أشهرت مؤسسة فريدريش إيبرت في عمّان السبت كتابًا جديدًا يتناول تطوّرات الحالة الإسلامية الأردنية وتحولاتها في أعقاب مرحلة الربيع العربي من تأليف الباحثين (د. محمد أبو رمان، حسن أبو هنية، وعبدالله الطائي).
ويأتي كتاب "الإسلاميون في الأردن: الدين والدولة والمجتمع" الذي ضم بين دفتيه ستة فصول بمثابة "زيارة جديدة" لحقل الإسلام السياسي أو الجماعات والتيارات الدينية في الأردن، مع استدخال الفاعلين المتدينين في الفضاء العام، في ظل بروز ظاهرة "الإسلاميين الالكترونيين"، إذ يمتلك بعض المؤثرين "Influencers" جمهورًا كبيرًا، وظهر لهم حجم تأثير ملحوظ في تأطير النقاش العام، بل والتأثير على السياسات الرسمية.
كيف نفهم الإسلام السياسي (في الأردن)؟
وجد الكتاب في فصله الأول أنّ هنالك ضرورة في مرحلة ما بعد الربيع العربي لمراجعة الأسئلة البحثية والمنطلقات المفاهيمية التي تأسست عليها في فهم التجارب السياسية الإسلامية، نحو طرح أسئلة جديدة تتعلق بالبنى الاجتماعية والثقافية التي يرتبط بها "الحراك الإسلامي"، بدلًا من التركيز فقط على منهج تحليل الخطاب الأيديولوجي ورصد التطور التاريخي في الأطر المؤسسية والهيكلية في هذه الجماعات. فقد ركز الكتاب أكثر على الأنساق الاجتماعية والثقافية والنفسيّة التي تؤطر عمل الإسلاميين في المجال العام والمجال السياسي أيضًا. كما أن هذه التطورات المفاهيمية والمنهجية التي يتناولها الكتاب انعكست في التركيز بصورة أكبر على أخذ مفهوم "المجال العام" بدرجة أكبر من الاهتمام نتيجة التغييرات الهيكلية في الحياة العامة والسياسية في العالم العربي، والأردن، وهو الأمر الذي -انعكس بالضرورة- على زوايا الرؤية والفهم لتطور الحركات والجماعات والمجموعات الإسلامية الناشطة في المجتمع وفي العمل العام.
الإخوان المسلمون.. من طموحات الربيع العربي إلى التمسك بالوجود
تناول الكتاب في فصله الثاني جماعة الإخوان المسلمين وجبهة العمل الإسلامي وما حدث معها تطورات وتغييرات على المستويات الثلاثة الرئيسية؛ الفكريّة، المؤسسيّة، الحركيّة.
كما تتبع الكتاب في هذا الفصل تحولات وتطورات جماعة الإخوان المسلمين وحزب جبهة العمل الإسلامي في مرحلة ما بعد الربيع العربي، من خلال ثلاثة اتجاهات رئيسية؛ العمل السياسي والعلاقة مع النظام، وتطور الخطاب الأيديولوجي، وأخيرًا الحراك التنظيمي داخل الجماعة والحزب. وعلى صعيد العلاقة مع النظام السياسي والمشاركة في العملية السياسية، واصلت الحركة حضورها السياسي سواء بالاندماج أم المقاطعة، ويصل الكتاب إلى أنّ العلاقة مع النظام حققت قفزات كبيرة بالاتجاه السلبي بعد الربيع العربي، وتعمقت ما أطلق عليها الكتاب "الأزمة المستدامة" وأصبح الموقف ضد الحركة الإسلامية بمثابة "عقيدة" في مؤسسات الدولة، بوصف الحركة الخصم الرئيس في الداخل.
وعلى صعيد الحراك الداخلي والتنظيمي في الجماعة والحزب، بالرغم ما شهدته فترة ما بعد 2013، من تطورات كبيرة أبرزها النزوح الجماعي لقيادات وشباب ما سمي بالجناح المعتدل من الحركة باتجاه تأسيس تجارب جديدة، لكن سرعان ما أعاد الحراك الداخلي تشكيل الفضاء التنظيمي عبر تطور مراجعات ومواقف بعض قادة الحركة، نحو تبني المقاربة البراغماتية والتحالف مع من تبقى من "جناح الحمائم" و"تيار الصقور".
أحزاب ما بعد الإسلام السياسي.. خيارات التحالف والصدام مع السلطة
خصص الكتاب في فصله الثالث حركات الانشقاق والفصل التي اجتاحت أوساط جماعة الإخوان المسلمين، مقدما تسلسلا زمنيا بدأ بالإعلان عن مبادرة زمزم في ذلك العام، ثم التأسيس لجمعية جديدة تحمل اسم الإخوان المسلمين، بقيادة المراقب العام الأسبق، عبد المجيد ذنيبات، في العام 2015، ولاحقًا الإعلان عن نيّة تأسيس حزب الشراكة والإنقاذ في العام 2017، لمجموعة أخرى من قيادات الإخوان المسلمين، منهم سالم الفلاحات، وهو مراقب عام سابق للجماعة أيضًا.
يصل الباحثون إلى خلاصة أنه وبالرغم من تشابه كبير في حيثيات التأسيس بين حزبي زمزم (الائتلاف الوطني لاحقًا) والشراكة والإنقاذ، إذ كلاهما وُلد من رحم الجناح المعتدل - الحمائم من حزب جبهة العمل الإسلامي وجماعة الإخوان المسلمين إلا أن الحزبين ذهبا نحو مسارين متباعدين تمامًا، أحدهما لديه علاقات قوية مع مؤسسات الدولة (حزب زمزم)، وقام بعملية اندماج مع حزب الوسط، ويبتعد عن الخط الصدامي مع الحكومات، بينما الآخر على النقيض من ذلك ذهب نحو العمل الاحتجاجي وتقارب مع المجموعات الحراكية الشعبية.
السلفية التقليدية: التكيّف مع سياسات "ما بعد الربيع العربي"
يسلط الكتاب في فصله الثالث الضوء على النفوذ والانتشار الذي تحقق للسلفية التقليدية في الأردن منذ وجودها في سبعينيات القرن الماضي، على اعتبار أن السلفية التقليدية أحد عوامل صناعة الأمن والاستقرار، وعوملت كشريك في الاستراتيجية الثقافية الدولية المناهضة للتطرف والإرهاب. كما سلط أيضًا على مراحل صعود العلاقة بين الدولة والتيار ونزولًا بعد عام 2011، ويحلل الكتاب أسباب ضعف هذه العلاقة وتراجعها وتداعيات ذلك على التيار السلفي نفسه.
ويخلص الكتاب إلى أنه وعلى مدى عقود حققت الإستراتيجية الأردنية نجاحًا كبيرًا بمنع تسييس الدين وتثويره، فقد حافظت السلفية إلى جانب التيارات الإسلامية المتعددة في الأردن، باستثناء التيار الجهادي، على نهج سلمي وتعاوني في علاقتها مع الدولة، والإقرار بشرعية الدولة والحكم الهاشمي.
وعلى الرغم من التحول الذي تشهده السياسات الدينية مؤخرًا وضعف العلاقة مع التيار السلفي، يخلص الكتاب إلى أن سياسة الدولة الخاصة بالإسلام ومكانته في الدولة والمجتمع، سوف تبقى سياسة ضبط ورقابة وسيطرة على المجال العام، ولذلك فإن مستقبل السلفية التقليدية هو رهن لتقلبات السياسة، ومدى قدرة السلفية على التكيّف مع التحولات الجيوسياسية الدولية والمرونة في التعامل مع تقلبات السياسة المحلية.
تحولات التيار الجهادي منذ صعود تنظيم داعش
يتناول الكتاب في هذا الفصل التيار السلفيّ الجهاديّ وتطرق إلى تأثير الحرب في سوريا على التيار وتأسيس جبهة النصرة في العام 2012، وتمكنها من استقطاب أعداد كبيرة من الأردنيين، من أبناء التيار الجهادي ومن خارجه، من المتعاطفين مع القضية السورية، من خلفيات متنوعة. ولم يغفل الكتاب انهيار دولة داعش وانعكاساته على التيار الجهادي الأردني، وبالرغم من تراجع خطر تنظيم داعش، يذهب الكتاب إلى التنبيه من الخطر غير المباشر وهو الفكر الداعشي وما ينبثق عنه تطرف فكري وتطرف عنيف وعمليات إرهابية.
واللافت في هذا الفصل، أنّ التوجهات الجهادية الأردنية عمومًا تميل إلى العمل في الخارج (ما يسمى بـ "الجهاد التضامني") أكثر من العمل في الداخل، وهذا بدا بشكل جليّ مع تيار المقدسي، الذي تبنّى رفض العمل المسلح في الأردن، بخلاف التيار الداعشي (الذي يسير على خطى الزرقاوي)، وجعل الاهتمام الرئيس منصبًّا في الخارج، متى ما فُتح باب للقتال هناك، إلاّ أن الأولوية تبدو في العمل الخارجي. لكن من الضرورة الإشارة أيضًا إلى أن الاستدارة أو المراجعات التي حدثت لدى الجهاديين التقليديين لم تصل إلى مرحلة الأصول والقواعد، ولا إلى مرحلة الإعلان والرعاية الرسمية من قبل الدولة، بل بقي كل من المقدسي وأبي قتادة الفلسطيني ملتزمين بالبنية الصلبة للأيديولوجيا الجهاديّة.
حزب التحرير.. تصلّب الأيديولوجيا في سياق الثورة والديمقراطية
في فصله الأخير، يتحدث الكتاب عن حزب التحرير وتحديدًا مرحلة الربيع العربي، فالكتاب يخلص إلى أن الحزب يشهد تراجعًا خلال السنوات التي أعقبت ثورات الربيع العربي، وهو اليوم يعاني من حالة من الجمود بسبب الحظر المفروض عليه والقيود القانونية والملاحقات الأمنية، وبسبب الخلافات والانشقاقات التي تسببت بها التحولات الديمقراطية والثورات الشعبية إلى جانب التصلب الأيديولوجي الذي يمنعه من التفاعل والمشاركة مع التحولات عقب الربيع العربي والذي ينظر بشك وريبة وتواطؤ من قبل العديد من الحركات الإسلامية التي من وجهة نظره قدمت تنازلات للظفر في السلطة عبر تكييف الإيديولوجيا مع الديمقراطية. كما يلفت الكتاب إلى أن الحزب بقي بطبيعته السياسية الراديكالية ونهجه الانقلابي وجمود هيكليته وتكوينه التنظيمي الطليعي السري، وبقي منذ تأسيسه نخبويًّا، ولم ينجح بالتواصل والتفاعل مع الجماهير، وهو ما أفسح المجال لظهور حركات إسلامية أكثر مرونة وبراغماتية كالإخوان المسلمين، أو جماعات أشد راديكالية وثورية قتالية كالسلفية الجهادية.