خيار التعديل مع خيار الاصلاح

الرابط المختصر

يعلم الله كم من السيناريوهات التي تمّ تداولها خلال الأيام الماضية ينطوي على حقيقة. البعض يحلف على أن هذا السيناريو أو ذاك كان قائما ثم ضرب عنه صفحا في اللحظة الأخيرة، مثل سيناريو حلّ مجلس النواب، وتشكيل حكومة انتقالية تشرف على إجراء انتخابات، وفق قانون جديد أو حلّ مجلس النواب وتأجيل الانتخابات عامين.

في حقيبة المعلومات الآن لم يعد هناك سوى التعديل الوزاري، وهو خيار واقعي في الظروف الراهنة، لكن لا يجوز التفكير فيه كحلّ تقني فقط لاستبدال بعض الوزراء، بل يجب أن يرتبط ببرنامج نهوض داخلي.

وأذكر أن الرئيس في أول تصريحات بعد التعديل السابق تحدث عن الإصلاح السياسي ثم خفتت النبرة، كما لو انها كانت زلّة لسان، والآن يجب بكل جدّ استعادة أفكار الإصلاح السياسي مع  علمنا أن الأجندة الاقتصادية ملحة، وهي بالفعل كذلك، وسيكون أحد عناوين التعديل إعادة بناء الفريق الاقتصادي.

في الواقع أن رزمة الإصلاح السياسي موجودة، باستثناء قانون الانتخابات النيابية. هناك مشروع اللامركزية، ويراهَن عليه لتحقيق تحول تنموي عميق، والمطلوب وضع قانون يضمن لا مركزية حقيقية تتيح للشعب أن يتحمل بجدّ القسط الأكبر من المسؤولية عبر ممثليه المحليين في البلديات ومجالس المحافظات.

ولدينا توجه لإصلاح نقابي مهني يحقق نقلة ديمقراطية عميقة، ويتوجب لهذه الغاية انشاء قانون عام للتنظيم النقابي المهني يتيح للنقابات إجراء الإصلاح المنشود. ونحتاج ايضا الى قانون للتنظيم النقابي العمالي ينهض بالنقابات العمالية من الحال المزرية التي انتهت اليها.

كما يجب إعادة النظر بقانون الأحزاب، انما ارتباطا هذه المرّة بقانون الانتخابات؛ والأفكار موجودة، فلم يعد ممكنا الحديث عن تقدم الأردن من دون إصلاح انتخابي نيابي، والتراجع المقلق على المستوى الاجتماعي يقول كل شيء عن نتائج الإحجام عن إنجاز الإصلاح.

تجربة السنين الماضية، وحتّى الآن برلمانيا وحكوميا، اجتماعيا واقتصاديا، تعيد تأكيد الحكمة التي نطق بها جلالة الملك بأن الإصلاح لم يعد خيارا بل ضرورة.

ولم يكن حديث التغيير، الذي تنشغل به النخب بضراوة كل مرّة، يعكس شيئا إلا الرغبة في تجديد فرص الطامحين، ولا يخفي الحراك النشط وراءه شيئا في المزاحمة الشخصية من دون اي محتوى أو رؤية مختلفة سوى اعتقاد كل واحد بأنه الأفضل والأجدر، وقد حان الوقت لمغادرة التجريب وخلق آلية جديدة لفرز النخب في العمل العام وهو ما يتكفل به مشروع الاصلاح.

في ذروة الحديث عن التغيير الحكومي لم يرتبط الأمر للحظة واحدة ببرنامج ورؤية ومشروع ما جديد، بل فقط بتكهنات حول الاسماء. والإصلاح لم يرتبط على مدار السنوات الأخيرة بتغيير الحكومات، فتبديل الحكومات لم يكن أكثر من آلية لمداراة الأزمات. وقد آن الأوان لوقف هذا الهدر في الوقت، وفي الطاقات.