حريق دار الضيافة يسلط الضوء على واقع احتياجات كبار السن

الرابط المختصر

في حادثة أثارت موجة من الحزن والتساؤلات، بعد اندلاع حريق في مركز خاص لرعاية المسنين تابع لجمعية الأسرة البيضاء، دار ضيافة المسنين، مخلفا وراءه سبع وفيات وخمس إصابات بالغة و55 إصابة متوسطة.

الحادثة المؤلمة تفتح ملف واقع الرعاية التي تقدم لكبار السن في الأردن، وطرحت تساؤلات حول جودة الخدمات التي تقدمها دور الإيواء ومدى التزامها بالأنظمة والتشريعات المعنية بحماية هذه الفئة.

الواقع يشهد تغيرات اجتماعية لافتة، حيث تظهر الإحصاءات الرسمية أن نسبة الأسر الممتدة في الأردن انخفضت بشكل كبير من 11% في عام 2003 إلى 1.5% فقط اليوم، بينما ارتفعت نسبة الأسر النووية إلى 76%، مقارنة بـ 38% عالميا.

في المقابل، يبلغ عدد كبار السن في المملكة حوالي 500 ألف شخص، أي ما يشكل 5.5% من إجمالي السكان، مما يزيد من الحاجة إلى استراتيجيات فعالة لضمان رعاية هذه الفئة وحمايتها.

في هذا السياق،  كان المجلس الوطني لشؤون الأسرة قد أطلق الاستراتيجية الوطنية لكبار السن (2025-2030)، التي تهدف إلى تعزيز الرعاية الاجتماعية والصحية، وضمان حياة كريمة لهذه الشريحة المهمة من المجتمع.

 

تقييم دور الرعاية

يوضح أمين عام المجلس الوطني لشؤون الأسرة، الدكتور محمد مقدادي، أن محور الرعاية الاجتماعية في الاستراتيجية الوطنية ركز على مجموعة من القضايا التنموية التي تتجاوز تلبية الاحتياجات المباشرة، لتشمل الاستثمار في خبرات كبار السن وإشراكهم في المجتمع.

ويؤكد مقدادي أن هذه الفئة يجب أن تشعر بأهميتها ودورها في المجتمع، مشيرا إلى أن الهدف ليس توفير الرعاية بمعناها التقليدي فقط، بل تعزيز قيمتهم الاجتماعية، مبينا أن المجلس أجرى في عام 2022 دراسة تقييمية لدور رعاية كبار السن، بهدف تحسين جودة الحياة لهذه الفئة وضمان بيئة آمنة ومريحة لهم.

وتظهر الدراسة أن نسبة الإشغال في هذه الدور لا تتجاوز 60%، مما يعني عدم وجود ضغط على طاقتها الاستيعابية، ومع ذلك، لوحظ وجود حاجة ملحة لتحسين الخدمات المقدمة، بما يشمل إعادة تأهيل الدور وتوفير كوادر ذات مهارات متقدمة، خاصة في الجوانب النفسية والاجتماعية، بحسب مقدادي

ويشير إلى أن زياراته الميدانية لدور الرعاية كشفت عن احتياجات متعددة للعاملين، حيث يواجه مقدمو الخدمة تحديات كبيرة، خاصة مع الحالات التي تتطلب عناية خاصة مثل حمل المرضى أو تقديم خدمات شخصية لهم، موضحا أن بعض العاملين تعرضوا لمشاكل صحية نتيجة طبيعة العمل، مما يبرز أهمية زيادة عدد العاملين وتوفير خدمات متنوعة وشاملة، بما في ذلك دعم الصحة النفسية لكبار السن الذين قد يعانون من الاكتئاب أو التحديات النفسية الأخرى.

ويضيف أن دور الرعاية، سواء للأطفال أو كبار السن أو الأيتام، تتطلب خدمات متكاملة ومعايير خاصة لضمان السلامة والصحة النفسية والاجتماعية، مشددا على أهمية الكفاءة والعدد الكافي للعاملين، لافتًا إلى أنه لا يمكن الاعتماد على عدد محدود من المشرفين لتقديم خدمات مستمرة ومتطلبة على مدار الساعة، مما يجعل التوسع في عدد الكوادر المؤهلة ضرورة ملحة.

 

استراتيجية رعاية المسنين

تركز الخطة التنفيذية للاستراتيجية الوطنية لكبار السن (2025-2030)، على عدد من القضايا الرئيسية، وفقا لتصريحات مقدادي، حيث المرحلة السابقة تم تطوير مجموعة من معايير دور الرعاية الإيوائية بالتعاون مع الشركاء في المجلس، حيث شملت هذه المعايير البيئة العامة، سواء من حيث المرافق أو العاملين، إضافة إلى القضايا الإشرافية، وتضمنت أيضا معايير خاصة بدور رعاية كبار السن.

أحد الأولويات الرئيسية في الاستراتيجية هو الارتقاء بجودة دور الرعاية لتطبيق هذه المعايير، بما يشمل إنشاء نظام جودة خاص بدور الرعاية، وخاصة تلك المخصصة لكبار السن.

أما القضية الثانية التي ستركز عليها الخطة التنفيذية، فهي الاستفادة من خبرات كبار السن المتراكمة في قطاعات متنوعة مثل الزراعة والصحة والتعليم والقضايا الاجتماعية، وتستلهم هذه المبادرة من التجارب العالمية الناجحة في الاستثمار بخبرات المتقاعدين بشكل تطوعي، حيث يمكن نقل خبراتهم إلى الأجيال القادمة.

لتحقيق ذلك، بحسب مقدادي، هناك حاجة إلى مأسسة نموذج يتيح استخدام هذه الخبرات بطرق منظمة، مما يعزز شعور كبار السن بأهميتهم ودورهم الفاعل في المجتمع، إضافة إلى ذلك، تساهم هذه المبادرات في تحسين حالتهم النفسية والصحية والعقلية، وتجعلهم يشعرون بأنهم جزء حيوي ومؤثر في المجتمع بدلاً من أن يكونوا عبئًا عليه.

 

الحاجة للرعاية الشاملة للمسنين

مع تغير أشكال الأسر، يعتقد خبراء في مجال الأسرة، أن الحاجة للرعاية الصحية والنفسية والعقلية لكبار السن تتزايد، فالمشاكل الصحية والتحديات النفسية والعقلية قد تتفاقم لدى هؤلاء الأفراد الذين يشعرون بالوحدة والاكتئاب والقلق من المستقبل، ومع ذلك، يواجه كبار السن صعوبة في الوصول إلى الخدمات المناسبة والرعاية الملائمة، نظرا للتحديات المالية ونقص الموارد والقيود المتعلقة بالرعاية الصحية.

من بين الأمراض التي يعاني منها كبار السن هناك ضعف الرؤية والسمع والحركة والأمراض المزمنة، ويواجهون أيضا مشاكل اجتماعية أخرى مثل العزلة عن الأبناء والانغماس في حالات نفسية صعبة، حيث يشعرون بأنهم لا فائدة لهم وأنهم يعيشون في الماضي.

كما يواجه كبار السن العديد من التحديات في سهولة الوصول إلى الاحتياجات الأساسية مثل الغذاء والمأوى، وذلك بسبب قلة الحركة والعزلة الاجتماعية والفقر، مما يعرضهم لمخاطر متزايدة من الأمراض وسوء النظافة وسوء التغذية، ويشكل ذلك انتهاكا صريحا لحقوقهم، مثل الإهمال ونقص الرعاية التي يتعرضون لها.

وقد أوصت ورقة سياسات، التي تم مناقشتها في جلسة عقدها مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية مؤخرا، بضرورة الاهتمام بالصحة النفسية والعقلية لكبار السن الأردنيين واللاجئين السوريين في الأردن، وتوفير رعاية صحية منزلية شاملة لهم، وركزت الورقة على واقع الصحة النفسية والعقلية لكبار السن، والإطار القانوني لحمايتهم.

الباحثة والخبيرة في النوع الاجتماعي في مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية، علا بدر، توضح أن مرحلة الشيخوخة هي مرحلة طبيعية يمر بها الإنسان، وتتطلب اهتماما متزايدا بالرعاية الصحية في وقت تعاني فيه من نقص كبير،  كنقص في بعض الأدوية وفي اختصاص طب الشيخوخة، حيث يوجد طبيب واحد فقط في المملكة.

تضيف بدر أن هناك العديد من كبار السن الذين لا يتلقون رواتب تقاعدية، مما يزيد من أعباءهم المالية، خاصة فيما يتعلق بالرعاية الصحية التي يحتاجون إليها بشكل أكبر نظرا لمعاناتهم من عدة أمراض.

هذا وتشير المؤشرات إلى وجود حوالي 588 ألف شخص في عمر 65 وأكبر في الأردن، ومن المتوقع أن تزداد هذه النسبة ثلاثة أضعاف بحلول عام 2050. ويسلط هذا التحول الديموغرافي الضوء على أهمية تلبية الاحتياجات الصحية لكبار السن، بما في ذلك صحتهم النفسية والعقلية.