توترات معان بين أعمدة كتاب الرأي
مع تجدد التوترات في مدينة معان خلال الأيام الماضية، واصل كتاب الرأي في الصحف اليومية قراءاتهم وتحليلاتهم لأسباب هذه التوترات، ومدى نجاعة التعامل الأمني في المدينة الجنوبية.
الكاتب عمر كلاب، يستحضر ميزات المدينة جغرافيا واقتصاديا، حيث كانت معان منذ القرن الماضي حاضرة في الذهنية السياسية "كمحافظة مشاكسة، ومدينة تنضبط بصرامة لواقعها الصحراوي الجاف وغضبها السريع الأشتعال".
ويشير كلاب إلى حيوية المدينة الحدودية التي منحتها فرصة لإنتاج اقتصادها الخاص والذي كان بأغلبه اقتصادا موازيا غير خاضع لظروف البيئة الاقتصادية الأردنية وقوانينها، بحيث باتت المدينة تعتاش على جهدها الخاص وما تيسر من وظائف رسمية بأغلبها وظائف ترضية على حساب المشاريع".
ويضيف بأن معان "باتت مثل الصندوق الأسود الذي يحتفظ بأسرار لا يُكشف عنها"، حيث رسم الخيال الشعبي ونسجت صالونات النخبة آلاف الحكايا عن أسرار معان وتفاصيلها، تارة بأصابع خارجية وتارة بأصابع داخلية لنخبة معانية تستثمر في أوجاع البسطاء من أجل مكاسب سياسية.
ويصف الكاتب تعامل الحكومة مع ملف معان بالـ"سطحية"، وبـ"طريقة المياومة السياسية"، فتستخدم العصا بإفراط للترهيب، وتارات تفتح الخزائن للترغيب دون وجود سياسة واضحة قائمة على التنمية المستدامة سياسيا واقتصاديا مع ضرورة بقاء هيبة الدولة في أوضح تجلياتها.
ويستعرض كلاب نتائج دراسة لمركز الدراسات الاسترتيجية في الجامعة الأردنية في بداية الألفية الثالثة حول واقع معان وأزمتها، والتي أظهرت أن الواقع الاقتصادي في معان مرتبط بالجوار وبالحدود أكثر من ارتباطه بالمركز، وعلاقة أهلها مع الأجهزة الأمنية والقوات المسلحة علاقة ترابط واحترام ومحبة، ولكنها ليست كذلك مع الأمن العام.
وتشير الدراسة إلى افتقار معان كمدينة للحواف التابعة والأحياء المجاورة، مما اأكسب المدينة سمة الخشونة الزائدة الناجمة عن قلة التنوع السكاني.
"تأديب المدينة":
يتساءل الكاتب فهد الخيطان في مقال له إن كان اقتحام منزل للقبض على مطلوب يستدعي ما وقع من استخدام مفرط للقوة، وما نجم عن ذلك من مقتل مواطن بريء وإصابة حرجة لسيدة، وثلاثة من أفراد الدرك، و... فرار المطلوب؟.. ولماذا نعيد الأزمة إلى مربع التصعيد الآن وبهذا التوقيت؟
ويؤكد الخيطان على الحاجة لمراجعة المقاربة الأمنية في معان، رغم تفهم التبريرات في بعض الحالات، حيث "سيكون الموقف خطيرا لو انفجرت معان هذه المرة؛ العلاقة بين الأجهزة الأمنية والأهالي متوترة والثقة معدومة، ويمكن أن يؤدي الاحتكاك الجماعي إلى عواقب وخيمة".
ويشير إلى أن الأجهزة الأمنية تلقي القبض على مطلوبين كل يوم في مواقع عديدة في المملكة معتمدة أسلوبا احترافيا دون حاجة لاستخدام القوة، أو الإفراط في استخدامها، إلا أن الملاحظ في معان الميل غير مسبوق لاستخدام القوة، واللجوء إلى أسلوب الاقتحام المسلح للقبض على المطلوبين، وفي معظم الحالات يفلت هؤلاء.
و"لاجدال حول حق الدولة في استخدام القوة لفرض القانون، ولسنا بصدد الدعوة للتنازل عن سيادة القانون بدعوى الظروف الاستثنائية. الخلاف هو على الأسلوب؛ ففي بعض الأحيان قد يؤدي استخدام القوة إلى تقويض سلطة القانون عوضا عن تعزيزها"، بحسب الخيطان.
كما يرى الكاتب محمد أبو رمان أن النقاشات والحوارات التي تتم بين الحكومة وممثلين عن محافظة معان تخرج تماماً عن الأسئلة المركزية المهمة، وتذهب باتجاهات سطحية ومواقف مسبقة، ليبقى الحوار الجاد المعمق غائبا، والأزمة تتراكم وتتدحرج وشكوك المواطنين في المحافظة تزداد وتتجذّر حول وجود "شيء ما" و"قرار معيّن" لتأديب المدينة منذ العام 1989!
ويعرض أبو رمان الرواية الرسمية لتفسير أحداث معان، والتي تصر على فرض القانون والأمن على المدينة ورفض العصيان والتنمّر وتوفير "شبكات حماية" للمطلوبين والخارجين على القانون، مختزلة إشكالية العلاقة مع المحافظة في قصة الخلاف حول "أراضي المكرمة الملكية" في موقعها والتعامل معها، وهي الرواية التي يصفها الكاتب بالبعيدة تماماً عن الاقتراب من جوهر الأزمة.
أما الرد على هذه الرواية الحكومية فتتمثل بأن حالة الخروج على القانون والتمرد والاستعصاء.. نتيجة إهمال وتجاهل طويل المدى خلال السنوات الماضية بأسرها، فالمشكلة لا تقف عند حدود عدد من المطلوبين توفّر المدينة حماية لهم، بل في سياق اجتماعي كامل يشعر بحالة من الاغتراب والغربة عن الدولة.
ويؤكد أبو رمان أن الإصرار على الحل الأمني سيأتي بنتائج عكسية، وسوف يعزز التوتر بين أهل المدينة والأمن العام، بدلاً من إيجاد مخارج ورؤى توافقية وخريطة طريق لإنهاء هذا السياق الاجتماعي المقلق المتنامي باتجاه القطيعة والانفصال السياسي بين الدولة والمجتمع المحلي في المدينة.
التنمية طريقا للحل:
يخلص الكاتب أبو رمان إلى أن هنالك مشكلات تحتاج إلى إدارة سياسية حكيمة للتعامل مع التشابكات والتعقيدات المختلفة، مشيرا إلى أن ثمّة أسئلة مهمة وأساسية يعرفها رئيس الوزراء والحكومة، يطرحها أهل معان والمراقبون، لعلّها المدخل الصحيح للتعامل مع هذا الملف المعقد، من بينها قصة تسريب الصور والتسجيلات المصورة المسيئة للأمن ولأهل معان ومصدر ذلك، لما تؤديه مثل هذه التسريبات من زرع للفتنة والكراهية والأزمة، وثانيها السؤال عن الأسباب الكامنة في هذه التحولات الكبيرة في المجتمع هناك وكيفية علاجها
ويشدد الكاتب عمر كلابعلى أن ملف معان ملف تنموي بامتياز، موضحا أن التنمية تفترض التأهيل والتدريب وليس المهادنة في التعيين على المشاريع، وأن تنشيط الاستثمار العام يتطلب هيبة الأمن لطمأنة المستثمر والموظف القادم من خارج المحافظة.
فـ"التنمية عملية شاملة فيها الاقتصادي والسياسي والأمني، وهذا المثلث هو الذي يقيم السياج على حدود المحافظة ويضمن إيقاعها المنضبط وليس أي شيء آخر".
فيما يخلص الكاتب الخيطان إلى أن الأردن لا يحتمل في مثل هذه الظروف قلاقل داخلية؛ "يكفيه مافيه من مشاكل وأزمات.. كل مسؤول في موقعه ينبغي عليه التفكير بأفق أوسع من شباك مكتبه، وينظر إلى الصورة الكلية من حوله عند كل خطوة يخطوها، والصورة كما تلاحظون مرعبة وخطيرة".