خبراء يحذرون : الجرائم المجتمعية الناتجة عن الانجرار وراء الاستفزازات تثير قلق الشارع الأردني

الرابط المختصر

بين الحين والآخر، قد تقع مشاجرات في المجتمع بسبب مواقف بسيطة سواء على الطوابير أو في محلات الخبز أو النزاعات المرورية، والتي قد تتصاعد بسرعة إلى جرائم قتل نتيجة الانجرار وراء الاستفزازات، في وقت يحذر فيه خبراء علم الاجتماع والقانون من الانخراط في مثل هذه النزاعات، إذ قد يحمل الطرف المقابل أدوات خطرة تهدد الحياة، مما يجعل تفادي التصرفات المثيرة للعنف الخيار الأمثل.

ويشير الخبراء إلى أن العنف لا يقتصر تأثيره على الجناة فقط، بل يمتد إلى المجتمع بأسره، إذ يثير الرعب ويقلل من رغبة الأفراد في المطالبة بحقوقهم، ويؤدي إلى تراجع الثقة العامة.

هزت جرائم عدة الشارع الأردني مؤخرا، أبرزها حادثة الزرقاء التي فقد فيها الحلاق أحمد عوكل حياته داخل صالونه بعد اعتداء وحشي، وحادثة جرش التي عثر فيها على جثمان شخص داخل حفرة إثر خلاف مالي تحول إلى جريمة قتل، إلى جانب سلسلة من الأحداث الأخرى التي أثارت القلق حول تصاعد العنف في المجتمع.

شهدت المملكة في السنوات الأخيرة ارتفاعا لافتا في قضايا العنف المجتمعي، حيث سجلت الإحصاءات الرسمية عام 2024 وقوع 86 جريمة قتل، فيما بلغ معدل الكشف عن الجرائم حوالي 88%، وهو أعلى من العام السابق.

وبحسب تقارير حقوقية، فقد سجل عام 2023 وقوع 27 حادثة قتل داخل الأسرة أسفرت عن وفاة 25 شخصا، بينهم 16 أنثى و9 ذكور. 

كما بلغ عدد قضايا القتل العمد خلال الفترة من 2019 إلى 2023 نحو 260 جريمة، فيما وثقت الجهات المختصة العام الماضي 314 جريمة شروع بالقتل، و56 جريمة قتل عمد، و47 جريمة قتل قصد، إضافة إلى حالتين من الضرب المفضي إلى الموت.

 

أسباب العنف والأثر المجتمعي للجريمة

تشير أخصائية علم الاجتماع الدكتورة شروق أبو حمور، في حديث لـ "عمان نت" إلى أن العنف والجريمة في المجتمع يمكن أن يعزى إلى مجموعة من العوامل النفسية والاجتماعية والاقتصادية، مركدة أن ليس كل من يرتكب جريمة مصابا باضطراب نفسي، فلا يمكن تبرير الإجرام تحت ذريعة المرض النفسي وحده.

وتوضح أبو حمور أن العوامل البيئية والاجتماعية تلعب دورا مهما، فالفرد الذي ينشأ في بيئة تتسامح مع العنف أو تشجعه، يكون لديه استعداد لتصعيد النزاعات من أشكال بسيطة إلى العنف الدموي، حيث يصبح الحل الوحيد للخلاف أحيانا هو استخدام القوة، وقد يصل إلى القتل.

كما تشير إلى أن الضغوط النفسية المزمنة مثل البطالة، فقدان الوظيفة، انعدام الاستقرار الاقتصادي، أو الشعور بعدم العدالة والمساواة، كلها عوامل قد تدفع نحو ارتكاب السلوك الإجرامي، خاصة عندما يشعر الفرد بالعجز عن تأمين احتياجاته الأساسية أو تراكمت عليه الضغوط المالية، أو عندما تتحول خلافات مالية إلى مسائل مرتبطة بالكرامة.

 

 

وتضيف أن التراكم المستمر للضغوط قد يؤدي إلى مرحلة نقطة اللاعودة، حيث يزداد احتمال ارتكاب الجريمة، خصوصا في حال غياب شعور العدالة الاجتماعية، أو اعتماد الفرد فكرة أن عليه أخذ حقه بيده، موضحة أن تكرار تجربة السجن يقلل من أثره كرادع، إذ قد يرتكب البعض الجرائم وهم واثقون من خروجهم بعد فترة قصيرة.

لا يقتصر تأثير العنف على الجناة فقط، بل يمتد إلى المجتمع بأسره، إذ يثير الرعب ويقلل من رغبة الأفراد في المطالبة بحقوقهم، ويؤدي إلى تراجع الثقة العامة، بحسب أبو حمور.

وتؤكد أبو حمور  أن العامل الاقتصادي غالبا ما يظهر في الإحصاءات كأحد أبرز أسباب الجريمة، إلى جانب جرائم الشرف والدفاع عن النفس، ويعد السبب الاقتصادي أحد العوامل الرئيسية في تفاقم معدلات العنف، مشددة على الدور المحوري للأسرة باعتبارها مؤسسة اجتماعية واقتصادية وتعليمية ودينية، فهي الأساس في تشكيل وعي الأفراد وثقافتهم، بما فيها الثقافة المالية والاقتصادية التي تؤثر على الحد من العنف أو زيادته.

 

الجانب القانوني للعنف والقتل

من الجانب القانوني، تبرز مسألتا الردع وتحقيق العدالة كعاملين حاسمين عند التعامل مع جرائم العنف الناشئة أحيانا عن خلافات مالية أو مشادات يومية، كما حدث في الزرقاء وجرش مؤخرا.

ويؤكد المحامي المتخصص في قضايا الجنايات، صلاح جبر، في حديثه لـ "عمان نت " أن القانون الأردني يفرق بين صور متعددة للقتل، القتل العمد، والقتل القصد، والضرب المفضي إلى الموت، إضافة إلى حالات القتل الخطأ الناتجة عن التسبب غير المقصود بالموت.

ويوضح جبر أن القتل العمد يتضمن سبق الإصرار والتخطيط، حيث يكون لدى الفاعل القدرة على التروي واختيار الوقت والوسيلة المناسبة لارتكاب الجريمة، وتكون عقوبته القصوى الإعدام، أما القتل القصد فيظهر عادة في النزاعات المفاجئة باستخدام وسيلة عنيفة، وتصل عقوبته النموذجية إلى 20 سنة سجنا، بينما يصنف الضرب المفضي إلى الموت عندما يؤدي الفعل إلى وفاة دون نية مسبقة، مثل دفع شخص فيرتطم برأسه بالحائط، وتكون عقوبتها أقل من القتل القصد ولا تقل عن سبع سنوات سجنا.

 

 

 

ويشير جبر إلى أن وجود خلافات سابقة أو تهديدات قد يستخدم لتحديد سبق الإصرار والتمييز بين القتل العمد والضرب المفضي إلى الموت، مؤكدا أن النتيجة النهائية لإزهاق الروح هي العامل الأساسي للنصوص القانونية، بصرف النظر عن الدافع، لكن يتم أخذ دوافع الخلافات السابقة في الاعتبار لفهم ظروف الواقعة.

يشدد جبر على أن محكمة الجنايات الكبرى تلتزم بعرض المتهم أمام المحكمة خلال 48 ساعة، مع تسريع الإجراءات بحيث تنجز القضايا في كثير من الحالات خلال أقل من عام، مقارنة بالمحاكم الأخرى التي قد تستغرق وقتا أطول، مما يعكس التزام القانون الأردني بحماية المجتمع وتحقيق العدالة للضحايا.

وينص قانون العقوبات الأردني رقم (16) لسنة 1960 وتعديلاته العقوبات المفروضة على هذه الجرائم، المادة 326 على أن من قتل إنسانا قصدا يعاقب بالأشغال الشاقة خمس عشرة سنة.

 فيما تشدد المادة 327 العقوبة إلى الأشغال المؤبدة إذا ارتكبت الجريمة ضمن ظروف خاصة، مثل التمهيد لجناية أو قتل موظف أثناء قيامه بواجبه. أما المادة 328 فتقر عقوبة الإعدام إذا اقترن القتل القصد بظروف مشددة كسبق الإصرار أو استخدام وسائل وحشية.

ويذكر أن محكمة الجنايات الكبرى، وبحسب النصوص القانونية، تلتزم بعرض المتهم على المحكمة خلال 48 ساعة من توقيفه، وتعمل على تسريع إجراءات الفصل في قضايا القتل، بحيث تنجز العديد منها خلال أقل من عام، مقارنة بالمحاكم الأخرى التي قد تستغرق وقتا أطول.