خبراء: ارتفاع التكاليف وضعف الوعي يعيقان انتشار الحصاد المائي لمواجهة أزمة المياه

الرابط المختصر

لم يعد الحديث عن أزمة المياه ترفا، بل أصبح هاجسا يوميا يضغط على حياة المواطنين، مع تراجع حصة الفرد السنوية إلى نحو 60 مترا مكعبا فقط، وسط توقعات بانخفاضها إلى 35 مترا مكعبا بحلول عام 2040 إذا استمرت الأوضاع على حالها، وفقا لإستراتيجية المياه الوطنية.

وفي مؤتمر الحوار الوطني الثالث لقطاع الحصاد المائي خلال العام الحالي، صرحت وزارة المياه والراي أن الحصاد المائي أصبح ضرورة وطنية تمس أمن الأردن المائي ومستقبل الأجيال، مشددة إلى ان الحصاد المائي هو أولوية استراتيجية لمواجهة التغير المناخي ونقص الموارد المائية.

وتسعى الوزارة من خلال ورش وندوات وبرامج توعوية إلى تعزيز ثقافة حصاد مياه الأمطار وإعادة استخدام مياه الري، إضافة إلى إدماج التقنيات الحديثة كالذكاء الاصطناعي لتطوير أنظمة تتلاءم مع البيئة المحلية.

ورغم هذه الجهود، يرى خبراء أن دور الحصاد المائي ما يزال محدودا، بفعل ارتفاع تكاليف الإنشاء وضعف الوعي المجتمعي، مما يعيق الاستفادة من إمكاناته كأحد الحلول الاستراتيجية لتخفيف حدة الأزمة وتوفير موارد إضافية للزراعة والمنازل.

 

أسباب ضعف ثقافة الحصاد المائي 

ويوضح أستاذ علوم المياه في الجامعة الأردنية الدكتور إلياس سلامة في حديثه لعمان نت أن ارتفاع تكاليف إنشاء الخزانات، التي تصل إلى 2000–3000 دينار للمنازل الصغيرة، وغياب الوعي المجتمعي بأهميته، كلها عوامل تعرقل انتشاره.

ويضيف سلامة أن التشريعات القائمة، مثل المادة (33/E) في أمانة عمان الكبرى التي تلزم المباني الجديدة بتركيب خزانات لجمع مياه الأمطار، لم تطبق بالشكل الكافي، حيث يلجأ كثيرون إلى دفع غرامة مالية بسيطة بدل الالتزام الفعلي.

كما يشير سلامة إلى أن المشاريع الحالية تسهم بشكل محدود في مواجهة الأزمة، وتقتصر غالبا على جمع المياه في برك وحفائر لاستخدامات بسيطة كالزراعة أو سقاية الماشية، بينما يظل الوعي المؤسسي والمجتمعي بأهمية هذه المشاريع ضعيفا للغاية.

 

 

أثر مباشر على المزارعين

تعد الزراعة أحد أكثر القطاعات تضررا من شح المياه وارتفاع تكاليف الري، يبرز الحصاد المائي كأحد الحلول الاستراتيجية لتخفيف حدة الأزمة وتأمين كميات إضافية من مياه الأمطار لاستخدامها في الزراعة والمنازل.

لكن على أرض الواقع، ما زال تطبيق تقنيات الحصاد المائي محدودا، بسبب ارتفاع كلفة الإنشاء، وضعف الوعي بأهميته، إلى جانب غياب الدعم الفني والتمويلي.

يؤكد الخبير الزراعي المهندس صهيب عياد أن الحصاد المائي يشكل اليوم أولوية قصوى للمزارعين، خاصة في ظل انخفاض هطول الأمطار هذا العام إلى 30–40% فقط من المعدل المعتاد، الأمر الذي أدى إلى توقف العديد من الآبار السطحية عن العمل. 

ويرى أن الأردن يخسر كميات ضخمة من المياه بفعل الجريان السطحي والتبخر، مما يستدعي التوسع في إنشاء سدود صغيرة وحفائر ترابية للاستفادة من مياه الأمطار في الأودية والمناطق الزراعية، مضيفا  أن الاعتماد على صهاريج المياه مرتفعة الكلفة لم يعد خيارا قابلا للاستمرار، وأن تعزيز مشاريع الحصاد المائي بات ضرورة لتأمين احتياجات المزارعين في مواسم الزراعة المختلفة.

لا يقتصر الحصاد المائي على كونه مجرد بديل مؤقت، بل هو أداة استراتيجية تساهم في تقليل الاعتماد على المياه الجوفية وصهاريج المياه المكلفة، بحسب عياد الذي يشدد على أن هذه المشاريع تساعد في توفير المياه لري المزروعات في مواسم محددة مثل شباط وآذار ونيسان، وكذلك في الأغوار خلال الخريف والشتاء.

لكنه يشير إلى أن نسبة المزارعين الذين يطبقون تقنيات الحصاد المائي لا تتجاوز 1% على مستوى المملكة، مما يعكس ضعفا خطيرا في الوعي والدعم الرسمي، محذرا من استمرار الوضع الحالي دون توسع في هذه المشاريع، مستشهدا بجفاف سد الوالة مؤخرا، ما ألحق ضررا كبيرا بالمزارعين المعتمدين عليه، داعيا إلى صيانة السدود القائمة وتعزيز طاقتها الاستيعابية.

 

 

نحو حلول استراتيجية

رغم أهمية الحصاد المائي، إلا أن تأثيره يظل محدودا إذا لم يرفق بحلول استراتيجية أخرى على مستوى وطني، بحسب الدكتور سلامة.

يشير إلى أن الأردن يفتقد لمصادر مائية جديدة تواكب النمو السكاني والتوسع الصناعي والزراعي، وأن الاعتماد على المياه الجوفية لم يعد خيارا مستداما في ظل استنزاف الأحواض، محذرا من أن المياه الجوفية لا يمكن الاعتماد عليها كبديل، لأنها غير متجددة وفي الأردن تحت استنزاف كبير، إذ يتم استخراج أكثر من 500 مليون متر مكعب سنويا من مخزون يقدر بـ 270 إلى 300 مليون متر مكعب، مما يؤدي إلى تدهور الأحواض المائية.

ويرى سلامة أن الحل الوحيد لأزمة المياه في الأردن يكمن في تسريع مشاريع تحلية المياه في العقبة وضخها بشكل مستمر للمواطنين، موضحا  أن الحاجة الفعلية للمملكة تبلغ حوالي 340 إلى 400 مليون متر مكعب سنويا، بينما لا تقدم مشاريع الحصاد المائي سوى 10 إلى 20 مليون متر مكعب، ما يجعلها حلا محدود التأثير.

ويؤكد  سلامة على ضرورة رفع نصيب الفرد من المياه من 70 لترا حاليا إلى 110 إلى 120 لترا يوميا، مع ضخ مستمر للمياه، لأن الضخ المتقطع يسبب مشاكل فنية وصحية ويؤثر على مستوى المعيشة الذي يسعى الأردن للحفاظ عليه.

 

دور حكومية

من جهتها، أعلنت وزارة الزراعة أن مشاريع الحصاد المائي التي نفذت بالتعاون مع وزارة المياه والري رفعت القدرة التخزينية إلى نحو 128 مليون متر مكعب من خلال سدود وحفائر ترابية، مع تنفيذ عشرات المشاريع الجديدة في البادية والأغوار.

ويؤكد وزير المياه والري أن الأردن يواجه أسوأ أزمة مائية في العالم، مشددا على أن مشاريع الحصاد المائي تسهم في التخفيف من الأزمة لكنها لا تكفي وحدها، إذ لا توفر سوى 10 إلى 20 مليون متر مكعب سنويًا، بينما تبلغ حاجة المملكة أكثر من 350 مليون متر مكعب إضافية.