جوافة سحم قصة نجاح تخفي تحديات عديدة
“بنتعامل مع الشجرة كأنها طفل، من أول ما بنزرعها تبدأ التحديات الي ما حدا بعرفها”، هكذا وصف محمد الطوالبة مالك مزرعة جوافة خمسيني في بلدة سحم أقصى شمال محافظة إربد الصعوبات التي تقع على كاهل مزارعي الجوافة دون غيرهم.
الجوافة هي فاكهة استوائية تحتاج للكثير من العناية والإهتمام وكذلك المياه وكونها زرعت في أرضٍ ليست إستوائية على ضفاف نهر اليرموك، ومحليا تعتبر “جوافة سحم” علامة تجارية لطعمها الفريد الذي لم تنجح بقية الأراضي الزراعية في المملكة مثيل لطعمها المميز.
“جوافة سحم” الأكثر مبيعا
أحد تجار الجوافة الثلاثيني معاذ الغوانمة من بلدة سحم، يقول "عند بدء الموسم كل صيف يتسابق الزبائن في إربد وفي السوق المركزي في عمان لحجز كميات كبيرة من “جوافة سحم” وما يجعلها محبذه هو طعمها معتدل الحموضة والسكر باعتبارها تسقى من نهر اليرموك وتتغذى من تربة خصبة وفيرة بالمعادن الفريدة على إمتداد وادي الأردن".
ويوضح الغوانمة لعمان نت، إختلاف طبيعة العمل في مزارع الجوافة عن غيرها من المزارع، إذ تتطلب الري يوم بعد يوم خلال انقطاع مياه الأمطار حتى نهاية الموسم في الشهر التاسع بالإضافة للتقليم والعناية اليومية من الأمراض المتكررة والجديدة للأشجار.
آفات زراعية تهدد الموسم
لم تقتصر الصعوبات على الرعاية الدقيقة فقط، بل يشارك المزارعين أرزاقهم قطيع من الخنازير، إذ يقول الغوانمة “أنها وجدت من مزارعنا موطن لها تأكل الثمار وتحطم أغصان الأشجار وتترك ورائها الحقول مدمرة، رغم أننا نحيط مزارعنا بالسياج إلا أنه لم يكن حل للتخلص منها”، مستهجنا عدم إصدار قرار لتسهيل قتلها حتى الآن.
البق الدقيقي وذبابة الفاكهة، هي أيضا آفات لم تسلم منها أشجار الجوافة فهي تبيد الشجرة قطعيا الأمر الذي يجبرنا على المطالبة السنوية لمكافحتها من قبل مديرية الزراعة، يقول الغوانمة.
تحدد حقول الجوافة ضمن المنطقة الزراعية الطولية على ضفاف النهر ويطلق عليها إسم “الشريعة” ومساحتها الزراعية تقدر ب1200 دونم بواقع 140 مزرعة خاصة تنتج حوالي 1500 إلى 2000 طن يوميا خلال ذروة الموسم وهو الذي وضعها على الخارطة الإقتصادية للدولة، إلا أنها منطقة لا يدخلها إلا مالكي المزارع وعمالهم بواسطة تراخيص أمنية تكشف لنقطة الجيش عند مدخل الشريعة، باعتبارها منطقة حساسة حدوديا، وفقا لجمعية مزارعي الجوافة في سحم.
خصوبة التربة قضية أخرى
غياب المعرفة الكاملة بأساسيات زراعة الجوافة تسبب في إحداث مشكلات أخرى، يبينها أبو طارق طوالبة مالك مزرعة جوافة في سحم بقوله “منطقة الشريعة محدودة المساحة بالتالي لا يمكن إستمرار بعض المزارعين في اتباع أساليب ري وتسميد ورش تنافي الأصول الزراعية فهي تسلب خصوبة التربة وتتسبب في إحداث أمراض مميتة للشجر”.
وطالب الطوالبة أن تقوم الوزارات والهيئات المعنية بتقديم التوعية المهنية والصحية بأساليب رعاية مزارع الجوافة على وجه الخصوص لضمان استمرارية خصوبة التربة وسلامة الشجر والمنتج.
وفي السياق، يقول أن المبيدات والأسمدة الكيميائية أصبحت الحل الوحيد لحماية الأشجار من الآفات الزراعية بعد أن تخلى معظم المزارعين عن السماد العضوي المصرح إستخدامه (السماد الحيواني المخمر).
خدمات رديئة تزيد من الأعباء
وبشكل مشابه لعدد كبير من الطرق الزراعية في اللواء، يقول مالك مزرعة جوافة أبو عبدالرحمن الخزاعلة، إن الطريق من البلدة الى منطقة “الشريعة” على ضفاف النهر تستلزم سيارات دفع رباعي أو سيارات قادرة على إستيعاب الشارع الضيق المتهالك، فنعد النزول للمزرعة تستلزم ما بين عشرون إلى ثلاثون دقيقة أما عند العودة فالوقت يزيد لأنها تكون محمله بثمار الجوافة الطازجة التي تفسد إن تعرضت للاهتزاز حتى لو بسيط بالتالي ينبغي التأني الشديد في عملية القيادة.
ويتابع الشرح بقوله “بنطلع من المزرعة على المستودعات بسحم حتى نفرز الجوافة حسب أصنافها وأنواعها (مثل البلدية والأمريكية وما يطلق عليها اللمبات لصغر حجمها)، فيستمر العمل لدينا بالعمل بترتيب كافة ما ننتجه يوميا على السيارات أو الشاحنات مع الأخذ بعين الإعتبار التخلص من الثمار التي فسدت جراء الإهتزاز بسبب الشارع المتهالك.
ثم نتجة بعد منتصف الليل بشحنها للسوق المركزي في العاصمة عمان حتى نصل فجرا (بداية فتح السوق) ونبدأ بالتوزيع على المحال التي تنتظرنا يوميا لشراء “جوافة سحم” الطازجة، ويكون ذلك الطريق أطول مرتين حتى نحافظ كذلك على جودة كل ثمره بسرعة لا تتجاوز الأربعين.
قوانين صارمة
ويكمل المتحدث، حتى تكون مزارع جوافة ناجح عليك الإستيقاظ على مدار الساعة وأن تكتفي بالنوم لمدة لا تتجاوز أربعة ساعات حتى لا تفوتك المدة التي يسمح بها الوصول لمنطقة “الشريعة” التي تبدأ من السادسة صباحا حتى السادسة عصرا وأحيانا يأتي أمر بعدم الوصول إليها مطلقا لغايات أمنية، وهي ما تلزمنا بعمل طول هذه المدة دون راحة كون الشجرة الواحدة تحتاج لتقليم وري وتسميد ورش مبيدات حتى لا نخسرها.
ويضيف الخزاعلة، تلزمنا هذه المدة وخصوصا فترة ذروة الموسم (شهر سبتمبر) لتشغيل أيدي عاملة أكثر بأجور يومية بين 12-15 دينار أردني، وهو ما يكبدنا أعباء مادية مضاعفة.
لا عمالة مناسبة ولا دعم حكومي
ويؤكد الخزاعلة أن إعتماد مالكي المزارع على العمالة المحلية، يعيق عليهم استمرارية العمل على مدار العام، جراء التحاق الشباب العاملين في الجامعات فينقطع عملهم لمدة شهور عدة، وهنا لا نجد حل إلا بتشغيل العمالة الوافدة التي يمنع إدخالها لمنطقة الشريعة، فنقع بأزمات دورية جراء غياب الأيدي العاملة.
ويتابع مستهجنا “لم تستطع حتى اليوم الوزارات المعنية من دعمنا في آليات ومعدات تسهل وتسرع عملية الإنتاج رغم المساهمات الاقتصادية الكبرى التي نقدمها للدولة”.
التغير المناخي يفاقم الأعباء
لم تغب تداعيات التغير المناخي عن سلسلة التحديات التي تواجه منطقة “الشريعة”، إذ يؤكد رئيس جمعية مزارعي الجوافة في سحم ضرار غوانمة لعمان نت، أنه رغم طبيعة منطقة الشريعة الحارة (تقع بين جبال شاهقة) إلا أن موجات الحر الأخيرة غير مسبوقة وتفاقمت التحديات أمام المزارعين، فزادت من الضغط الجوي بأضعاف لم يكن تحملها بالهين، بل كانت تشبه بأن توقد النار على جانبيك وتجهد بأعمال شاقة في ذات الوقت.
الموجات الحارة تفيد شجر الجوافة، إذ تساعد على نضجه جيدا لكن عندما تكون الموجات غير مسبوقة وطويلة الأمد (أكثر من أسبوع) فإنها تصبح تحدي أمام المزارع فينبغي عليه أن ينسى فترات الراحة والنوم ويواصل الليل بالنهار لتسويق المنتج، يقول الغوانمة.
أما عن اختلال الفصول وإنخفاض مستوى الأمطار خلال فصل الشتاء، يبين الغوانمة أنها مشكلة لم تكن بحسبان المزارعين حيث زادت من شهور العناية والرعاية للأشجار التي لا يمكن أن تنقطع عنها المياه وإلا تموت.
ويتابع، في السابق كانت الأمر أسهل إذ ننتهي من ري المزارع والعناية بها في شهر تشرين الثاني ونبدأ في شهر أيار وهي الفترة التي يكون فيها فصل الشتاء، أما في السنوات الأخيرة ومع انحسار الشتاء في ثلاثة أشهر فقط (12-1-2) أصبحنا مجبرين على مواصلة الري خلال التسعة شهور الأخرى لينجح موسم الحصاد الذي غالبا ما يكون في شهر أيلول.
شائعات و شكاوي الأسعار
وسنويا يشتكي المستهلكين من غلاء أسعار الجوافة بمختلف أصنافها ما بين دينار ونصف إلى أربعة دنانير أردني، وهنا يوضح الغوانمة لرصيف سعر الكلفة لـ كيلو الجوافة الواحد بدءا من دينار في المزرعة ومن ثم النقل إلى المشغل في البلدة مع أجرة العمال والتكاليف الأساسية للعناية بالشجرة وصناديق العرض يصبح السعر دينار ونصف.
وتستلزم عملية النقل اليومي للعاصمة 100 دينار وعند العرض في السوق المركزي ينبغي على التاجر أن يزيد من السعر حوالي 10-15% بدل ضرائب ومع هدف الربح أساس التجارة يصل سعر الكيلو الواحد دينارين ونصف إلى أربعة دنانير حسب المحال التجارية، هذا في حال الربح.
وأما عن الشائعات التي تنتشر سنويا مثل (جوافة مهرمنة) يستنكر الغوانمة تزاديها خاصة في فترة ذروة الموسم، ويؤكد أن المزارع لا يستطيع أن يغامر بمحاصيله ويخسر زبائنه فالمنتج لا مثيل له من خلال الطعم أو اللون أو الرائحة، ويؤكد أن ما يشكك به المستهلكين يأتي بسبب تنوع الأصناف التي تنتجها سحم دون غيرها.
لا برادات تخزين في سحم
وتاليا للعقبات، يقول الغوانمة أن فترة الذروة الموسم عندما تنتج مزارع سحم مع بقية مزارع المملكة مثل مزارع ومادبا والطفيلة والأغوار وغيرها حوالي 200 إلى 300 طن جوافة يوميا رغم أن حاجة السوق لا تتجاوز 50 طن.
ويبقى مشروع تدشين برادات تخزين حلم مشترك يحتاج لتمويل كبير لتحقيقه مما يساعد في إطالة عمر الموسم وضمان عدم تلف المحاصيل وفسادها في حال لم تباع في يوم القطف ومن ثم تصديرها للدول المجاورة، حسب الغوانمة.
بيانات رسمية
صرح رئيس بلدية الشعلة المهندس معاوية الخزاعلة لعمان نت، أنه تم عقد عدة اجتماعات خلال الشهور الأخيرة بحضور الحاكم الإداري ومديرية زراعة لواء بني كنانة، خرجنا بها بإتفاق مع مالكي المزارع بصيد الخنازير للتخلص منها بطرق لا تتسبب بتلوث بيئي في المنطقة “مصائد”.
ويوضح الخزاعلة حساسية المنطقة عسكريا كونها تتصل مع الحدود السورية من جنوبها الذي يشهد أحداث أمنية نشطة ومن الجانب الآخر فلسطين المحتلة، ومن جانب دولتنا تحقق نقطة الجيش قوة أمنية تحمي المزارع من التخريب أو التسلسل أو أي أحداث أمنية محتملة، بالتالي أي إجراءات وقرارات تصدر لمالكي المزارع تأتي لغاية تنفيذ الأمن والحماية.
وأشار الخزاعلة أن لحساسية المنطقة يترتب علينا الحصول على موافقة الأجهزة العسكرية لتنفيذ أي تطورات إدارية وتنفيذية فيها، أو حتى الوصول إليها إلا وفق تصاريح عسكرية أيضا.
وأما عن الطريق الزراعي “للشريعة” يؤكد الخزاعلة أن البلدية قدمت مخاطبات عدة منذ سنوات لوزارة الأشغال العامة وما كان ردها إلا غياب الإمكانيات المالية للتعبيد وصيانة الطريق، مناشدا من خلال رصيف أن تلتفت الجهات المعنية لهذه القضية التي طالما شكلت معاناة وخطر على سلامة المزارعين.
وفي شأن برادات التخزين، يقول أنها تعتبر حق لمزارعي الجوافة في سحم بعد أن قاموا بتحويل “الشريعة” من مجمع للحيوانات والأشجار الحرجية إلى منطقة زراعية رائدة تعتاش عليها أكثر من 400 عائلة، ونجحوا أن يدرجوها في الخريطة الاقتصادية للدولة.
بالتالي على الدولة دعمهم بعد أن كان تم رفض مشروع البلدية (مصنع متكامل لمنتجات سحم الكفارات مثل الجوافة والرمان والحمضيات) من قبل وزارة التخطيط رغم أنه مشروع كان سيحقق عوائد اقتصادية كبيرة جدا، وفقا للخزاعلة.
وصرح مدير مديرية زراعة لواء بني كنانة المهندس عبدالإله عبيدات لعمان نت، أن المديرية تتابع مع “مزارعي الجوافة” جميع مشاكلهم أبرزها الآفات الفتاكة مثل الخنازير التي ليست من إختصاص الزراعة من الأصل بل تتبع قانونيا إلى وزارة الإدارة المحلية، وما نقوم بمكافحته هي الآفات الحشرية والفطرية.
وقال العبيدات “ الأشد فتكا هو البق الدقيقي الذي شكلنا للمكافحته عدة محاضرات توعوية للمزارعين بالإضافة لذبابة الفاكهة”، وسعيا لرفع المستوى التوعوي لزراعات صحية ناجحة ستقوم المديرية بإشراك عدد من مزارعي جوافة سحم في مشروع توعوي لخمسة محاور متخصصة بالتعاون مع المركز الاستشاري الدولي في هولندا، وهو يهدف لتبادل الخبرات الزراعية وتعميمها ضمن برنامج عمل متكامل ومتتابع ينفذ داخل اللواء الشهر المقبل.
وعن السماد العضوي، أشار العبيدات أنه غير صحيح ما يشاع عن منع الزراعة من إستخدام هذا النوع إنما تمنع المزارعين من إدخال السماد العضوي غير المخمر مما له أضرار صحية وبيئية، داعيا المزارعين للتعاون وتبادل الخبرات ما بينهم لنشر التوعية العلمية للإدارة المتكاملة لمزارعهم.