حملات التبرع للفقراء .. حق أم تطوع؟

الرابط المختصر

من المؤكد أنك صادفت في طريق عودتك إلى المنزل أو ذهابك إلى العمل لوحة تطلب منك أن تمد يد العون إلى فقير أو محتاج، ولا بد أنك لدى قراءتك للصحيفة أو مشاهدتك للتلفاز

أو استماعك للمذياع قد قرأت جملة تسألك المساعدة، أو سمعت صوتاً ينشدك العون، فإلى أي مدىً كان لهذه العبارات أثر في نفسك، وإلى أي حد استطاعت تلك الكلمات أن تدفعك إلى أن تكون عوناً لمن يحتاج العون، وأن تمد يد المساعدة لمن يستحقها.

ناديا العجوري تتابع الحملات الإعلامية التي تقوم بها المؤسسات والجمعيات الداعمة للفقراء والمحتاجين، مؤكدة أن متابعتها لهذه الحملات تدفعها للتبرع للفقراء والمساهمة في التخفيف من معاناتهم. وحول أهمية هذه الحملات ترى ناديا أنها تلعب دوراً تذكيرياً يذكر الإنسان بوجود طبقات محتاجة في المجتمع.
 
وحول الأسلوب الأنجح في حث الناس على التبرع للفقراء من خلال هذه الحملات يؤكد محمد غنيم أن الأسلوب الذي يخاطب عقول الناس أفضل ذلك أن لغة العقل أفضل وأكثر إقناعاًُ من لغة العواطف.
 
محمود لا تؤثر به هذه الإعلانات كثيرا إذ يمر عليها مرور الكرام، لكنه يؤكد أن لجوء الإعلان إلى مخاطبة العقل مستخدماً الحقائق والأرقام قد تؤدي إلى نتائج أفضل، إذ يرى أن تأثير العواطف يكون لحظياً، فيما تترك مخاطبة العقل أثراً أكبر على المدى البعيد.
 
تؤكد لين الطباع أن تركيز هذه الحملات على الجانب الإنساني العاطفي يؤدي إلى نجاحها في تحقيق أهدافها، لكنها تؤيد استخدام أكثر من أسلوب في مخاطبة الناس نظراً لإختلاف طبائع البشر وشخصياتهم الأمر الذي يؤدي إلى اختلاف الرسائل التي تؤثر بهم.
 
الدكتور محمد القضاة أستاذ الشريعة في الجامعة الأردنية يرى أن الأموال والتبرعات التي يتم الدعوة إلى تقديمها من خلال المؤسسات والجمعيات قد تصنف ضمن باب الزكاة أو الصدقات بحسب نية المتبرع منها أهي زكاة، أو صدقة. وحول كون هذه التبرعات حق للفقراء في مال الأغنياء يقول القضاة "  الزكاة حق للفقراء والمحتاجين وهو حق شرعي وواجب من الواجبات الشرعية لا تبرئ ذمة المسلم الغني القادر على إخراج الزكاة إلا أن يخرج زكاة ماله ويعطيها للأصناف المعروفة في كتاب الله وأولهم الفقراء والمحتاجين، إلا أن هذا حق في الصدقات التطوعية ليس على سبيل الواجب وإنما على سبيل الندب والاستحباب فالمسلم الذي عنده المال وقادر أن يتصدق غير الزكاة فعليه أن يتصدق وأن يتنافس لبلوغ الخير والفضيلة عند الله سبحانه وتعالى.  
 
الباحث الإجتماعي والنفسي باسل الحمد يرى أن أثر هذه الحملات الإعلانية على المتلقين، وقدرتها على دفعهم لتقديم التبرعات لا يمكن أن يكون عاماً لكل من يتلقى الرسالة إذ أن نسبة من يستجيبون للرسائل الإعلامية ويسلكون السلوك الذي تدعو إليه يشكل 2 من أصل 10 من المعرضين للرسالة، ويؤكد أن هذا الأمر يعتمد على عدة عوامل كتوقيت الحملة، فضلاً عن وجود تنافس  بين الجمعيات التي تقدم الدعم للفقراء نظراً لتعددها لذلك فإن نجاح أي من هذه الحملات يتأثر بمدى ما تقدمه من خيارات متنوعة للمتلقي لكي يقدم تبرعه من خلالها.
 
وعن المفاضلة بين الرسائل التي تخاطب العقل وتلك التي تخاطب المشاعر الإنسانية أيها أقدر على التأثير بالمتلقي يرى الحمد أن على هذه الرسائل أن تثير الدوافع النفسية التي تدفع الإنسان إلى السلوك كدافع الخوف أو دافع التكافل الإجتماعي ودافع الخوف من الفقر والتي تنقل الإنسان من مرحلة الرغبة إلى مرحلة القرار،
 
وأشار الحمد إلى أنه نظراً لأن العائد ( المكافأة) لدى القيام بالأعمال الخيرية لا يكون مباشراً وإنما نفسية فإن لغة الأرقام والحقائق ليست هي اللغة الأكثر تأثيراً في المتلقى لدفعه إلى مساعدة الفقراء إذ لا بد من ربط الرسالة بالدوافع النفسية عند الشخص وتحقيق الرضا النفسي له نتيجة قيامه بالعمل الخيري.
 
مؤكداً أن لغة الأرقام والحقائق تؤثر بالأشخاص الذين يبحثون عن الحقائق، وعن الأثر والفائدة من قيامهم بأي عمل وهم أكثر تعقيداً بحيث لا تبنى قراراتهم على ردود فعلهم العاطفية فقط وإنما على التفكير بشكل عقلاني .
 
 وعن كون تأثير الرسائل الإعلانية التي تخاطب المشاعر آنياً يقول الحمد أنه يمكن التغلب على ذلك من خلال الاستمرار بعرض هذه الرسائل لفترة زمنية معينة وإحاطتها بالمتلقي وتقديمها بطرق مختلفة بحيث يشكل المضمون الذي تدعو له هذه الرسائل قناعة عند الشخص ويتم إتباع ذلك بتقديم حقائق ومعلومات، الأمر الذي يقلل من أثر أن ينسى المتلقي الرسالة ويتجاوزها.
 
وعن مدى تجاوب المجتمع الأردني مع الحملات الإعلامية التي تدعوه إلى تقديم العون للمحتاجين تقول رنا السالم مديرة قسم تنمية الموارد في "تكية أم علي" أن أفراد المجتمع الأردني متجاوبون مع الحملات ومؤمنون برسالة الجمعيات الخيرية في توفير العيش الكريم للفئات الفقيرة، وتؤكد السالم أن التبرعات مستمرة على مدار العام مع زيادة في التبرعات في شهر رمضان فهو شهر الرحمات.
 
وعن الأساليب التي تتبعها التكية في ايصال رسالتها للناس أنهم يعملون على مخاطبة الناس بالعقل والحقائق مع نقل مشاعرهم تجاه ما يعايشونه لأهل الخير، مؤكدة أن العقل والعاطفة يجب أن يستخدما سوياً لتحقيق الهدف وهو دفع الناس إلى مساعدة الفقراء.
 
كما أشارت السالم إلى إشراك الناس في برامج التكية وحملاتها من خلال التطوع الذي يمكنهم من مخاطبة أكبر عدد ممكن من الناس و الوصول إليهم بشكل مباشر وشفاف.
 
يقول تعالى في سورة المعارج (والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم)  فكيف تحول هذا الحق المعلوم الذي نص عليه القرآن الكريم إلى دعوات خجلة تطلب من أصحاب الأموال أن يساهموا ولو بالقليل من كثيرهم في رسم البسمة على شفاه الفقراء، أو مساعدتهم في سد رمقهم، مذكرينهم بالأجر والثواب الذي ينتظرهم عند الله؟ وهل استجداء مشاعر المقتدرين ليعطفوا على الفقراء كافٍ للوصول بهم إلى مرحلة التبرع، أم لا بد من دعوتهم للتفكير في قيمة ما يعتبرونه قليلاً للآخرين لتحقيق العدالة الإجتماعية والموازنة بين الفقراء والأغنياء.
.