تُلام إدارة بايدن عمّا يحدث في لبنان

الرابط المختصر

ليس من السهل إلقاء اللوم على دولة تبعد آلاف الأميال، مثل الولايات المتّحدة، لما يحدث في لبنان، لكنّ الواقع هو أنّ إدارة الرئيس بايدن متواطئةٌ، وتتحمّل مسؤوليةً كبيرةً عمّا يجري. فبعد رفض الرئيس جو بايدن استخدام حقّ النقض (فيتو) ضدّ قرارات وقف إطلاق النار السابقة في غزّة (بينما وافق على وقف إطلاق النار في أوكرانيا)، أصدر خطةً في يوليو/ تمّوز الماضي، ثمّ حصل على ختم الموافقة من مجلس الأمن. قبلت حركة حماس الخطّة، لكن إسرائيل التي قبلت الخطّة (في البداية)، قرّرت إضافة شروط. طلب الرئيس بايدن، المُزوِّد إسرائيل بالأسلحة، من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عدم دخول رفح، فردّ باحتلال محور فيلادلفي (صلاح الدين) بالكامل، وهذا انتهاك لاتفاقية كامب ديفيد بين إسرائيل ومصر المُوقَّعة برعاية الولايات المتّحدة. ماذا فعلت الولايات المتّحدة؟... أعطت إسرائيل مزيداً من الأسلحة، بينما عبّرت علناً عن قلقها.
لقد أرسلت الولايات المتّحدة كبارَ مسؤوليها (رئيس وكالة الاستخبارات المركزية ووزير الخارجية ومستشار الأمن القومي) إلى مصر وقطر، لكنّهم لم يتمكّنوا من تغيير وجهة النظر الإسرائيلية التي انحرفت عن خطّة بايدن. وما زاد الطين بِلَّةً، حصول بنيامين نتنياهو على موافقة واشنطن على شنّ هجوم محدود على حزب الله. وكانت النتيجة جريمةَ حربٍ دوليةٍ تتمثّل في تفخيخ أجهزة اتصال هاتفي وتفجيرها، وأجهزة اتصال لاسلكية، بعضها موجود في المنازل أو في محلّات البقالة أو في المستشفيات. وقد قُتل العشرات من اللبنانيين، بمن فيهم الأطفال والعاملون في المجال الطبّي. ومع ذلك، لم تُشبَع شهية الإسرائيليين، لأنّ سكّان المنازل المتاخمة للحدود لم يعودوا يسكنون في بيوتهم، بل اضطروا إلى المبيت في فنادقَ، بعيداً من منازلهم.

 لا يمك للولايات المتحدة الوقوف مكتوفةَ الأيدي أو إرسال مبعوثين من الدرجة الأولى من دون منحهم الأدوات الحقيقية لوقف هذا الجنون

ومرّة أخرى، أعطت الولايات المتّحدة "الضوء الأصفر" لشنّ هجوم محدود على لبنان، متناسين ادّعاء آرييل شارون في عام 1982 بأنّ إسرائيل لن تحتلّ سوى أربعين ميلاً في جنوب لبنان، ثم انتهى بها الأمر إلى حصار بيروت. وبقيت إسرائيل قوّةَ احتلال في جنوب لبنان حتّى عام 2000، عندما هزمها خلفاء منظمة التحرير الفلسطينية المُعتدلة، حزب الله.
والآن تغتال إسرائيل أمين عام حزب الله، وهو في الأساس الشخص المُنضبِط في السيطرة على مقاتليه، ومُؤكّد أنّ من يخلفه سيستمرّ على طريقته إن لم يطوّرها ويزيد عليها. فكما حصل مع اغتيال إسماعيل هنيّة سيحصل مع نصر الله، والأمر قد يُشكّل نكسةً نفسيةً للمقاتلين وللمُؤيِّدين، إلّا أنّها كما أيّ اغتيال في تاريخ الحروب لا تحسم الأمر وحدها. أين الولايات المتّحدة في هذا كلّه؟ لا يمكن العثور عليها في أيّ مكان. بايدن غير قادر على إجبار حليفه الإسرائيلي التزام موافقة قدّمها للمفاوضين في يونيو/ حزيران، رغم أنّ خطّة بايدن التي دُوِّنت في قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتّحدة رقم 2735 (2024)، الذي يقترح اتفاق وقف إطلاق نار شامل من ثلاث مراحل لإنهاء الحرب في غزّة، وحثّ كلٍّ من إسرائيل و"حماس" على تنفيذه بالكامل، ومن دون تأخير أو شروط.
غرّد الناشط الإسرائيلي جيرشون باسكين، وظهر في شبكة سي أن أن أنّ "حماس" توافق على إنهاء الأمر مع إسرائيل خلال ثلاثة أسابيع، بما في ذلك تبادل الأسرى والجثامين، في حال وافقت إسرائيل على الانسحاب من غزّة، بحسب خطّة بايدن. فهل لرئيس أميركا الاستعداد لاستخدام نفوذ بلاده الواسع للضغط على إسرائيل، خاصّة أنّه ليس مُرشَّحاً للانتخابات، أي إنّه لن يتأثّر بالضغوط المُحتمَلة من اللوبي المُؤيِّد لإسرائيل.
تصرّ إسرائيل على أنّ حزب الله يسبّب إزعاجاً للإسرائيليين الذين أجبروا على العيش في الفنادق بدلاً من منازلهم. قال زعيم حزب الله، الراحل حسن نصر الله، في خطاب سابق، وعلى الرغم من غضبه الشديد من هجوم أجهزة "البيجر" واغتيال كبار قادته، إنّ جميع الهجمات من لبنان ستتوقّف إذا تمّ التوصل إلى اتفاق في غزّة. لا نعرف ما إذا رغب من يخلفُه في الأمر نفسه، لكنّ ذلك غيرُ مُستبعَدٍ، لأنّ القتال كان مبنياً على مبدأ الإسناد، ولكن قواعد الحرب ربما تغيّرت حالياً.
إذا كان هناك شيء واحد يتّفق فيه الإسرائيليون فهو أنّ قادة حزب الله أكثر جدارةً بالثقة من رئيس وزرائهم. نتنياهو نفسه يعتمد أيضاً على ذلك، لأنّه يعرف أنّه إذا انتهت الأعمال العدائية باتفاق، فسيحترم مقاتلو حزب الله أيَّ اتفاق يجري التوصّل إليه. ولكنّ المشكلة أنّ الإسرائيليين يريدون من حزب الله فكّ ارتباط أيّ اتفاق في لبنان بغزّة، فيما سيصرّ من يخلف رئيس حزب الله على موقف الرئيس المحبوب، أيْ إنّه من الصعب التوصّل إلى وقف لإطلاق النار في لبنان من دون وقف لإطلاق النار في غزّة.

يريد الإسرائيليون من حزب الله فكّ ارتباط أيّ اتّفاق في لبنان بغزّة، وهو ما قد يصرّ عليه خليفة نصر الله

قد يحاول الإسرائيليون الادّعاء بأنّ التصعيد الإسرائيلي في لبنان محاولة لإحلال السلام في شمال إسرائيل، ولكن في الواقع أنّه تحرّك شرير من جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي لتحقيق حلمه في حرب إقليمية. فبعد أن دفع الاحتلال الإسرائيلي إدارة الرئيس الأسبق جورج بوش إلى القضاء على صدّام حسين، بناءً على اتّهام ملفّق بحوزة العراق سلاح الدمار الشامل، أقنع المحتلّ الرئيس السابق دونالد ترامب بتمزيق اتفاق دولي يقيّد تطوير البرنامج النووي الإيراني. الآن يريد نتنياهو حرباً مع إيران، ويعلم أنّه إذا دخلت إيران في حرب مع إسرائيل فلن يكون أمام واشنطن خيار سوى الدفاع عن إسرائيل. وعلاوة على ذلك، عندما اغتالت إسرائيل الشخص الذي كانوا يتفاوضون معه (هنيّة) والذي كان على أرض إيرانية ذات سيادة، أدّى هذا إلى رفع المخاطر. وبينما لم تردّ إيران بشكل مباشر، فإنّ حليفها في لبنان فعل ذلك.
من الواضح في تصريحات المسؤولين الإيرانيين أنّ من الصعب استدراج إيران إلى مثل هذه الحرب، لكنّ الولايات المتّحدة لديها مشكلة حقيقية في لبنان، ولا يمكنها الاستمرار في الوقوف مكتوفةَ الأيدي أو حتّى إرسال مبعوثين من الدرجة الأولى من دون منحهم الأدوات الحقيقية لوقف هذا الجنون.
يجب إطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين، والسجناء الفلسطينيين الذين يُحتجَز العديد منهم من دون محاكمة أو تهمة، وتمنع إسرائيل الصليب الأحمر من زيارتهم. يجب على الإسرائيليين الانسحاب من غزّة، ويجب إطلاق جهد صادق على الفور لإنهاء الاحتلال، الذي دام 57 عاماً للمناطق الفلسطينية المحتلّة عام 1967. يمكن إيقاف التصعيد في لبنان بسرعة إلى حدّ ما إذا تصرّفت إدارة بايدن بحزم، واستخدمت جميع الوسائل السياسية المتاحة لها بما في ذلك حظر الأسلحة، والعقوبات إذا لزم الأمر، لحمل الإسرائيليين على قبول وقف إطلاق النار في غزّة. قرار حاسم يخصّ غزّة مرتبط بعقوبات لمن يخالفه سيُؤدّي على الفور إلى وقف هجمات حزب الله، ويمكن لكلّ من الإسرائيليين واللبنانيين العودة إلى ديارهم.