوم الخبر الكاذب بشكل واضح، ولكن قانون المطبوعات والنشر يحظر بموجبه نشر أخبار كاذبة ويعاقب على ذلك وفقا للمادة 43 التي تنص على أنه يجب على صاحب المنشور الصحفي عدم نشر أخبار كاذبة إذا كانت هذه الأخبار تشكل تهديدا للأمن العام أو تتعلق بالشخصيات الرسمية.

 

الأفعال التي تعتبر جرائم إلكترونية

 تنص المادة الثالثة (أ) من قانون الجرائم الالكترونية على  انه يعاقب كل شخص يقوم بدخول او الوصول قصدا الى الشبكة العنكبوتية، أو نظام المعلومات أو وسيلة تقنية المعلومات او اي جزء منها بدون تصريح او بطريقة تنتهك التصاريح المعطاة بالحبس مدة لا تقل عن أسبوع ولا تزيد على ثلاثة أشهر أو بغرامة لا تقل عن 300 دينار ولا تزيد على 600 دينار أو بكلتا هاتين العقوبتين.

ويشير المحامي المومني الى ضرورة التعامل بحذر مع هذه المادة ، خاصة بالنسبة للمتخصصين و المبرمجين، يجب أن يكون لديهم الوعي بالقوانين والتصاريح والامتناع عن القيام بأي نشاط قد يؤدي الى مخالفة القانون وتوريطهم في جرائم تعاقب عليها هذه المادة .

بالنسبة للمواد 15 و16 و17 من القانون، فإنها تحمل عقوبات صارمة تتضمن الحبس والغرامات للافعال مختلفة، مثل إرسال أو إعادة إرسال أو نشر الأخبار الكاذبة قصدا، أو قدح أو ذم أو تحقير أي شخص، وكل ما يتعلق بقضايا اغتيال الشخصية عبر الشبكة المعلوماتية، وذلك بالحبس مدة لا تقل عن 3 أشهر، وبغرامة تتراوح بين 5 آلاف و20 ألف دينار.

فيما يخص المادة 17، يحظر استخدام الشبكة المعلوماتية  لإثارة الفتنة أو النعرات أو التحريض على الكراهية أو استهداف السلم المجتمعي أو الدعوة إلى العنف أو تبريره أو إزدراء الأديان، يتم معاقبة اي مخالفة لهذه الافعال بصفة جنائية.

بالاضافة الى ذلك، تنص مواد  قانون الجرائم الالكترونية على ضرورة الحصول على ترخيص من الجهات المختصة قبل جمع التبرعات عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وتنص على  أن اي شخص ينشئ او يدير موقعا الكترونيا او يشرف عليه او ينشر معلومات من خلاله، بدون ترخيص يتعرض للعقوبة، والجهات المعنية قادرة على اتخاذ الإجراءات اللازمة دون الحاجة الى تقديم شكوى.

وينص هذا القانون أيضا على أهمية احترام خصوصيات وحريات الآخرين، فعلى سبيل المثال، إذا قمت بتصوير مجموعات في الشارع العام دون الحصول على إذن وتم تقديم شكوى، فإن هذا الفعل يخضع للعقوبات وفقا لقانون الجرائم الإلكترونية.

بناء على المادة 25 من هذا القانون، يتحمل المشرف والمسؤول عن إدارة المواقع الإلكترونية والصفحات والمجموعات الخاصة والعامة، بالإضافة إلى أي حساب أو صفحة أو قناة أخرى، مسؤولية كاملة عن أي مواد تنشر أو تعاد نشرها وتتعارض مع القانون من قبل أي مشترك في الصفحة أو المجموعة أو القناة، سواء كان هذا النشر مباشرا أو عبر التعليقات أو حتى من خلال مشاركة المنشور.

يعتبر من الأمور الهامة تحديد المسؤول الذي سيدير الصفحة بشكل واضح، ويفضل أن يكون هناك شخص واحد فقط مسؤولاعن ذلك، وأن لا يتم نشر أي مادة على الصفحة إلا بعد الحصول على إذن وموافقة هذا المسؤول، يجب أن تكون عملية مراقبة المحتوى المنشور دقيقة ومستمرة، وهذا يشمل أيضا متابعة التعليقات.

من الأهمية أيضا، وتحديدا فيما يتعلق بالمواقع والصفحات والمجموعات العامة التي تسمح للجميع بالتعليق والمشاركة، أن يتم وضع صيغة إخلاء مسؤولية (Disclaimer) تعلن فيها أن مالك الحساب غير مسؤول عن التعليقات والنشر أو إعادة النشر على هذه المنصة أو المجموعة. وأن أي تعليق أو نشر أو إعادة نشر لا يمثل بالضرورة رأي مالك المنصة أو مدير الصفحة أو المجموعة، وأن أي مسؤولية تتعلق بالتعليقات أو النشر تقع على المعلق أو الناشر ولا تتحملها مالك الصفحة أو منشئ المجموعة أو مدير الجروب.

في جميع الصفحات و الجروبات التي تتيح لمشتركيها التعليق أو النشر و ذلك بالصيغة المقترحة التالية وفي حال اعتبر اي شخص او جهة أنه متضرر من أي تعليق  فعليه مخاطبة وإبلاغ صاحب الصفحة  من خلال البريد الإلكتروني ، مع ضرورة وضع ايميل يتم متابعته من صاحب العلاقة باستمرار، و سيقوم مالك الصفحة او مدير المجموعة بحذف او ازالة المادة المبلغ عنها خلال ٢٤ ساعة من تاريخ تلقي البريد الالكتروني، وان مالك الحساب او الادمن غير مسؤول عن أي ضرر قد يصيب اي جهة او شخص ما قبل التبليغ و خلال ٢٤ ساعة التي تلي التبليغ و ما بعد إزالة او حذف المادة المبلغ عنها وذلك سندا لأحكام قانون الجرائم الالكترونية.

 

أفضل الممارسات لسلامة المحتوى 

و لتجنب التعرض لعقوبات قانون الجرائم الإلكترونية، يقترح خبراء على الأفراد والجهات اتباع أفضل الممارسات التي تسهم في الامتثال لهذا القانون والحفاظ على سلامة المحتوى الإلكتروني الذي يتم نشره.

فالقانون يعتبر بمثابة رسالة للمواطنين بشأن كيفية التعامل مع مختلف المنصات الالكترونية، وبذلك يتعين على الأفراد أن يتبنوا ضوابط ذاتية و يمتنعوا عن نشر محتوى يمكن أن يسبب إشكاليات للآخرين ويؤثر سلبا على أمان المجتمع، بحسب المومني. 

ويشدد على أنه من الضروري أن يكون المواطن حذرا عند التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي ويجب أن تعبر المعلومات التي يشاركها عبرها عن آرائه بشكل إيجابي دون الانتقاص من الأفراد أو الجهات الرسمية أو الشخصيات السياسية البارزة وبدون المساس بحريات الأفراد الشخصية أو استخدام كلمات أو عبارات تشجب وتحط من قيمة الآخرين. 

ويوضح أن هناك خيط رفيع بين حرية الرأي والتعبير واحترام حقوق الآخرين، وهذا ما ينص عليه القوانين التي صادقت عليها الأردن في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ويجب مراعاة المبادئ الدولية المعروفة باسم مبادئ كامبل التي وضعت  6 خطوات رئيسية لاحترام مبدأ عدم التحريض على الكراهية.

 تنص المادة 19 من العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية على حق كل إنسان في حرية التعبير وحرية البحث والحصول على المعلومات دون تعرض للمضايقة، و يتضمن هذا الحق حرية انتقاء ونقل المعلومات والأفكار بجميع الوسائل، بغض النظر عن الحدود، سواء كان ذلك عبر الكلمات أو الكتابة أو الطباعة أو بأي وسيلة أخرى.

 

نخب هجروا شبكات التواصل

بعد موافقة مجلس الأمة على قانون الجرائم الإلكترونية، قامت مجموعة واسعة من السياسيين والناشطين والصحفيين،  بإغلاق صفحاتهم عبر شبكات التواصل الاجتماعي، نظرا للمسائلة المحتملة بسبب ما نشروه في حساباتهم السابقة، من بين الأشخاص الذين اضطروا لاتخاذ هذا القرار، الكاتب أردني أحمد حسن الزعبي، والمحلل السياسي، حسن البراري، والفريق الركن المتقاعد موسى العدوان.

الناطق باسم تنسيقية المواقع والصحف الالكترونية وناشر موقع جو 24  باسل العكور والذي اغلق  حساباته على مختلف شبكات التواصل الاجتماعي باستثناء تويتر وقام بإيقاف خاصية التعليقات على موقعه، يوضح أن هناك اختلافا في وجهات النظر بين الذين قرروا الاعتزال والذين يرغبون في البقاء في الفضاء الإلكتروني، بعض الآراء تشير إلى أن إغلاق حسابات نشطاء وصحفيين وسياسيين قد يحرم المجتمع من مناقشة قضايا هامة نادرا ما تأتي من قبل أفراد عاديين.

من ناحية أخرى، يرون آخرون أنه في حالة البقاء على وسائل التواصل الاجتماعي، فإن هذا القانون سيؤثر عليهم ويعرضهم لعقوبات صارمة وفقا لأحكام قانون الجرائم الإلكترونية، هؤلاء يرون أن هذا التشريع سيؤثر على مشاركتهم في منصات أخرى تقدم الأخبار والتحليلات والمعلومات للمواطنين.

ويوضح أن بعد مرور هذا القانون، أصبح ايقاع السوشيال ميديا مختلفا، وأن الحرية تأثرت بشكل كبير، وهناك غياب كلي للرأي الآخر، حيث يشعر الأشخاص بالحذر حتى في التعبير عن أفكارهم عبر شبكات التواصل الاجتماعي وحتى في الاجتماعات الخاصة.

ومع ذلك تؤكد الحكومة في عدة تصريحات أن قانون الجرائم الإلكترونية لا ينتقص من جوهر الحريات ولا يمس بالدستور، وبانها منفتحة تماما إزاء أي من مظاهر النقد.

أضف تعليقك