خبز وجامع وحادث موت

الرابط المختصر

لا تتشابه حوادث الدهس في ظروفها، لكن عند حادثتي الطفل سعيد والحاج عبد الفتاح فهي تتشابه إلى حد كبير..وكلاهما توفيا لحظة وقوع الحادث وكلاهما يقطنان في ذات المنطقة وهي جبل النصر، أما عن الجاني فكان هروبه في كلا الحادثين متشابهاً؛ فالأول في حالة الطفل سعيد هرب وعاد إلى مخفر الشرطة مسلما نفسه، أما الجاني الآخر فلا يزال هاربا والملف "قد" يغلق "ضد مجهول"..وفترة وقوع الحادث كانت في أقل من شهر.
 
والقصة..
كان يلعب سعيد 12 عاما في شارع قبالة بيته قبل عدة أيام، وقد سمع صراخا صادرا من أحد أفراد عائلته "يا سعيد روح جيب خبز للدار"..
 
ركض سعيد إلى البقالة مع ابن خالته الذي يناصفه بالعمر وفي الطريق توقف فجأة حيث لم يستطع التحرك لوهلة أمام رجوع كابسة نفايات تابعة لأمانة عمان بسرعة، وبعد لحظات قليلة وقف ابن خالته مصدوما من هول ما حصل..."جسده الرقيق فرمته إطارات الكابسة، والسائق لصدمته بقي مستمرا في القيادة حتى أصبح سعيد أشلاءً".
 
المجاورون للمكان أخذوا يصرخون: "توقف" "الولد اندعس" "الولد راح" "الله يرحمه"..لكن سعيد في هذه الأثناء أصبح كتلة كانت بشرية..ومن هول الصورة لا أحد حرك ساكنا حينها..   
 
لم يدرك أبو سعيد بعد أن ابنه سعيد وأكبر أبنائه أصبح الآن تحت التراب ويقول "رحم الله ابني سعيد والله يرضى عنه"..مرددا طوال الوقت أن سعيد "طير من طيور الجنة"..كان يحلم أبو سعيد أن يكبر سعيد ويكون شابا متعلما وعاملا في مجال ما يحبه، لكن الحلم تلاشى لحظة وقوع الحادث وأصبح الحديث عن سعيد ذكرى "لطفل راح ضحية الطريق"..
 
الآن يتمنى أبو سعيد أن يعي السائق الطريق ولا يجعل السلامة المرورية إلا أولوية في قيادته..أليس الحياة أغلى ما نملك!
 
أبو سعيد يروي حادثة طفله بناءً على روايات شهود ووفق تأكيدات طفله الآخر بهاء وابن خالته "كانوا بدهم يسحبوه لكن الشاحنة كانت تعود وخافوا أن تدهسهم فوقفوا مصدومين ومن معهم من الناس المتجمهرين ينظرون بهول من ما حصل لأبني".
 
السائق ترك الشاحنة وركض إلى مخفر الشرطة لتسليم نفسه..أما أبو سعيد يصرخ مستهجنا من عدم إسعاف السائق لسعيد؟ "حتى لو توفي فالأصل أن يحمله ويركض به إلى الطوارئ أما يتركه جثة هامدة ويفر حرام!!".
 
من الجاني؟
إذا كان الخبز هو هدف سعيد لحظة وقوع الحادث، فإن الحاج عبد الفتاح أبو فضة 62 عاما كان خارجا من الجامع فجراً حيث كان متجها إلى بيته ولحظة قطعه الشارع وبلحظة خاطفة وقع فريسة بين إطارات السيارة التي دهسته ولاذت بالفرار بتاريخ 26-12-2007 ومنذ ذلك التاريخ وأيمن أبن الضحية وشقيقه ينتظران الجديد في ملف الراحل "هل سيقيد ملفه ضد مجهول! رغم أننا سنسامح الجاني لكن ليعلن عن نفسه".
 
توفي الحاج أبو فضة لحظة وقوع الحادث ودفن في نفس اليوم، وما بقي منه سوى صورة شخصية يحملها أولاده معهم أينما يذهبوا..
 
يتفق أبو سعيد وشقيق عبد الفتاح أن هناك إهمال في متابعة الحوادث التي تقيد ضد مجهول، فمنذ وقوع حادثة دهس أبو فضة والشرطة لم تطأ أرض الحدث لأجل أخذ المعلومات "فلا رقم للسيارة أو نوعها أو لونها أو رقمها"..وكل ما يسأل أيمن الشرطة يقولوا له "الموضوع قيد الدراسة".
 
حادثة حكمت قدورة التي وقعت قبل وقت قريب ذكّرت أيمن بوالده أما أبو سعيد فرأى في ابنه التالي بعد حكمت وغيره من ضحايا المرور في الأردن، فهم في نظر "الحكومة" ضحايا مأسوف عليهم وأرقام تتزايد في دفتر الإحصاءات الراصد لأعداد الضحايا في كل عام..فهل تُحرك الجهات ساكناً!!
 
ُظهر السبت الماضي كان 23 مواطنا على موعد مع الموت في الحافلة التي كانت تقلهم من عمان إلى جرش و33 جريحاً..وهذا الحدث الذي وُصف بالمجزرة المرورية أخذ حجما عند الأردنيين متزامنا مع سلسلة حوادث كانت تقع هنا وهناك كما شهد في ذات اليوم وفاة مواطن وجرح 13 آخرين في حادثي سير منفصلين في الكرك والقطرانة.
 
الأرقام تتزايد والورقة تتسع لأسماء جديدة في قائمة الضحايا طالما أنها لا تزال قضية ثانوية ولا تعصف إلا مع اشتداد وكبر الحادث.. وللإشارة التاريخية فإن العام 2006 شهد وفاة 900 شخص وإصابة  18 ألف أما العام 2007 فكان الأعلى إذ سقط 970 ضحية فماذا يخبأ عام 2008.