في ظل ارتفاع معدلات البطالة وضعف المواءمة بين مخرجات التعليم ومتطلبات سوق العمل، يرى خبراء في مجال العمل بأنه لا بد من تعزيز النمو الاقتصادي الذي يعد التحدي الأكبر أمام سوق العمل وتحقيق التوازن بين العرض والطلب على الوظائف، بالاضافة الى زيادة الوعي لاهمية دور التدريب المهني في سد الفجوة القائمة.
فرغم الجهود المبذولة من خلال خطط التحديث الاقتصادي والاستثمار في التدريب المهني والتقني، إلا أن الفجوة لا تزال قائمة بين احتياجات السوق وقدرات القوى العاملة، مما ينعكس سلبا على معدلات التوظيف والمشاركة الاقتصادية، في ظل ارتفاع معدلات البطالة.
هذا ما اظهره تقرير المنتدى الاقتصادي حول مستقبل الوظائف لعام 2025 عن ضغوط إضافية يواجهها سوق العمل الأردني، مع ازدياد أعداد الخريجين سنويا وعدم توفر فرص عمل كافية لاستيعابهم، كما يعاني الاقتصاد من تباطؤ النمو، إذ لم تتمكن خطط الإصلاح من تحقيق أهدافها المعلنة، وسط تحديات تتعلق بجذب الاستثمارات وتوسيعها.
وبحسب التقرير، فإن القوى العاملة في الأردن تقدر بنحو 900 ألف شخص، في حين يبلغ عدد العاطلين عن العمل 418 ألفا، مع معدل مشاركة اقتصادية منخفض يبلغ 39%، وهو أقل بكثير من المعدل المطلوب البالغ 61%.
أسباب تفاقم البطالة
مدير بيت العمال المحامي حمادة أبو نجمة يرجع في حديثه لـ "عمان نت " ذلك إلى ضعف النمو الاقتصادي الذي يعد التحدي الأكبر أمام سوق العمل، حيث يتراوح معدل النمو بين 2% و2.5% سنويا، وهو أقل من المعدل الذي تستهدفه خطة التحديث الاقتصادي والمقدر بـ 4.6%، موضحا أن غياب النمو الاقتصادي يعني عدم قدرة الشركات والمؤسسات على التوسع أو استحداث فرص عمل جديدة، مما يفاقم مشكلة البطالة.
ويشير أبو نجمة إلى أن الحكومات المتعاقبة، منذ عام 2016، لم تنجح في مواجهة تحديات جذب الاستثمارات وتوسيعها، وذلك لأسباب متعددة، منها تداعيات جائحة كورونا، والأوضاع السياسية والأمنية في المنطقة، مما أدى إلى تأثير سلبي كبير على سوق العمل الأردني، مضيفا أن بعض الدول العربية نجحت في التعامل مع الأزمات الاقتصادية وخفض معدلات البطالة، في حين لا يزال الأردن يواجه صعوبة في تحقيق ذلك، حيث يبلغ معدل البطالة فيه 22%، مقارنة بمتوسط 12% في الدول العربية.
ويوضح أن الأردن بحاجة إلى توفير 100,000 فرصة عمل سنويا لاستيعاب الداخلين الجدد إلى سوق العمل، إلا أن غياب النمو الاقتصادي الكافي حال دون تحقيق هذا الهدف في السنوات الأخيرة، ورغم إطلاق خطة التحديث الاقتصادي، إلا أنها لم تنجح حتى الآن في توفير الوظائف المطلوبة، حيث لم تحقق أهدافها في عامها الأول والثاني.
محاولات للتخفيف لم تحقق تقدما
أما فيما يتعلق بضعف المواءمة بين التعليم وسوق العمل، يؤكد أبو نجمة أن هذه المشكلة لا تزال قائمة رغم الدعوات المستمرة لدعم التعليم المهني والتقني، مضيفا أن الجامعات بدأت محاولات للتخفيف من التخصصات غير المطلوبة في سوق العمل، لا سيما التخصصات الإنسانية والنظرية، مع التركيز على التخصصات التقنية والطاقة، إلا أن هذه الجهود لم تحقق تقدما ملموسا بعد.
كما يشير إلى أن الجامعات الخاصة تميل إلى تقديم التخصصات النظرية بسبب تكلفتها المنخفضة مقارنة بالتخصصات التقنية، في حين لا يزال الكثير من الأسر يركزون على حصول أبنائهم على شهادة جامعية بغض النظر عن حاجة السوق، مما يعمق الفجوة بين التعليم وسوق العمل.
ولمواجهة هذه التحديات وتحفيز الطلبة على إعادة النظر في اختياراتهم التعليمية، والتركيز على التعليم المهني بشكل أكبر، قرر مجلس التعليم العالي بإيقاف القبول الجامعي بـ42 تخصصا في الجامعات الأردنية الرسمية للعام الجامعي 2022-2023 وتخفيض نسب القبول في جميع التخصصات الراكدة والمشبعة، وبنسبة 50%، وذلك لمواجهة نسبة البطالة العالية بين خريجي الجامعات الأردنية.
كما قامت وزارة التربية والتعليم بتوزيع مسارات تعليمية على طلبة الصف التاسع، بحيث تم اختيار المسار الأكاديمي أو المهني وفقا لرغبات الطلبة، و سيتاح لهم فرصة بدء التعليم المهني في هذا العام.
دور التدريب المهني
تسعى مؤسسة التدريب المهني إلى مواكبة سوق العمل من خلال طرح تخصصات جديدة ونوعية قادرة على خلق فرص عمل والمنافسة في سوق العمل والتي تلائم التطور في مختلف المجالات، انطلاقا من استراتيجية المؤسسة التي تهدف إلى تعزيز مهارات الشباب الأردنيين في مختلف المجالات وربطهم بفرص عمل مناسبة.
تبلغ نسبة الانخراط في التعليم المهني حاليا 12%، وقد أعلنت وزارة التعليم عن خطة طموحة لزيادة هذه النسبة إلى 30% بحلول عام 2030، بحيث يتم زيادة النسبة بمعدل 5% سنويا، لتصل إلى 20% بحلول عام 2027.
يؤكد الناطق الإعلامي للمؤسسة ومدير الاتصال والإعلام، الدكتور جعفر روسان، في حديث لـ "عمان نت" أهمية التدريب المهني في الحد من البطالة بين الشباب، باعتباره أحد الأدوات الأساسية لتطوير المهارات المهنية وتعزيز فرص الاندماج في سوق العمل.
ويوضح روسان أن الاقتصاد العالمي، في ظل الثورة الصناعية الرابعة، يشهد تطورات تكنولوجية متسارعة، مما يجعل اكتساب المهارات العملية ضرورة ملحة لضمان النجاح المهني.
ويشير إلى أن التدريب المهني يركز حاليا على تزويد الأفراد بالمهارات التقنية والعملية المطلوبة لأداء وظائف محددة، مع التركيز على التطبيق العملي، مما يسهم في سد الفجوة بين متطلبات سوق العمل والمهارات المتوفرة لدى الباحثين عن عمل.
القطاعات الأكثر طلبا في التدريب المهني، هي الصناعات الأساسية، وتشمل مهنا مثل تشكيل المعادن والصيانة الميكانيكية، والقطاع الإنشائي نتيجة للتوسع العمراني، حيث يزداد الطلب على تخصصات مثل كهرباء القوة، وقطاع الخدمات ويشمل المهن المتعلقة بالبيع بالتجزئة، والضيافة، والخدمات الفندقية.
ويضيف روسان أن المؤسسة تسعى لاستشراف وظائف المستقبل، بما يتماشى مع التطورات التكنولوجية، من خلال إدراج تخصصات جديدة مثل الأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي.
التحديات التي تواجه الشباب
بين روسان بعض التحديات التي قد تعيق الشباب عن الالتحاق بالتدريب المهني، من أبرزها نقص الوعي الفردي، حيث يفتقر بعض الشباب إلى إدراك أهمية التدريب المهني، والعوامل المجتمعية التي تلعب الأسرة والمجتمع دورا مهما في توجيه الشباب نحو هذا المسار، وثقافة الانتظار للوظيفة حيث يفضل البعض انتظار فرص التوظيف التقليدية بدلا من اكتساب مهارات عملية، بالاضافة إلى قلة المعلومات حول الفرص المتاحةمما يؤثر على قرارات الشباب بشأن خياراتهم المهنية.
ولمواجهة هذه التحديات، يوضح روسان أن المؤسسة وسعت الفئات المستهدفة لتشمل الحاصلين على شهادات الدبلوم، الثانوية العامة، والماجستير، وحتى الدكتوراه، حيث التحق بها بالفعل سبعة من حملة الدكتوراه، بالإضافة إلى 2300 شخص من حاملي شهادات الدبلوم والبكالوريوس، كما تعمل المؤسسة على رقمنة عمليات التدريب وإطلاق دورات تدريبية إلكترونية تتناسب مع متطلبات سوق العمل.
أكد روسان أن تعليق المساعدات الأمريكية لم يؤثر بشكل مباشر على المؤسسة، نظرا لعلاقاتها الواسعة مع المنظمات الدولية الداعمة للتدريب المهني، مضيفا أن المؤسسة عقدت اتفاقيات تعاون مع منظمات المجتمع المحلي ووزارات القطاع العام، إلى جانب إطلاق مشاريع متخصصة، منها، المشروع السياحي الذي يركز على تدريب الشباب في مجالات الضيافة والفندقة، المشروع الزراعي الذي يدعم الزراعة الحديثة والمهن الخضراء، ومراكز التميز في فنون الطهي لتعزيز قطاع السياحة.
هذا وتدعم الحكومة التدريب المهني كجزء من رؤية التحديث الاقتصادي، عبر توفير معاهد تدريبية في مختلف محافظات المملكة، وتقديم برامج مجانية أو منخفضة التكاليف، وأحيانا مقابل مكافآت مالية للمتدربين، إضافة إلى تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص لتوفير برامج تدريبية منتهية بالتشغيل، كما تم تخصيص تمويلات لدعم المشاريع الشبابية المرتبطة بالتدريب المهني.












































