تواصل
يسألك زميل: كيف الحال، كيف الصحة؟ تجيب الحمد لله بخير، يظهر اهتماما بك، فيواصل النبش في أعماقك، تبدو متعبا ومهموما، هل أنت مريض، هل ثمة مشكلة؟ أنت لست مريضا ولا مهموما، ولكن يجب أن تكون دائما مسليا ومرحا وتضحك وتمزح، وإلا فإنك تتعرض لاستجواب قاس ومرير من الزملاء والأقارب والمعارف وسائقي التاكسي، وكونترولية الباصات، تحاول أن تكون مهذبا
وتجاري الزميل متواصلا مع حديثه واهتمامه، فتقول: آه والله تعبان شوي، يبدو أني مفلوز، فيقدم لك نصائح عظيمة عن الأعشاب والليمون والثوم والبصل والحلبة والحبة السوداء والحنظل، ويحذرك من المضادات الحيوية، فتشكره وتحاول أن تمضي إلى عملك. فحين تكون علاقتك مع رب عملك مرتبطة بإنجازات واضحة ومحددة، مقالة مثلا أو تحقيق أو صفحة تنتظرها المطبعة، فلا يفيدك بشيء قانون العمل ولا الإجازات المرضية والأعياد والظروف الجوية، ولكنه يستبقيك ليحدثك عن قصص الشفاء الحاسم لمرضى الإنفلونزا والسرطان والسكر والضغط بسبب الحبة السوداء وبول الإبل وأكباد الضفادع اليتيمة، فتصغي متصبرا، فيلاحظ أنك شارد الذهن، وتجد أنك بحاجة لتهز رأسك وتبتسم وتعلق قليلا، مثل: والله؟ آاه، بتعرف؟ والله تصديقا لكلامك عديل صديق ابن خالة عديلي مرض وكاد يموت، ولم يفده الأطباء ولا المستشفيات حتى مايو كلينك عجزت عن مساعدته، وبعدين صار يشرب الغوصلان والحنظل المنقوع مع الدحنون، وشفي تماما، وهيه ما شاء الله زي الحصان، الزميل الذي تخرج من جامعات الولايات المتحدة يطلب منك برجاء أن تسأل عديل صديق ابن خالة عديلك يدبر له من هذا الدواء العظيم، فتقع في ورطة عظيمة لأنك تظل على مدار الساعة تتعرض لملاحقة في المكتب وبالهاتف الثابت إذا لم ترد على الموبايل لتوفر الدواء للزميل، وطبعا لن تفعل ذلك، وهكذا فإنك تخسر أحد الأصدقاء الأعزاء.
تتعلم درسا مهما في التواصل، وهو أن تكون حذرا في الادعاء حتى لا يطلب منك أحد ما لا تقدر عليه، فتقرر أن تحدث الناس عندما يسألونك عن همومك ومشكلاتك الخاصة، فالحلول والمطالب هنا ستكون معنوية ليس فيها كبريت أحمر ولا إكسير الحياة، تحدث الزملاء عن مشكلاتك مع ابنك في التعليم والمدرسة، عن رفاق المدرسة والمعلمين والمدارس والمناهج والنتائج المدرسية، وبالطبع فإنك تتلقى مجموعة كبيرة من النصائح المتوقعة، أنت تعتقد أنك تتواصل مع الزملاء، وهم يتسلون بالشفقة عليك ومساعدتك بالنصائح والأفكار، ما أخبار المدرسة؟ هل مازال ابنك في مدرسة خاصة؟ يا رجل اسمع نصيحتي وانقله إلى مدرسة حكومية، كيف تسمح له باللعب والخروج مع هؤلاء الرفاق، ماقرأت قوله تعالى "قوا أنفسكم وأهليكم نارا"؟ بتعرف؟ أخو المدام مدرس خصوصي ممتاز، شو رايك احكي معه؟ وهنا تصل اللعبة إلى نهايتها، ولا بد أن تضع حدا للتواصل، فتقفل الموضوع وتخبره أن ابنك تحسن في الدراسة، وأنه تعرف على رفاق ممتازين، وأنه صار يذهب إلى المسجد كل يوم، وسجل في جمعية المحافظة على القرآن الكريم، وأنك أوقفت دروس تعليم الموسيقى، ثم تنصرف إلى الكمبيوتر وتبدأ بقراءة الإيميل، فيقترب منك أكثر ويساعدك في قراءة الرسائل، فتتظاهر بالصداع، وتقترح الذهاب إلى الكافتيريا لشرب القهوة، وقبل أن تدخلا الكافتيريا، تذهب إلى الحمام، وتخرج مسرعا واضعا الموبايل على أذنك، وتخسر صديقا عزيزا آخر.
تقرر أن يقتصر التواصل على الانسحاب الأميركي من العراق ودور المقاومة في تحقيق الإنجاز، وهل جيش المهدي ضد أميركا ولا ضد المقاومة؟ والصراع العربي الإسرائيلي ومفاوضات الأسير شاليط والحوار بين فتح وحماس، والتنافس بين ليفنى وموفاز، إياك أن تظهر انحيازك إلى ليفني فكلهم يهود وصهاينة ولا فرق بين ليكود وعمل، ولكنك ستواصل خسارة الأصدقاء والفشل في التواصل.











































