ما يلفت الإنتباه في جائحة كورونا على مستوى العالم ليس اثرها المباشر على حقوق الإنسان وحسب، فمن المعلوم اثرها المباشر على الحق في الصحة والحقوق المعيشية والحق في التنقل وغيره، بل ما يلفت هو اثرها المستقبلي المتوقع و الحاجة الى وضع منظومة حقوقية تقوم على اساس التضامن الدولي.
اثبتت جائحة كورونا ان المجتمعات الإنسانية تعيش فعلا في نظام معولم، حيث التشابه يسود اكثر من التباين في اثر الجائحة على مستوى العالم، بحيث لم تترك دولة ما من شرها اي كان نظامها وقوتها الإقتصادية او السياسية او غيرها، وكان أحد أسباب انتشار المرض هو التواصل البشري عبر الدول ولم ينحصر في داخل الدولة الا ان كانت قد اغلقت حدودها سلفا، وكأن الحدود التي سعىت دول العالم في ظل العولمة الى التباهي في إنفتاحها على العالم ومدى حرية الحركة عبر حدودها اصبحت تلك الدول تدفع ضريبة ذلك بالإنتشار الكاسح والسريع للكورونا، بالطبع ان التقدم في وسائل الإتصال ساعدت بشكل كبير في ذلك، ولكن عودا الى ذي بدئ، ما العمل ؟ وما هو موقف القانون الدولي لحقوق الإنسان من التضامن الإنساني ؟
لن نستعرض ما ورد من حقوق في اتفاقيات حقوق الإنسان والتي ينبغي تطبيقها في كل الأوقات، بل ان هنالك حقوقا لا تمس حتى في حالات الطوارئ، ولن اتكلم عن آليات الأمم المتحدة لمساءلة الدولة عن تطبيق حقوق الإنسان، ولكن ان اكثر ما يثيرني هو ضعف مفهوم التضامن الدولي في مجال حقوق الإنسان في منظومة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، وهو الجيل الثالث لحقوق الإنسان " جيل التضامن والتسامح" والذي بحق يعاني من ضعف في عدة أوجه، أولها، أنه لا يتضمن هذا المبدأ آلية لهذا التضامن على المستوى الدولي، كما انه لا يخضع لآليات المحاسبة في حال لم تقم دولة او دول قوية او قادرة على مساعدة دول اخرى على تقديم المساعدة المالية والتقنية والفنية لدول اخرى ذات حاجة، ثالثا، أن المواد والتفسيرات ذات الصلة بضمانات احترام حقوق الإنسان في حالات الطوارئ خاصة تلك الواردة في المادة 4 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لم يرد فيا اي شيئ عن التضامن الدولي في حالة الطوارئ، وجل ما ركزت عليه عدم مس الدولة لطائفة من الحقوق.
كما أن الحق في الصحة والوارد في العهد الدولي الخاص بالحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية، قد ذكر مليا تفصيلات هامة حول تعريفات عن الحق في الصحة والإجراءات التي ينبغي ان تتخذ والقيود الممكنة واشكال الألتزامات على مستوى الإحترام والحماية والأداء الا انه غفل بشكل واضح عن ذكر التزامات الدول فيما بينها وبالتعاون بشكل صريح عبر آليات محددة خاصة في حالة الطوارئ لأسباب صحية كالوباء.
خلاصة القول ان ما يلزم اجندة حقوق الإنسان، هو اعادة تعريف او تطوير حقوق الإنسان في حالات الطوارئ بحيث تتضمن منظومة تعاون دولي لوضع تدابير مشتركة عبر دولية لمجابهة الكوارث الطبيعية والأوبئة، تعزيزا لتفعيل مبدأ التضامن والتسامح، وأن يدخل ذلك ضمن آليات المسائلة الدولية سواء في مجلس حقوق الإنسان في الإستعراض الدوري الشامل او في الآليات التعاهدية.
اعتقد ان على الامم المتحدة العمل على وضع اتفاقية دولية متخصصة تعزز من مفهوم التضامن والتسامح في حالات الكوارث والأوبئة واللجوء وغيرها والتي تتطلب تعاونا اساسيا في تطبيقها، حيث أن هذه المسائل لا يمكن حلها دون تضافر الجهود الدولية، وأن يكون ذلك خاضع للمساءلة الفعلية ويضع التزامات عملية على الدول وليس من باب التطوع والمبادرات الفردية، كما ينبغي أن تنشئ مبادئ تتضمن الإلتزامات الإيجابية التي ينبغي للدولة ان تقوم بها في مواجهة الوباء مع الحفاظ على منظومة حقوق الإنسان، وليس الإكتفاء بما هو وارد في شروط تطبيق اعلان حالة الطوارئ من الإلتزام بضمانات بعدم المس بحقوق الإنسان ، بل المطلوب ما هو اكبر من الضمانات بعدم المس سلبا بالحقوق وانما ما هي الإجراءات التي ينبغي اتخاذها لمواجهة الوباء من منظور حقوق الإنسان، اي كيف تكون حالة الطوارئ تستهدف أداءا افضل لحقوق الإنسان من خلال مواجهة الوباء، مثل ما هي معايير السلامة العامة، ما هي التدابير التي ينبغي بها الحفاظ على الحقوق الإقتصادية والمعيشية، تبادل الخبرات والمعلومات وافضل الممارسات في وضع برامج مواجهة الكوارث والوباء، كيف يمكن الحفاظ على الحق في الصحة توازيا مع متطلبات الأمن والسلامة، كيف يمكن التواصل بين الناس في ظل فرض القيود على التنقل، وغيرها من المسائل.
إن جائحة كورونا التي يعيشها العالم لأكبر مثال على ان العالم يعيش في قرية كونية واحدة، وأن المخاطر على الجنس البشري لا تستثني أحدا، فإن كانت الجائحة هي ضريبة لهذه العولمة فإن التضامن والتسامح الإنساني العالمي أصبح اكثر الحاحا من أي وقت مضى .