حادثة المشروبات المغشوشة..في حضرة الموت… لا مكان للشماتة

الرابط المختصر

في المجتمعات التي اعتادت تحويل كل مأساة إلى مادة للتندر والتفكه، يغدو الألم سلعة رائجة، ويُستبدل التعاطف الطبيعي بالضحايا بلغة استعلائية تُنصّب بعض الأفراد قضاةً على مصائر الآخرين، فيخلطون بين الإثم والعقاب، وبين الدين وبين شهوة إصدار الأحكام.

حادثة وفاة تسعة أشخاص حتى الآن بسبب مشروبات كحولية مغشوشة ليست مجرّد خبر عابر في شريط الأخبار، بل مأساة حقيقية تشبه غيرها من المآسي التي تخلّف وراءها أُسرًا مفجوعة، وأبناءً فقدوا آباءهم، وأمهاتٍ ستعجز دموعهنّ عن محو غصّتهنّ. هؤلاء ليسوا أرقامًا في تقرير رسمي، ولا حكايات طريفة تُروى في مقهى أو على مواقع التواصل؛ هؤلاء بشر رحلوا بطريقة موجعة، وكان الأولى أن نرى في موتهم ناقوس خطر، لا مادةً للسخرية.

تأملوا المفارقة المريرة: بدلًا من أن ينصبّ الغضب الشعبي على وجود مصنع مرخّص يخلط السموم لبيعها للناس، تفرّغ كثيرون لشتم الضحايا وتحميلهم وزر موتهم، وكأن الحياة منحتهم تفويضًا إلهيًا ليقرّروا من يستحق الحياة ومن لا يستحقها. حتى الموت، في نظر هؤلاء، يُصبح نوعًا من "العدالة الإلهية الفورية"، متناسين أنّ الدين نفسه – الذي يستشهدون به لتبرير قسوتهم – لم يقرّ عقوبة الموت على شرب الخمر، بل حرّمها دون أن ينزع صفة الإنسانية والكرامة عن الشاربين.

لنتساءل قليلًا: ما الذي يجعل مجتمعًا ما يتحول من نقد أصل المشكلة إلى جلد الضحية؟ هل بات أسهل علينا أن نبحث عن شماعة نعلّق عليها فشلنا المجتمعي، بدلًا من مواجهة جذور الأزمة: الفقر، اليأس، غياب البدائل، وانفصام الخطاب الأخلاقي الذي يحرّم بيدٍ ويرخّص بيدٍ أخرى؟

مشكلة هؤلاء الذين نصّبوا أنفسهم مكان الخالق أنّهم يختزلون حياة الإنسان بلحظة سقوطه. وكأن إنسانية المرء تُمحى بخطيئة واحدة، وكأن لحظة فقدان الوعي بالخمر تُبرّر فقداننا للإنسانية ونحن في كامل وعينا. أي ظلمٍ هذا أن يُحاكم الميت على جريمة موته، بدلًا من محاكمة من صبّ له السمّ في كأسه!

إن السخرية في حضرة الموت ليست مجرّد موقف عابر؛ إنها مرآة قاسية تكشف لنا مقدار الجفاف الأخلاقي الذي أصاب أرواحًا كثيرة. فنحن لا نفقد إنسانيتنا فجأة، بل نفقدها شيئًا فشيئًا حين نألف القسوة، ونستسهل الاستعلاء، ونُخمد في داخلنا شعور الرحمة.

إنه لأمرٌ محزن أن تُقابل فاجعة كهذه بالتندر بدلاً من التفكير في مأساة الضحايا وذويهم. مأساةٌ كان ينبغي أن تدفعنا للمطالبة برقابة صارمة، وسياسات وقائية، وحلول إنسانية تقلل من لجوء البعض إلى منتجات خطرة بحثًا عن نسيانٍ مؤقت.

في النهاية، لسنا مطالبين بتبرير الخطأ، لكننا مطالبون بأن نظل بشرًا في وجه الألم. لا أحد يعلم أي طرقٍ قد تقود إنسانًا للهلاك، ولا أحد يملك حق التنصيب نفسه قاضيًا وجلادًا باسم الدين أو الأخلاق. فالإنسان يُمتحن في لحظة تعامله مع ضعف الآخرين، والموت – أيًّا كان سببه – يظل أوسع من أن يُختصر في نكتة.