تغطية مسيرة المئوية: نموذج لإعلام المجاملات

تغطية مسيرة المئوية: نموذج لإعلام المجاملات
الرابط المختصر

استطاعت الحملة الإعلانية الكثيفة التي اعتمدتها أمانة عمان الكبرى عن مسيرة المئوية أن تنتزع الكثير من التعاطف والمتابعة من قبل الصحف التي أفردت لها مساحات كثيرة خلال الأسابيع التي سبقت يوم قيام المسيرة الجمعة التاسع من تشرين أول. لقد تبنت الصحف الرواية الرسمية لأمانة عمان، فما دام الأمر احتفالاً بالعاصمة فإن أحداً لم يعترض أو يناقش وقد قامت الصحف بالواجب الاجتماعي المطلوب في مثل هذه الحالات.

 

في الأيام التي سبقت يوم تنفيذ المسيرة، تابعت الصحف اللمسات الأخيرة ونشرت جميعها أخبار آخر الاستعدادات وعممت مخططاً أعدته الأمانة عن الطريق التي ستسلكه المسيرة وعن الشوارع التي ستغلق أمام السيارات، كما وزعت الصحف مع أعدادها الصادرة يوم الجمعة تلك الخريطة على ورقة منفصلة، تبين أماكن تجمع الناس.


 
صحيفة "الرأي" خصصت كامل صفحات الملحق الثقافي الذي صدر مع عدد يوم الجمعة لمساندة المسيرة بشكل مباشر في بعض المواد وغير مباشر وعلى طريقة الأدباء والمثقفين في مواد أخرى. صحيفة "السبيل" كانت الأقل اهتماماً بالخبر لكنها غطته بالطبع ولم تتجاهله سواء في مرحلة الاستعداد وصولاً إلى التنفيذ. وفي "العرب اليوم" ورغم أن يوم الجمعة هو يوم عطلة بالنسبة لرئيس التحرير لكنه كتب بمناسبة المسيرة مقالة خاصة في عدد هذا اليوم، ولكنه لاحظ أن عنوان المسيرة وهو "مئوية عمان" يوحي بأن مئة عام هو عمر المدينة ككل، بينما هذا العمر هو لأول بلدية فيها، فهو احتفال بمئوية البلدية أو قل مئوية الحكم المحلي في عمان.


 
إلى هنا كانت المجاملة الصحفية أمراً مفهوماً ومقدراً، وأية مادة خارج هذا السياق لو نشرتها الصحف لكان تم تصنيفها في خانة "التنغيص الصحفي" على المحتفلين، وهذا الصنف من "التنغيص" يعد إحدى الممارسات الصحفية الشهيرة في البلد في بعض المناسبات.
 
لكن ما لفت الانتباه إلى أن المجاملة الصحفية تلك، امتدت لتشمل التغطية التي قامت بها الصحف للمسيرة ذاتها بعد أن جرت، أي في المادة الصحفية التي نشرت في عدد يوم السبت الذي تلا يوم المسيرة.


 
لقد تبادل الصحفيون والمراسلون فيما بينهم الكثير من الملاحظات التي لم تجد طريقها إلى النشر في اليوم التالي، واختارت الصحف أن تواصل قيامها بالواجب الاجتماعي المنتظر على الطريقة المعتادة، فتهنئ أصحاب المناسبة السعيدة دون أن تثير أية ملاحظات مزعجة أمامهم.


لقد تبنت جميع الصحف الصادرة يوم السبت أجزاء رئيسية من النص الذي نشره المكتب الإعلامي التابع لأمانة عمان الكبرى وذلك بعد أن نسبته كل الصحف إلى نفسها والى مراسليها باعتباره رأياً شكله المراسلون من الميدان، ولكن تكرار نفس الكلام داخل تقارير الصحف كشف الأمر.
 
الأكثر غرابة أن النص الذي بثه المكتب الإعلامي كان في كثير من عناصره يكرر نفس العبارات التي كان قد بثها نفس المكتب الإعلامي قبل قيام المسيرة، وكل ما جرى هو تحويل صيغ الفعل من المضارع إلى الماضي، وقد كررت الصحف نفس الكلام وبنفس الطريقة مرتين، وعلى لسان مراسليها.


 
صحيفتا الدستور والغد قدمتا إلى جانب التقرير الإخباري عن المسيرة زاوية بعنوان لقطات من الاحتفال، لكنها، وعلى غير عادة هذه الزوايا، كانت مليئة بالمجاملات بدلاً من ذكر الخفايا، وحتى عندما أشارت بعض الصحف إلى  التأخير الذي حصل في بعض فقرات المسيرة، فقد تم نسبه إلى تدافع الجمهور بما أعاق المشاركين، غير أن متابعي البث التلفزيوني والموجودين في الموقع كانوا يعرفون أن الجمهور الموجود لم يكن بمقدوره التدافع لقلته من جهة وللضبط العالي الذي مارسه المشرفون ورجال الأمن في الموقع من جهة أخرى.


 
توقفت التغطية عند هذا الحد باستثناء خبر صغير نشرته الصحف عن أن أمين عمان غير راض عن البث التلفزيوني الذي ركز على المنصة الرئيسية للاحتفال ولم يركز على الجمهور، ولكن أحداً في الصحف لم يسأل ولم يتحقق إن كان بمقدور كاميرات التلفزيون أن تعثر فعلاً على جمهور يكفي للتركيز عليه أكثر مما حصل فعلاً.