"جاريد كوشنر" يَدرس الإعلام العربي

 لأول مرة، وبتوجيهات من جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومستشاره الأول، والمسئول عن عملية السلام، بدأت الوكالات الحكومية في الولايات المتحدة الأميركية بتكريس أدوات بيانات وخبرات بشرية؛ لتعكف على تصنيف وسائل الإعلام العربية في ما يتعلّق بتغطيتها عملية السلام في الشرق الأوسط.

وكانت الحكومة الأميركية قد قيّمت ما يربو على خمسين مؤسّسة إعلامية إقليمية، وفقاً لتأثيراتها ومواقفها تجاه سياسات الحكومة الأميركية في الشرق الأوسط، وفقاً لتقارير حساسة من وكالات مشتركة ومراجعة حصرية من قِبل شركة ماكلاتشي  (McClatchy).

وقال ثلاثة من كبار المسؤولين في الإدارة إن الغرض من مشروع كوشنر هو التواصل مع السكان المحليّين بأكبر قدر ممكن من الفاعلية؛ للوصول لفهم أفضل "لما يقود الشارع" في جميع أنحاء العالم العربي؛ ليتمكّن وفريقه من استهداف اتصالاتهم بدقة أعلى.

" الفكرة الكاملة هنا هي أننا قضينا وقتاً كبيراً في وضع خطة سياسية، وخطة اقتصادية، أردنا قضاء القدر ذاته من الوقت في فهم البيئة الإعلامية في الإقليم"، يقول أحد كبار المسؤولين في الإدارة.

" كنا نريد أن نفهم ما الذي يقود الشارع، لذا أردنا معرفة من هي الأصوات والمنافذ المؤثرة فيه"، يضيف المسؤول، مكملاً "كما بدأنا في البحث والتقييم. ما وجدناه هو أن هناك عدد منها مُعادٍ لأميركا وإسرائيل في الوقت الماضي، ممّن لم يكن لديها اتصال أو مدخل للحكومة الأميركية".

وقد كلّف كوشنر، بالمشروع في أغسطس 2018، بعد فترة وجيزة من استكماله وفريقه السياسي صياغة العناصر السياسية الرئيسة في خططهم للإسرائيليين والفلسطينيين.

وتنقسم التقارير إلى قسمين: أحدها يُقيّم الاستهلاك العام للأخبار في كل دولة بالمنطقة، بما في ذلك التوزيع القائم حسب العمر واستخدام الإنترنت ونسبة الأشخاص الذين يستقون معلوماتهم من خلال أجهزتهم المحمولة أو الصحف أو التلفاز.

أما النوع الثاني من التقارير، فيفحص وسائل إعلامية محدّدة، ويقيّم حيادية كل مؤسسة في ما يخص تصويرها للسياسة الأميركية وتقييم تأثيرها وإدراج ملكيّتها، وفق تحليلات من قِبل وكالتين حكوميتين لفحص المواد المتاحة للجمهور.

تأتي التقارير بصوة تفصيلية بشكل كبير. على سبيل المثال، اكتشف فريق كوشنر أن انتشار الهواتف المحمولة بين الفلسطينيين مرتفع لدرجة أن الأغلبية يستقون أخبارهم من خلالها، أثناء الانتظار لدى نقطة تفتيش إسرائيلية.

وقال مسؤول كبير آخر في الإدارة "هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها - بشكل منهجي- تحديد أن هذه هي وسائل الإعلام التي تتمتع بأكبر قدر من الوصول للجمهور، وهذا هو الشكل الخارجي لها، وهذه هي نبرتها في التعاطي مع السياسة الأميركية"، مردفاً "جميع الأجزاء كانت موجودة من قبل، لكن لم يتم تجميعها لإنتاج هذه الرؤى المحدّدة".

يُذكَر أن هنالك تركيز رئيس على كيفية وصف وسائل الإعلام في الشرق الأوسط للجهود الدبلوماسية للإدارة الأميركية، كما يتم تشغيل عمليات البثّ باللغتين العربية والإنجليزية من منصات إقليمية من خلال برنامج آلي يقوم بنسخ مجموعة من الكلمات المفتاحية والبحث فيها، بعد ذلك يتم التقاط مقطع مدته دقيقة حول كل كلمة مفتاحية، ليقوم فريق من الخبراء الحكوميين بمراجعة المادة؛ لمعاينة مدى حياديّتها من حيث إيجابية المحتوى أو سلبيّته.

يتم حساب متوسط هذه الدرجات؛ للحصول على تقييم عام لتغطية كل وسيلة إعلامية، ما يسمح للحكومة بتتبع ما إذا كانت التغطية تتحسّن بمرور الوقت، وتزويد فريق كوشنر بأدلة سليمة، وبالمثل يتم تحليل وسائل الإعلام المطبوعة والرقمية. وقال مسؤولون إن سفارات الولايات المتحدة ومتحدثين باللغة العربية من وزارة الخارجية يشاركون في جهود التواصل.

تقوم الحكومة الأميركية بتجميع الإعلام الأجنبي وترجمته منذ أكثر من خمسين عاماً، بدءاً من خدمة معلومات البث الأجنبي، ثم فيما بعد من خلال مركز المصادر المفتوحة؛ لتحليل المواد من أجل قيمتها الاستخباراتية. وأضاف المسؤولون أنّ كوشنر اتخذ خطوة إضافية في طلب تحديثات منتظمة معتمدة على البيانات، حول رأي وسائل الإعلام العربية؛ لاستخدام هذه المعلومات لتشكيل مجموعة من السياسات.

بحسب البيانات، فإن التغطية روّجت السلبية بشكل عام، على الرغم من أن بعض الكلمات المفتاحية حظيت باهتمام إيجابي في الأشهر الأخيرة. في حين أن كلمات مفتاحية محدّدة لا تزال حسّاسة؛ حيث استمرت عبارة بحث واحدة بالشكل السلبي وهي "صفقة القرن"، وهو لقب مستعار لخطة السلام.

كما أوضح المسؤولون أن الأولوية القصوى لكوشنر هي استهداف وسائل الإعلام العربية الأكثر نفوذاً بصرف النظر عن مدى توازن تغطيتها، كما أن قياس درجات الحيادية وفّر نظرة ثاقبة حول كيفية التعامل مع كبار الصحفيين والمديرين التنفيذيين لوسائل الإعلام.

تعكس استراتيجية الاتصالات ميل كوشنر نحو الحلول المبنية على البيانات؛ فقد كانت محور تركيزه خلال دوره كمستشار لترامب أثناء الحملة الانتخابية الرئاسية في العام 2016، وتعدّ هذه من المبادئ الأساسية لاستراتيجية إعادة انتخابه في سباق 2020. تستخدَم هذه العملية، المشار إليها غالباً بين علماء البيانات بـ "عملية استخراج البيانات"، في القطاع الخاص، من قِبل الشركات التي تستهدف الشهرة وجذب الاهتمام بمنتجاتها.

"يمكنك تطبيق ذلك على أي شي وتوسيع مداه. ما من مشكلة" يقول بينج ليو، عالم الكمبيوتر بجامعة إلينوي في شيكاغو، والذي قام بالبحث والكتابة بشكل موسّع عن هذه الممارسة، مضيفاً "إنها تنظر إلى هدف الآراء بالإضافة إلى الآراء نفسها".

كما أشار الخبير في الإعلام العربي سابقا في "فريدوم هاوس" وحاليا بمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، محمد عبد العزيز، إلى أنه يجب على المسؤولين الأميركيين أن يتصدّوا لتحديات "نمذجة الرأي" في المجتمعات المقموعة.

"أغلب الدول العربية استبدادية، ووسائل الإعلام تقع في قبضة الأجهزة الأمنية والمخابرات، وتوجد هناك عواقب إذا حادت الرسالة عن الخط الرسمي" يقول عبد العزيز، مضيفاً "السبيل الوحيد لتغيير التغطية هو من خلال الأنظمة نفسها؛ لأنه ليس لديها إرادة لمنح الصحافة الحرية أو المعارضة". لكن فريق كوشنر يقول إن المشروع كان حرجاً في فهم أي من الوسائل الإعلامية يصف سياسة الولايات المتحدة بعبارات سلبية.

ووفقا لمسؤولي الخدمة المدنية والأجنبية الذين خدموا في كلتا الإدراتين، فحملة الرئيس السابق باراك أوباما للاتفاق النووي مع إيران في عام 2015، تقارن مع حجم جهود الاتصالات الاستراتيجية الحالية لكوشنر. لكن مسؤولا سابقا في إدارة أوباما (كان قد شارك في إطلاق هذه السياسة التاريخية) نفى أن فريقه أمضى "المئات من ساعات العمل البشرية" في رسم المشهد الإعلامي في وقت مبكر، حيث يتقدم فريق ترامب قبل البدء في خطة السلام.

"الأمر الأقل أهمية من عملية المسح التي قاموا بها هو مسألة التنقل، وكيف يستخدمونه، وما الذي يتم نشره" يقول المتحدث السابق باسم مجلس الأمن القومي بإدارة أوباما، نيد برايس، مضيفاً "أنا أقل اهتماما بقدرتهم على التواصل من اهتمامي بجوهر الاتصالات نفسها". واتفق دينيس روس، المبعوث المخضرم في الشرق الأوسط والذي خدم الرؤساء السابقين بيل كلينتون وجورج دبليو بوش وباراك أوباما، مع السابق، مشيراً إلى أن الاتصالات الاستراتيجية لا يمكن أن تذهب أبعد من هذا الحد.

وأظهر استطلاع رأي صادر عن المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية  مطلع تموز/ يوليو الماضي أن 90% من الفلسطينيين لا يثقون في الإدارة الأميركية، كما يرى 80% أن مشاركة الدول العربية في الجهود الأمريكية هي بمثابة " تخل عن القضية الفلسطينية".

لكن المسؤولين الإداريين يقولون إنهم لاحظوا تحولاً واعداً في بيانات بحوثهم منذ إطلاق الجزء الاقتصادي من خطة السلام الخاصة بعنوان "السلام من أجل الازدهار" في البحرين حزيران/يونيو الماضي.

"أعتقد أن الأمر يصعب قياسه، لأنه بكل وضوح لم تكن ردود الفعل إيجابية حتى الآن، لكن إن لم يكن لديك هذا الارتباط فمن الصعب أن تصف كيف سيسوء الأمر أكثر من ذلك" يقول مسؤول في الخارجية، مضيفاً "الوصول إلى الجماهير المختلفة مهم للغاية".

في افتتاح مؤتمر البحرين، بدا "كوشنر" وكأنه قد تكيف مع نتائج الأبحاث، وعرض ملاحظات كما لو كان يعرف الجمهور جيداً، حين قال: "سخر بعض الناس من هذا الجهد مطلقين عليه اسم صفقة القرن، لكن الأمر في جوهره أكبر من مجرّد عقد صفقة".

أضف تعليقك