خبراء : الإشاعات في الأردن سلاح يهدد الثقة المجتمعية والاستقرار النفسي

الرابط المختصر

لم تعد الإشاعة مجرد خبر عابر يتداول على منصات التواصل الاجتماعي، بل تحولت إلى ظاهرة تؤثر بشكل مباشر على حياة الأفراد والمجتمعات، وتتجاوز آثارها حدود القلق والخوف، لتصل إلى زعزعة الثقة بالمؤسسات، وإثارة الانقسام الاجتماعي، وخلق اضطرابات نفسية واقتصادية يصعب تجاهلها.

ففي ظل الانفجار الرقمي وتوسع منصات التواصل، وعلى رأسها فيسبوك، أصبح تداول المعلومات أكثر سرعة وانتشارا من قدرة الناس على التحقق منها، بينما يفتقر كثيرون إلى الوعي الكافي للتعامل مع المحتوى الرقمي، ما يجعلهم عرضة للتضليل والانسياق خلف الأخبار الكاذبة.

تعرف الإشاعة بأنها خبر أو مجموعة أخبار غير مؤكدة تنتشر بسرعة بين الناس، وغالبا ما تكون مثيرة للاهتمام أو مثيرة للجدل، وتفتقر الإشاعات عادة إلى مصدر موثوق به، وغالبا ما تكون غير دقيقة أو مبالغ فيها.

 

ارتفاع مقلق في عدد الإشاعات

شهدت الساحة الأردنية خلال النصف الأول من عام 2025 قفزة مقلقة في عدد الإشاعات المتداولة، عكست تسارعا في وتيرة انتشار المعلومات المضللة وتنامي تأثيرها على الرأي العام.

فقد رصد مرصد مصداقية الإعلام الأردني "أكيد" 547 إشاعة تم تداولها بين شهري كانون الثاني وحزيران، بمعدل 91 إشاعة شهريا، مقارنة بـ354 إشاعة في نفس الفترة من عام 2024، أي بزيادة تقدر بنحو 54%.

ويشير التقرير إلى أن أكثر من ثلث هذه الإشاعات تمحور حول ثلاث قضايا رئيسية مثل قضايا الفساد والتعيينات والرواتب، الحرب على غزة وتداعياتها على الأردن، وجماعة الإخوان المسلمين.

 

أسباب ارتفاع الاشاعات

يرتبط ارتفاع عدد الإشاعات في الأردن بعوامل عديدة، تتداخل فيها الجغرافيا بالسياسة، وتغذيها بيئة رقمية مفتوحة لا تخضع للضوابط.

المسؤولة عن مراقبة المحتوى في "أكيد"، الصحفية عهود محسن، ترجع هذا الارتفاع إلى طبيعة موقع الأردن الجغرافي والسياسي، موضحة أن الأردن يقع في قلب منطقة تشهد صراعات سياسية وجيوسياسية، مما يجعل بيئة الإشاعات خصبة، فكلما تسارعت وتيرة الأحداث، تسارعت معها الإشاعات.

وتضيف محسن أن منصات التواصل الاجتماعي، التي تشكل المصدر الأول لتداول الإشاعات، لعبت دورا كبيرا في تضخيمها، إلى جانب غياب الوعي المجتمعي الكافي في التعامل مع المعلومة موضحة بأن المجتمع بحاجة إلى وعي قانوني وإعلامي للتعامل مع الفضاء الأزرق الذي بات يقيد الإنسان بتضليله أكثر مما يحرره بمعلومة دقيقة.

 

 

72% من الإشاعات.. سياسية وأمنية واقتصادية

يشكل محتوى الإشاعة أحد المؤشرات الأساسية على خطورتها، وقدرة تأثيرها على استقرار المجتمع، وهو ما تؤكده أرقام "أكيد".

فبحسب التقرير، فإن 72% من الإشاعات التي تم رصدها خلال النصف الأول من 2025 كانت ذات طابع سياسي وأمني واقتصادي.

وتوضح محسن أن جزءا كبيرا من هذه الإشاعات يرتبط بشكل مباشر بالأحداث الجارية في الإقليم، خاصة في سوريا وفلسطي، وتضيف أنه حين تتفاقم الأوضاع في غزة أو سوريا، نلاحظ مباشرة تسارعا في تداول الإشاعات المتعلقة بالأمن الأردني أو المساعدات الإنسانية.

وتبين محسن أن بعض الإشاعات المرتبطة بالأردن وقطاع غزة، مثل الربط بين المساعدات الجوية والتنسيق مع القوات الإسرائيلية، تخدم بشكل غير مباشر الرواية الصهيونية، خاصة في ظل الحرب النفسية التي تمارسها الأطراف المعادية.

بخصوص الإشاعات الاقتصادية تؤكد محسن أن جزءا منها ينبع من توظيف مغلوط لمعلومة صحيحة، مثل الحديث عن ارتفاع أسعار الذهب، فبدلا من تفسيره كتحرك طبيعي في السوق، يوظف سياسيا وكأن هناك أزمة ثقة بالدينار أو بالدولار، مما يخلق هلعا اقتصاديا بين الناس.

أما فيما يخص الإشاعات المرتبطة بالفساد، فتصفها بأنها الرواية الأسهل والأكثر رواجا، وتقول في أحد الأيام نشر على مواقع التواصل أن احتفال تخرج طلاب الجامعة مؤشر على فساد، رغم أنه يوم طبيعي ومن حق كل أب وأم أن يفرح بإنجاز أبنائه.

 

من يروج للإشاعة؟

الإشاعة ليست مجرد فعل إعلامي سلبي، بل سلوك اجتماعي له دوافع نفسية عميقة، تختلف من شخص لآخر، بحسب الدكتورة رغدة عرنكي، المتخصصة في علم النفس الإكلينيكي، أن الإشاعة عرفت منذ العصور القديمة، لكنها اليوم أكثر سرعة وأوسع انتشارا بفعل وسائل التواصل.

وتقول إن الإشاعة لا تستند إلى منهج علمي أو مصداقية، بل تعتمد على الغموض والإثارة، وغالبا ما تدور حول قضايا تهم الناس وتثير فضولهم، مما يسهل ترويجها.

أما الدوافع النفسية للمروجين فهي تختلف من شخص لآخر، حيث يسعى البعض لجذب الانتباه، فيما يرتبط آخرون بمشاعر الحقد أو القلق أو الحاجة إلى التقدير، فبعض الأشخاص يعانون من نقص في الاهتمام أو يعانون من مشاكل نفسية تدفعهم لنشر الإشاعات كوسيلة لإثبات الذات أو التنفيس عن غضب داخلي، بحسب عرنكي.

وتضيف عرنكي أن الغموض المصاحب للإشاعة يلعب دورا حاسما في تعميق تأثيرها، مشيرة إلى أن بعض الأفراد يملكون قابلية عالية للإيحاء، ويصدقون كل ما يسمعونه دون تمحيص، نما يجعلهم أدوات سهلة في سلسلة تداول الشائعات.

وتبين بأنه في كثير من الحالات، تعكس الإشاعة حاجات أو قلق المجتمع، خصوصا في ظل ظروف غير مستقرة أو غامضة، حيث يبدأ الناس بوضع سيناريوهات واحتمالات قد تكون بعيدة عن الواقع، لكنها تلقى رواجا لأنها تملأ فراغ المعلومة.

 

 

الأطفال واليافعون.. ضحايا لتأثيرات نفسية عميقة

الإشاعات لا تقتصر في تأثيرها على الكبار فحسب، بل تمتد لتطال الأطفال والمراهقين، محدثة اضطرابات نفسية قد تكون عميقة.

تحذر عرنكي من أثر الإشاعات على الأطفال واليافعين، خاصة عبر المحتوى المتداول على منصات التواصل الاجتماعي، مشددة على أن خيال الطفل الواسع يجعله أكثر عرضة للتأثر، فالطفل قد يبني على إشاعة واحدة سلسلة من القصص المخيفة في ذهنه، مما يؤدي إلى أعراض نفسية مثل الأرق، القلق، أو حتى الاكتئاب والشعور بعدم الأمان".

وتنصح الأهل بالإنصات لمخاوف أطفالهم وعدم السخرية من مشاعرهم، مؤكدة أن الاحتواء الأسري يلعب دورا كبيرا في حماية الطفل من الأثر السلبي للمعلومات المضللة.

وترى عرنكي أن وسائل الإعلام تتحمل دورا محوريا في مواجهة الإشاعة، ليس فقط بنقل المعلومات الدقيقة، بل أيضا بتقديم برامج توعية نفسية وإعلامية موجهة للبالغين والأطفال على حد سواء، ومن المهم جدا أن تساهم وسائل الإعلام في توعية الناس بدوافع الإشاعات وكيفية التحقق منها، وأن تنتج محتوى حقيقيا مدروسا موجها للأطفال واليافعين يوازن بين الترفيه والحماية.

ويجمع خبراء أنه في ظل التزايد المقلق لحجم الإشاعات وتأثيرها، تبدو الحاجة ملحة إلى تعزيز الثقافة الإعلامية والقانونية في المجتمع الأردني، وأن المواجهة تبدأ من وعي الفرد نفسه، إذ أن التحقق من مصدر المعلومة، وعدم التسرع في نشرها، يشكل خط الدفاع الأول أمام هذه الظاهرة.