تطوير المنتج أهم من دعم المؤسسات الإعلامية

 

يناقش مجلس الأمة الثلاثاء مشروع قانون لتوحيد إدارات المؤسسات الإعلامية الرسمية في الأردن تحت مظلة قانونية وإدارية واحدة. ويشمل القانون هيئة الإذاعة والتلفزيون وتلفزيون المملكة ووكالة الأنباء الرسمية. ورغم أن المشروع لا يتطرق لدمج كامل لتلك المؤسسات إلا أن إلغاء التعدد والتكرار في الإدارات والبدء في العمل على دمجها، يعد أمرا صحيّا. فما هي الفائدة من ذلك التكرار؟ وما هو المنطق من وجود نشرات أخبار من فضائيتين رسميتين تبث اخبار أحيانا في نفس الوقت؟ ولماذا يتم الصرف على العديد من الفرق الإعلامية التي تغطي نفس الاحداث؟ فمثلا ليس من المنطق ان يشارك عدة فرق تصويرية لتغطية وبث نشرات او تقارير متطابقة ولكن بتكلفة مضاعفة.

من المؤكد أن هناك قدرة على تحسين ملحوظ في المضمون الإعلامي في حال توقف التكرار والعمل على تنوع المواضيع شكلا ومضمونا. ومن الضروري أن يشمل التعديل توسعا في تغطيات المحافظات بعيداً عن الأخبار البروتوكولية. فليس من المنطق في زمن دعم الدولة الأردنية لمبدأ اللامركزية أن تكون غالبية الإعلاميين والتقارير على التلفزيونين وفي وكالة بترا مركزة في العاصمة.

قد ينقل إلغاء التكرار العلاقة بين التلفزيون الأردني وفضائية المملكة، إلى نموذج العلاقة بين فضائية ام بي سي وفضائية العربية. فالأولي ترفيهية والثانية إخبارية على مدار الساعة. قد يكون هناك حاجة حتى في المحطة الترفيهية لموجز لأهم الأخبار لكي يعرف المواطن المتابع للقناة الترفيهية بأهم ما يجري في البلد. قد يكون الموجز من نفس المصدر مثلا المملكة، أو قد يكون من إنتاج طاقم مصغر جدا في التلفزيون ولكن الكادر الكبير الحالي العامل في الأخبار للتلفزيون الرسمي  يجب تقليصه. قد يتم نقل البعض إلى المملكة أو أن يتم العمل على تغيير طبيعة عملهم أو إنهاؤه تدريجيا، مع  ضرورة الوقف الكامل لأي تعيينات في مجال الأخبار في التلفزيون الرسمي.

وفي مجال الحديث عن الدمج لا بد من إيجاد حل للصحف اليومية والتي تعاني من وضع مالي صعب. وحيث تملك الدولة الأردنية ومن خلال مؤسسة الضمان غالبية أسهم صحيفة الرأي ونسبة كبيرة من أسهم الدستور، فإن المنطق يقول إن الحل المثالي هو دمج المؤسستين في وسيلة إعلام واحدة تكون مهنية ورشيقة وتركز على إنتاج الأخبار الجديدة والمتنوعة. ومن الضروري في هذا المضمار أن يتوقف التسريب غير المهني للمعلومات والمقالات التي تصل للصحيفتين شبة الرسميتين للمواقع الاليكترونية والتي يملكها أو يديرها نفس الموظفين العاملين في الرأي والدستور. فلا يفهم المواطن كيف يتم السماح لموظف في صحيفة ما أن ينشر ما يصل لتلك الصحيفة في موقع خاص أحيانا كثيرة قبل نشره في موقع الصحيفة الاليكتروني؟؟ كما ويجب أن تتوقف كليا إعادة نشر المقالات التي يتم دفع رواتب أو مكافآت للكتاب بنشرها في معظم المواقع الالكترونية دون أي عقاب قانوني على تلك السرقة الأدبية؟؟

وفي مجال تطوير المضمون، من الضروري أن تفكر الدولة الأردنية بإقامة صندوق لتحسين المضمون الإعلامي في كافة وسائل الإعلام الرسمي والتجاري والمجتمعي، شريطة ألا يتدخل القائمون على ذلك الصندوق بتفاصيل العمل الصحفي.

من الممكن أن تتم تغذية الصندوق من خلال إجبار الشركات الأردنية على دفع ضريبة مبيعات للإعلانات الرقمية المخصصة للأردن. فليس من المنطق أن يدفع المعلن في وسائل إعلام أردنية ضريبة مبيعات في حين لا يتم احتساب نفس الضريبة على من يعلن في المواقع العالمية العملاقة. كما من الممكن أيضا استيفاء رسوم من المؤسسات الرقمية مقابل النشر والاستفادة من الجمهور الأردني الذي يستهلك الانترنت بنسبة كبيرة، كما ومن الممكن استيفاء نسبة من خلال تنظيم عملية الملكية الفكرية والتي تذهب هدرا كما كبيرا من الدخل المحتمل بسبب عدم وجود وسيلة لضبط هذا الهدر من تسرب الملكية الفكرية للمواد المنتجة أصلا في الأردن.

وفي مجال المضمون، يجب العمل على خلق مضمون إعلامي جديد وجيد ويخدم الدولة الأردنية وليس الحكومة أو أية جهة خاصة.  فعلى سبيل المثال لا الحصر، يمكن للدولة الأردنية أن تدعم أي منتج إعلامي أصلي يصب في خانة التوعية الصحية أو النفسية لمرض الكورونا. كما ومن الممكن أن يدعم الصندوق أهداف الدولة الأردنية  العامة مثل ما جاء في خطة رؤيا 2025 أو في أي مجال قد يحدده القائمون على الصندوق، على أن يكون هناك تنوع حقيقي لمن يكون في عضوية هذا الصندوق، وأن لا يقترح القائمون ثيمات ومواضيع عامة، ودون التدخل في المضمون في صورته النهائية.

كما من الضروري إيقاف المؤسسات الإعلامية الربحية المملوكة من الجيش والأمن وأمانة العاصمة، والتي تحصل على مبالغ كبيرة من "الكعكة" الإعلانية رغم أن تلك المؤسسات تستفيد من مزايا الدولة من خلال شهرة اسم المالك (الجيش أو الأمن) والمكاتب والأبراج والموظفين التابعين للدولة.  فهذا يعتبر مخالفة واضحة لمبدأ التنافسية الحرة في المجال التجاري الإعلامي. كما ومن الضرورة تفعيل البند 22-ج من قانون الإعلام والذي يسمح بمنح إعفاء لمؤسسات بث إعلامي لا تبث أي إعلانات تجارية.

إن عملية تنظيم الإعلام الرسمي وغير الرسمي أصبح ضرورياً. فهناك حاجة ليشعر المواطن أن دينار التلفزيون يذهب لخدمة عامة ولخدمة الدولة بشكل عام وليس لخدمة الحكومة فقط، كما أن هناك حاجة إلى تعديل كامل للمنظومة الإعلامية من صحف يومية وإعلام تجاري وإعلام مجتمعي بحيث يكون هناك تناغم حقيقي وتكاملية وزيادة كبيرة بنوعية وتعددية المضمون الإعلامي في الأردن. إن التحدي كبير ولكنه أصبح أكثر ضرورة الآن من أي وقت سبق.

أضف تعليقك