مع كل صباح جديد، تستيقظ عمان ومدن أخرى على شوارع مكتظة بالمركبات، وأصوات الزوامير التي أصحبت جزءا من يوميات السكان.
هذا المشهد اليومي من الازدحامات المرورية لم يعد يقتصر على هدر الوقت والوقود، وفق ما يصفه مواطنون، بل امتد أثره إلى تفاصيل الحياة اليومية، مستنزفا الصحة النفسية للسكان ومضاعفا مستويات التوتر والعصبية لديهم.
تشير دراسة صادرة عام 2021 إلى أن الأردن حل في المرتبة 14 عالميا والثانية عربيا من حيث كثافة الازدحام المروري، بحسب موقع "نومبيو"، متقدما على دول مثل جنوب أفريقيا ولبنان وروسيا والبرازيل.
أما محليا، فيظهر تقرير المجلس الأعلى للسكان أن عدد المركبات المسجّلة ارتفع من نحو 1.72 مليون مركبة في عام 2020 إلى ما يقارب مليوني مركبة في عام 2024، بمعدل مركبة واحدة لكل 6 أشخاص، مقارنة بمركبة واحدة لكل 69 شخصًا عام 1970، مع توقع وصول عدد السكان إلى نحو 11.8 مليون نسمة.
يحذر وزير النقل الأسبق، المهندس جميل مجاهد، في حديثه لـ عمان نت من تفاقم الأزمات المرورية في العاصمة عمان ومدن أردنية أخرى، مؤكدا أن ما نشهده اليوم هو نتيجة مباشرة لعقد من التوسع العمراني العشوائي وغياب التخطيط الشمولي.
وفي تقييمه للوضع المروري الحالي مقارنة بما كان عليه قبل عشر سنوات، يقول مجاهد لا شك أن العاصمة عمان، وعدد من المدن الكبرى، باتت تعاني بشكل متزايد من الازدحامات المرورية، وذلك بسبب التوسع الحضري الكبير الذي لم يواكبه تخطيط عمراني مدروس.
ويشير مجاهد إلى أن السياسات والقرارات السابقة ساهمت في تعقيد المشهد المروري، بقوله لم يكن هناك تخطيط واضح لاستخدامات الأراضي، وجرى التوسع العمراني في مناطق عديدة دون الأخذ بعين الاعتبار البنية التحتية أو متطلبات التنقل والنقل العام.
ويضيف أن سوء تنظيم استخدامات الأراضي وزيادة التركيز السكاني في المناطق الحضرية، وخاصة في الشمال والوسط حيث يقطن نحو 91.8% من سكان المملكة، أدى إلى تمركز الخدمات وفرص العمل في المدن، وهو ما يعزز الاعتماد على السيارات الخاصة بشكل كبير، مؤكدا أن غياب شبكة نقل عام فعالة زاد من اعتماد المواطنين على المركبات الخاصة، ما رفع من أعدادها، في حين لم تكن البنية التحتية قادرة على استيعاب هذا النمو، كلما زاد عدد السكان، وزادت معه أعداد السيارات في ظل غياب بدائل نقل، تفاقمت الأزمة.
بحسب تقرير للمجلس الأعلى للسكان يشير الى انه من المتوقع أن يرتفع عدد السيارات المسجلة في الأردن إلى ما يزيد عن 2.3 مليون مركبة بحلول عام 2030، مما قد يتسبب في عدم قدرة شبكة الطرق على تحمل الطلب المتزايد على استخدام وسائط النقل البري والقدرة على ضمان تحقيق مزيد من التحسن في السلامة المرورية.
خسائر اقتصادية ونفسية
لا تتوقف أزمة الازدحامات عند هدر الوقت فقط، بل تتسبب بخسائر مالية ضخمة، حيث يقدر البنك الدولي الخسائر الاقتصادية الناتجة عن الازدحام في عمان بحوالي 1.5 مليار دينار سنويا، وتشمل هذه الخسائر تراجع الإنتاجية وزيادة استهلاك الوقود وتأثيرات بيئية سلبية.
كما تظهر دراسة تشخيصية للبنك الدولي أن الأسر الأردنية تنفق 17% من دخلها على النقل، بينما تصل هذه النسبة لدى الشباب إلى 23%، بل وتصل إلى 46% في بعض المناطق، ويعتبر 78% من خريجي الجامعات أن ضعف كفاءة النقل يشكل عائقا أمام وصولهم إلى الوظائف.
وينتقد مجاهد الحلول التي تم اللجوء إليها خلال السنوات الماضية، مثل بناء الجسور والأنفاق، معتبرا إياها حلولا مؤقتة وغير فعالة، مشيرا إلى انه مثل هذه المشاريع تشجع الناس على استخدام المركبات الخاصة، ولا تساهم فعلا في الحد منها، مشيرا إلى أن الحل الحقيقي يجب أن يركز على تقليل الاعتماد على السيارات وزيادة كفاءة النقل العام.
ويرى مجاهد أن الحل الجذري لأزمة المرور في عمان لا يكمن في توسيع الطرق، بل في تطوير وسائل نقل عام فعالة، وتشجيع أنماط النقل المستدامة كالمشي واستخدام الدراجات الهوائية، مؤكدا أنه من دون اتخاذ خطوات جادة نحو تخفيف الاعتماد على السيارات، ستبقى المشكلة في تفاقم، خاصة وأن العاصمة وصلت إلى نقطة يصعب فيها تقديم حلول هندسية فعالة دون معالجة جوهرية للتخطيط والتنظيم.
آثار نفسية وصحية تمتد إلى البيت والعمل
لا تقتصر أزمة الازدحامات المرورية في الأردن، وعلى رأسها ما تشهده العاصمة عمان يوميا، على هدر الوقت وتعطيل الإنتاجية فحسب، بل تتعداها لتطال الحالة النفسية والصحية للسائقين والركاب على حد سواء، بما ينعكس سلبا على حياتهم اليومية، سواء في العمل أو داخل الأسرة.
وفي هذا السياق، يؤكد مدرب الاختصاص النفسي في معهد العناية بصحة الأسرة، الدكتور مهند فرعون، في حديثه لـ عمان نت أن الزحام المروري المتكرر، خاصة في فترات الذروة خلال فصل الصيف، يمثل ضغطا نفسيا شديدا على الأفراد، ويؤدي إلى تفعيل استجابة الخطر في الجسم، مما ينتج عنه تسارع في ضربات القلب، وزيادة التوتر العضلي، وسرعة في التنفس، مما ينعكس في نهاية المطاف على الجسد بأعراض مثل الشد العضلي والآلام الجسدية.
ويضيف فرعون أن التوتر الناتج عن الازدحام يمكن أن يرفع مستويات القلق والعصبية لدى الأفراد، نتيجة التحفيز المستمر للجهاز العصبي المركزي، مشيرا الى أنه يفقد الشخص قدرته على التسامح والتعامل الطبيعي مع المثيرات العادية، فيصبح أكثر عرضة للانفعال والاستفزاز، حتى من تصرفات غير مقصودة من الآخرين.
ويقدم فرعون مثالا على ذلك بشخص يبدأ يومه بطاقة إيجابية وتفاؤل، لكنه يصطدم منذ الصباح بازدحام مروري خانق، وتأخيرات متكررة، وغياب حلول مرورية واضحة، مما يؤدي إلى تراكم الإحباطات لديه قبل أن يصل إلى عمله، هذا التراكم يؤدي إلى استنزاف للطاقة النفسية، مما يؤثر على أدائه ومزاجه طوال اليوم.
الأمر لا يتوقف عند الذهاب إلى العمل، بحسب فرعون فحتى أثناء العودة إلى المنزل، يتكرر الاستنزاف النفسي، مما يضعف قدرة الفرد على التفاعل الإيجابي مع أسرته وأطفاله، ويؤثر على علاقاته الاجتماعية داخل البيت.
هل من حلول نفسية؟
وحول سبل التعامل النفسي مع هذه التجربة اليومية المرهقة، يقدم فرعون مجموعة من النصائح، أبرزها تغيير النظرة إلى الأزمة نفسها، موضحا أنه أحيانا يكون تغيير الانطباع تجاه الزحام عاملا مساعدا، فبدلا من اعتباره مصدرا للإحباط، يمكن النظر إليه كفرصة للراحة الذهنية أو الاستماع إلى إذاعة محببة أو بودكاست هادف أو حتى موسيقى تساعد على الاسترخاء.
كما يشير إلى أهمية بعض السلوكيات البسيطة التي قد تساعد في تفريغ التوتر الجسدي أثناء القيادة، مثل مضغ العلكة أو الاسترخاء الجسدي عبر إسناد الظهر والتواصل الواعي مع الجسم، وهي تقنيات تعرف في علم النفس بـ"التأريض"، وتساهم في تقليل أثر الضغوط اللحظية.
وتشير إحصائيات عالمية إلى أن حوالي 80% من الأشخاص يعانون من التوتر بسبب الازدحام المروري، بينما يشعر 74% منهم بالعصبية والانزعاج المتكرر، وهو مما يعكس حجم التأثير العميق لهذه الأزمة على الصحة النفسية العامة، خاصة في ظل استمرار التحديات المرورية دون حلول جذرية.
هذا وتعمل مديريه الأمن العام ممثلة بإدارة السير المركزية على تحقيق الإنسيابية المرورية في كافة طرق المحافظة، والحد من الزحام بمختلف المواقع، وذلك من خلال خطتها المستمرة وتنفيذ حملات توعوية مرورية بهدف تسهيل حركة السير في الشوارع الرئيسية و الحيوية في مختلف الطرق.












































