خبراء: الحق في الصحة أساسي يجب على الدولة توفيره
لعل الخلاف القائم ما بين نقابة الأطباء وشركات التأمين فتح الباب للوقوف عند العديد من الفجوات في منظومة الرعاية الصحية المقدمة للمواطنين، وسط دعوات بأن يكون هذا الخلاف دافعا لحدوث تغييرات جوهرية في السياسات الصحية التي تقدمها الحكومة وتطويرها على نحو يلبي تطلعات المواطنين والحصول على حقهم في الصحة.
وتعتبر الحقوق الصحية من الحقوق الأساسية التي تكفلها العديد من المواثيق الدولية التي صادق عليها الأردن، والتي تحمي حقوق الإنسان في الحصول على رعاية صحية عالية الجودة، مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهدين الدوليين، واتفاقيات جنيف، واتفاقيات القضاء على التمييز العنصري ضد المرأة، والإعلان الخاص بالمعوقين، والميثاق العربي لحقوق الإنسان.
ومع ذلك فإن التقديرات الرسمية تظهر أن عدد المواطنين ممن لا يمتلكون أي تأمين صحي ما يقارب 30% من سكان المملكة، ومن ناحية أخرى يقدر عدد المؤمنين في القطاع الخاص بأكثر من الـ 700 ألف مؤمن، والغالبية منهم من فئة العمال، حيث يستفيدون من صناديق التأمين الصحي التي تقدمها المؤسسات التي يعملون فيها.
هذه الإشكالية في المنظومة الصحية التي يحصل عليها المواطنين دفعت الكثيرين الى المطالبة بضرورة إعادة النظر بمنظومة الرعاية الصحية للمواطنين وتحسين الخدمات الصحية الحكومية المقدمة لهم، وإعادة التفكير في أساليب التعامل مع حقهم في الصحة، حيث يتعين على الحكومة احترام هذا الحق والتزامها باتخاذ التدابير اللازمة لتحقيقه بشكل فعال.
مدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية أحمد عوض يؤكد لـ "عمان نت" على ضرورة أن تلتزم الحكومة بتقديم الرعاية الصحية للمواطنين، وفقا للقوانين والتشريعات المعمول بها، والتي تنص على توفير هذا الحق، وإن كان الدستور لم ينص على هذا الحق بشكل مباشر.
ويشير عوض الى أن الصراعات الحالية في ملف الرعاية الرعاية الصحية، هو متروك لصراعات السوق، معتقدا أن الوصول إلى التسوية في مثل هذه النزاعات سيكون على حساب المواطن، وأن هذا النهج سيؤدي إلى إهمال مصلحة المواطن، الذي سيكون هو الخاسر الأكبر في النهاية، قد يترتب على ذلك تراجع في جودة الخدمات الصحية المقدمة، إذا استمرت الأسعار على مستواها الحالي أو حتى إذا زادت تكاليف الاشتراكات على المواطنين.
ويؤكد عوض على أهمية تحقيق موقف واضح من قبل الحكومة، يستند إلى تعهد الدولة بضمان حق الصحة، وإلا فإن عدم تحقيق هذا التزام يتعارض مع مبادئ حق الصحة. واستنادًا إلى أن الأفراد المشتركين في التأمين الصحي الخاص غالبًا لا يمتلكون الوسائل اللازمة للتفاوض والتفاهم لحل هذه النزاعات، يجب أن يتم تمثيلهم من خلال ممثلين يمثلون العمال والنقابات العمالية.
ومن بين التحديات التي تواجه القطاع الصحي الحكومي، الازدحام الكبير في المستشفيات، ونقص الأسرة العلاجية، وتدهور جودة الخدمات المقدمة، و نقص التخصصات الطبية في بعض المرافق والمراكز الصحية.
وفي محاولات لوزارة الصحة لتحسين الواقع الصحي في المملكة قامت بإطلاق استراتيجية للأعوام 2023 الى 2025، والتي تشمل 8 محاور، وتقوم على توفير منظومة صحية متكاملة تعزز صحة الفرد والمجتمع وتقدم الخدمات الصحية الوقائية والعلاجية والتأهيلية التلطيفية الآمنة بعدالة وجودة وكفاءة.
وتتمثل المحاور الرئيسة التي تقوم عليها الإستراتيجية في تحسين مستوى خدمات الرعاية الصحية الأولية، وتحسين مستوى خدمات الرعاية الثانوية والثالثية، وزيادة كفاءة وفاعلية الموارد البشرية، إضافة إلى تطوير وزيادة كفاءة وفعالية ادارة البنية التحتية والتزويد وضمان استدامتها، والتوسع في التغطية التأمينية وزيادة كفاءة وفعالية إدارة الموارد المالية.
إلا أن هذه الاستراتيجية واجهت العديد من الانتقادات من قبل خبراء مختصين في مجال الرعاية الصحية لعل أبرزها عدم توفر دراسات حقيقية تبين حجم المشاكل التي تواجه القطاع الصحي وافتقارها لجهة متخصصة في دراسة القطاع الصحي بشكل كامل، وهو ما يعيق وضع استراتيجية حقيقية لتنمية هذا القطاع.
لماذا تراجع القطاع الصحي في الأردن؟
في مقال كتبه طيب وأمين عام الحزب الوطني الدستوري الدكتور أحمد الشناق يبين من خلاله إن النظام الصحي في الأردن في تراجع أدى لتردي في نوعية الخدمة الطبية المقدمة للمواطنين ويمكن تقسيم محاور التراجع في النظام الصحي لدى القطاع العام .
وتراجعت موازنات وزارة الصحة، خلال السنوات السبع الماضية رغم ارتفاع أعداد السكان في المملكة أكثر من 25%.
لم ينظر واضع السياسات الصحية إلى زيادة أعداد السكان في مجتمع 60% منه تحت سن الثلاثين عاماً، وهذه الفئات الاجتماعية بحاجة إلى الرعاية الصحية بشكل أكبر.
ويبين المقال أنه من جهة تركت سياسات صندوق النقد الدولي، وما يسمى بالتصحيح الاقتصادي اثرا على المشمولين بالرعاية الصحية تتطلب الاتفاقية مع صندوق النقد أن تقوم السلطات الأردنية بتحسين رصيد المالية العامة الأولي بنسبة 4.2٪ من الناتج المحلي الإجمالي بين 2021-2024، ويشمل ذلك على الأرجح تجميد فاتورة أجور القطاع العام وتراجع الإنفاق الاجتماعي على المدى القصير إلى المتوسط، وبالتالي قد يؤخر التقدم نحو توسيع قاعدة الاشتراك في التأمين الصحي على المدى القصير، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى تقييد الإنفاق على الرعاية الصحية الحكومية.
من ناحية أخرى هناك أسباب أخرى لتراجع الرعاية الصحية منها ضعف الحوكمة والإدارة، وتعدد الجهات الحكومية التي تدير الخدمات الصحية وتقدمها.
الاختصاصات الطبية، و الفرعية منها، اختصاصات القلب وجراحة الأعصاب وجراحات التجميل ومعالجة الحروق، وجراحة الأطفال، والوجه والفكين، وعديد الاختصاصات، غير متوفرة في المحافظات.
غياب فريق طبي متكامل لدراسة الحالات المرضية لإجراء العمليات الجراحية الكبرى ، لأخذ القرار الطبي بمنهج علمي طبي
افتقار المستشفيات للأجهزة الطبية الحديثة لتوازي التطور الطبي، والمهن الطبية المساعدة الإحترافية ، وعلى الأخص جهاز التمريض
افتقار المستشفيات إلى الخدمة الفندقية اللائقة للمريض، بإحترام الخصوصية الشخصية
افتقار لمراكز الطوارئ الحديثة وسرعة الأداء للحالات الحرجة، وتراجع خدمات المراكز الصحية الشاملة بضغط أعداد المرضى، ونقص أطباء الإختصاص.
غياب نظام التحويلات الطبية وفق الربط الإلكتروني، بسرعة الأداء بما يخدم الحالة الصحية للمريض، وغياب الربط الإلكتروني في صرف العلاجات على مستوى وطني.
آليات تقديم الخدمة بنظام حديث، بدءا من استقبال المريض وحتى مغادرته، وفق نظم حديثة، ولا زالت الملفات ورقية وحتى بأبسط الأمور أن يجد المريض، مقعدا للإنتظار ، وغياب اعتماد البروتوكول الطبي، بأعداد المرضى للإخصائي والطبيب العام .
غياب التنسيق بين المستشفيات الجامعية ووزارة الصحة والخدمات الطبية، وغياب دور المجلس الصحي العالي لرسم سياسات صحية وطنية متكاملة.