حملات مكافحة التسول بين العنف والمسؤولية

الرابط المختصر

جاءت إحدى دوريات حملات مكافحة التسول لتلقي القبض على إمراة كانت تتسول ومعها ابنتها الحاملة لطفلة في حجرها، حيث سارعت المرأة الكبيرة في السن الى مقاومة الرجال الذين أجبروها على الركوب في الباص،…إلا أنها قاومت بشدة وبقوة، فأخذ الرجال يدفعونها بقوة ويتفوهون بكلمات جارحة لإرغامها للركوب.

هذه الصورة حصلت أمام أعيننا في شارع الملك طلال وسط البلد، وهي صورة تتكرر مع المتسولين وهم يهمون بالهروب من أيدي رجال حملة مكافحة التسول "مسؤوليتك" التي بوشر العمل بها مطلع تموز الماضي وتنتهي أواخر تشرين الأول المقبل.
  
مدير برنامج مكافحة التسول في وزارة التنمية الاجتماعية خالد الرواشدة لم ينف أن تشوب إجراءات مكافحة المتسولين العنف في معظم الأحيان لأن المتسولين هم من يدفعون رجال الحملات للتعامل معهم بهذه الطريقة ويقول "المتسول هو شخص خارج عن القانون والنظام ولن يطاوع رجال الأمن ليركب باصات جمع المتسولين بسهولة؛ وبالتالي فإن عملية جمعهم وإركابهم يشوبها بعض العنف والقوة لأنه هو من وضعنا في هذه الدائرة وهو من يضطر الرجال الى سحبه بقوة".
 
وأكد الرواشدة أن التعامل مع المتسولين ليس بالعمل السهل لأنه يواجهها بمقاومة شديدة وخاصة من أولئك المتمرسين على التسول، ويقول "الهدف من هذا هو لإخلائه من المنطقة وحتى لا يتجمع عليه المواطنين ويعيقوا عملنا وثانيا من المستحيل أن نأتي على التسول ونقول له بلطف أن يأتي معنا فلن يأتي بل سيهرب أو يندفع باتجاه السيارات وقد يدهس، والجهات المسؤولة لها الحق في إخلائه من منطقة الشبهة أو منطقة تجمعه".
 
من جهته يرى استاذ علم النفس باسل الحمد أن الأساليب العنيفة بالتعامل مع المتسولين لن تخفف من الظاهرة بل ربما تزيد من نقمة هؤلاء تجاه السلطة التي تحاول أن تطبق القانون وبالتالي يصبحوا قادرين مستقبلا على ابتكار طرق جديدة بالتسول لكي لا يلجأوا للبدائل التي تطرح لهم من قبل وزارة التنمية الاجتماعية.
 
ومن وجهة نظر علم النفس فإنه زيادة على أن هؤلاء يشعرون بأن التسول يقصيهم عن المجتمع فإن التعامل معهم كأشخاص يمثلون ظاهرة سلبية بطريقة عنيفة سيزيد من إحساسهم بالهامشية، بحسب الحمد.
 
وأشار الحمد أنه من الأفضل أن يتم تدريب الأشخاص الذين يتعاملون مع المتسولين على طرق كفيلة كي لا يقوموا بتصرفات عنيفة لا استفزازية و لا تثير هؤلاء المتسولين، فغياب التدريب ليس مبررا للرد على العنف بعنف من قبل رجال اعتقال المتسولين.
 
ويصنف الرواشدة المتسولين الى عدة أنواع فمنهم المتسول لأول مرة وهذا لين وسهل التعامل لأنه لا يعرف بعد بالإجراءات التي تاتي بعد القبض عليه، أما المتسول المكرّر فيقاوم بالعادة ويحاول الهروب ورمي نفسه على الأرض والتظاهر بالعجز، وذلك لأنه يعلم ما يترتب عليه من قيامه بالتسول من عقوبة قد تصل الى الحبس أو غرامة قد تصل الى 1000 أو 500 دينار.
 
وبالنسبة للمتسولات فأكد الرواشدة أن هناك شرطة نسائية للتعامل معهن، لكن بالعادة فالنساء المتسولات أكثر ليونة مع رجال الحملات، لأنهن في كثير من الأحيان هن من يرغبن الذهاب للتخلص من حياة العنف والظلم والفساد التي يعشن فيها سواء من عائلاتهن أو أزواجهن أو أخوتهن او غيره .
 
وعن الإجراءات التي تتم بعد القبض على هؤلاء المتسولين اشار الرواشدة الى انه يتم العمل على تنظيفه وغسله إذا كان من أولئك المتسولين الذين لا يستحمون كثيرا وخاصة كبار السن، ثم إخضاعهم لفحوصات طبية ثم الاتصال بذويهم إذا كان لهم عناوين واضحة، وبعدها يتم التأكد من الكشوفات المتوفرة لدينا لمعرفة من إذا كان مكرر او متسول لأول مرة ونجري دراسة لأسرته فيما إذا كان يستحق للمعونة أو أنه يتسول للامتهان أو انه قد يكون من دولة أخرى من جنسية مختلفة.
 
ويذكر أنه بلغت أعداد الذين ألقي القبض عليهم من المتسولين ضمن حملة "مسؤوليتك" التي تنفذها وزارة التنمية الاجتماعية بالتعاون مع أمانة عمان والحكام الإداريين في المملكة أكثر من ( 950 ) متسولا ومتسولة.
 
وقال الرواشدة ان الوزارة تعمل على تدريب القادرين على العمل وتأمين فرص عمل لهم بالتعاون مع امانة عمان الكبرى ومشروع التشغيل الوطني ومؤسسة التدريب المهني ، بموجب الشراكة بين الوزارة والأمانة في الحملة المكثفة لمنع التسول.
 
وأكد تقدم 55 حالة ممن القي القبض عليهم من المتسولين بطلبات الى البرنامج بهدف الحصول على عمل وهو ما تم حيث عينوا في أمانة عمان لأسباب كما عزاها ضنك الحال لدى هؤلاء المتسولين وان دوريات مكافحة التسول لا تترك الباب أمامهم لممارسة التسول وتعمد الى إلقاء القبض عليهم فورا.
 
وتم تحويل المكررين من المتسولين الى الحكام الاداريين في كافة المحافظات لاتخاذ إجراءات مشددة بحقهم لردعهم عن ممارسة التسول ، كأخذ كفالات مالية وعدلية والحبس والابعاد من المملكة للاجانب ، وفرض إقامات جبرية عليهم في مناطق سكناهم ، لضمان عدم عودتهم الى ممارسة التسول.
 
يشار الى انه تم تشكيل 16 فرقة ميدانية ضمن الحملة تعمل بالتناوب على مدار الساعة، من موظفي الوزارة وأمانة عمان الكبرى ورجال الأمن العام ، وان الوزارة تباشر فور إلقاء القبض على المتسول بإجراء الدراسات الاجتماعية للوقوف على اوضاعه وظروفه الاجتماعية والمادية ومن ثم تحويل الذين تنطبق عليهم تعليمات صندوق المعونة الوطنية اليه لتخصيص معونات مادية له ولأسرته ، مؤكدا ان الحالات التي ألقي القبض عليها لم تكن فيها حالات تنطبق عليها شروط المعونة الوطنية.