تطوير الإعلام يبدأ بتقليل لا زيادة دور الدولة

الرابط المختصر

تمر الاردن ودول المنطقة وحتى العالم في ازمة حقيقية فيما يتعلق بالاعلام. فهو أصبح أكثر توغلا في حياة الناس ولكن في نفس الوقت أصبحت الدول غير قادرة كما كانت في السابق من السيطرة أو تحديد عمل الإعلام. للاسف تتجه بعض الدول لزيادة في التدخلات بدل من تقليلها علماً ان كل محاولة تقييد تسرع في ايجاد اعلام بديل. لا سيطرة كليا للدول حتى من خلال تشريعات أو أطر تنظيمية.  

تستخدم الحكومات، خاصة في عالمنا العربي، العديد من الطرق للسيطرة المباشرة وغير المباشرة على الإعلام. من التدخل عبر الهاتف إلى التوقف أو التأخير المتعمد لأي إجراء إداري رسمي يحتاجه المسؤول في الوسيلة الإعلامية. وتٌستخدم الإشاعات والتهم والتسريبات لوسائل الإعلام بمعلومات  للإساءة مهنيا، وأحيانا عائليا للصحافي. هذا أسلوب بات "عاديا" ومعروفا، وتعتمد كثير من الأنظمة. ولا يمكن أن ننسى تهمة العمالة لأميركا وإسرائيل وغيرها من الدول.

 

 الطريف في الأمر أن بعض الأنظمة التي تستخدم هذه "التهمة" على علاقة وثيقة بهذه الدول. إلا أنه اصبح ضرورياً إجراء تغيير جذري في هذا الموضوع فعلى الدول الذكية تقليل من تدخلاتها والعمل على اعادة توجيه الاعلام لخدمة الوطن وليس في خدمة الحكومات او سياسة معينة. وفي هذا المجال لا بد من قول كلمة قد تكون صعبة على الدولة الاردنية ولكن يجب ان تتوقف الدولة بقدر الامكان من ملكية وسائل إعلام تجارية تبث إعلانات وتنافس القطاع الخاص مثل إذاعات تملكها القوات المسلحة او الشرطة او امانة العاصمة.

يقبل بعض الصحفيين هذا التدخل الحكومي على مضض لعدة أسباب؛ منها معيشية وبعضها عائلية أو مجتمعية. فغياب الملكية المستقلة للإعلام يعني أن المالك أو الناشر أو رئيس التحرير المعين من المالك يضمن سير الأمور كما يريدها الحاكم وإلا خسر المالك امتيازاته وقربه من أصحاب السلطة والقرار. وقد طال الاحتواء الناعم، كما جاء في إحدى الدراسات التي أجراها مركز حماية وحرية الصحفيين في الأردن، نسب خيالية تفوق الـ 90 في المئة من الصحفيين.

جزء من المشكلة قانوني وتنظيمي؛ ففي غياب الحرية بامتلاك الإعلام من دون قيود وفي ظل المنافسة غير العادلة لتوزيع رخص البث والنشر، والتأثير غير المباشر على  شركات الإعلان وتوجيههم إلى الإعلان في وسائل إعلامية محددة، فإنه من الصعوبة أن ينمو قطاع إعلامي مستقل وفعال. ورغم أن غالبية الإعلام، المكتوب والمرئي والمسموع، في عالمنا العربي مملوك من الدولة، وإن بأشكال مختلفة، فإن الإعلام التجاري المستقل اسميا لا يجرؤ على محاسبة الحاكم ومن يدور في فضائه من أشخاص ومؤسسات ومجموعات ضغط لا تهتم بحرية الكلمة ونشر الحقيقة.

لذا فقد تمتلئ الصحف والتلفزيونات والإذاعات والمواقع الإلكترونية ومنصات التواصل الاجتماعي بأشخاص يقومون بعمل صحافي على مستويات مختلفة، إلا أن عنصر الصحافي المستقل، خاصة في عالمنا العربي، شبه مفقود ويعتبر عنصرا في خطر الانقراض.

خلقت الثورة الرقمية فجوة كبيرة في المنظومة الإعلامية. بين كبار المؤسسات الإعلامية ومجموعة كبيرة من المنصات الإعلامية. فمن ناحية وفرت الثورة الرقمية إمكانية لأي شخص أن يصبح ناشرا، وقد خلق ذلك كمّا كبيرا جداً من المنصات الإعلامية والتي تفتقد غالبيتها للمهنية الإعلامية. وفي ذات الوقت استولت المنصات الرقمية الجديدة على السواد الأكبر من دخل الإعلانات حيث أصبح ما يقارب من 80% من الإعلانات  العالمية وحتى المحلية منها والتي تنشر على مواقع رقمية ضخمة مثل فيسبوك وجوجل ويوتيوب.

 قد يعني هذا زيادة اهتمام الدول (وليس فقط الحكومات) في موضوع دعم مدروس للإعلام ولكن بدون التدخل المباشر في المضمون الاعلامي. هذا يتطلب عمل مدروس ومفيد في مجال دعم اعلام وطن منها اعادة النظر في التشريعات المقيدة لامتلاك مؤسسات مجتمع مدني من اعلام اذاعي وتلفزيوني والتفكير مجدداً في جدوى الرسوم الباهضة على الاذاعات والتلفزيونات كما ومن الضروري التفكير جدياً في خلق صندوق مالي عام-خاص يخدم الإعلام دون التدخل فيه وذلك من خلال الاتفاق على اولويات اعلامية ممكن لهذا الصندوق دعمها. فمثلا تؤمن الاردن باللامركزية ولكنها لا تدعم نمو وتطور اي إعلام لامركزية بسبب الرسوم والشروط الصعبة.

وحسب الموقع الرسمي لهيئة الاعلام فان نسبة الاذاعات الاردنية المرخصة خارج العاصمة 15% ومؤسسات الإنتاج الفني والتوزيع 5% والمطبوعات اليكترونية والتي مقرها خارج عمان 22% والمطبوعات الورقية 17% ومؤسسات النشر والتي لها مواقع خارج العاصمة فقط 7% طبعا الفضائيات ال 38 المرخصة كلها مقرها عمان.

ان تمكين المجتمع المدني في المجال الإعلامي يتطلب اعادة النظر في الشروط الإدارية والمادية  الصعبة التي تواجه من يريد ان يمتلك وسيلة اعلام علما انه حسب الوضع الحالي لا يمكن لمؤسسة غير ربحية وغير حكومية امتلاك رخصة إذاعة مما يضطرها للتسجيل كشركة ربحية كما هو حال راديو البلد من اجل الحصول على رخصة البث.

وفي صراع البقاء الذي فرضته هذه الأمور أخذ إعلام الإثارة دوراً أكبر بكثير للعديد من الأسباب منها غياب المحرر المهني وسباق الأخبار السريعة. وفي هذا المضمار أصبح من الضرورة أن نتجاوز إعلام الإثارة والعمل في مجال تكاملي يشمل عدم الاكتفاء بالكشف عن الأمور، إذ أن هناك ضرورة إلى توفير خيارات لحلول منطقية للمشكلة مع أهمية توضيح آثار تلك الحلول من كافة الزوايا.

في هذه التخبط الإعلامي يخرج علينا أسلوب إعلامي جديد جاء نتيجة التغييرات في الملكية الإعلامية ونوعية المضمون الإعلامي.  صحافة الحلول المجتمعية Solutions Journalismتضع إطار مؤسساتي وفكري لأمور نفكر بها ونعمل على تحقيقها. تقول الناشطة الحقوقية والوزيرة السابقة أسمى خضر إنه «منذ مدة ونحن نعمل في مجال قريب لموضوع صحافة الحلول المجتمعية ولكن لم يكن لنا إطار واضح وآلية لتطبيق هذا الشكل المهم من أشكال الإعلام.»

تركز صحافة الحلول المجتمعية على مجموعة من المبادئ  المهنية والتي تضمن تطبيق حاجة المجتمع للمعرفة والمعلومة الصادقة والمتوازنة، وفي نفس الوقت توفر شمولية بالتغطية الإعلامية، حيث من الضروري أن لا يكتفي الإعلامي بالكشف عن المستور، بل أصبح من أساسيات العمل الصحفي ضمن أسلوب صحافة الحلول المجتمعية، توفير خيارات لحلول منطقية يمكن تطبيقها لإيجاد حل للمشكلة المشار إليها.

عمل صحافة الحلول المجتمعية يجب أن تكون مبدعة وتكسر المحددات المعروفة، حيث توفر ثورة المعلومات أدوات جديدة مثل صحافة البيانات ورسومات الانفوجرافيك وإمكانية ربط (هايبرلنك) مع العديد من التقارير والمعلومات لمن يرغب بذلك.

لا شك أن إدخال أسلوب صحافة الحلول المجتمعية يفرض نوعا جديدا من إدارة واستدامة مؤسسات الإعلام. فعلى المؤسسات الإعلامية المهتمة ومؤسسات المجتمع المدني زيادة التشبيك والتشارك لما في ذلك من مصلحة مشتركة بينهم في عصر أصبح الإعلام ركنا أساسيا لأي عمل مجتمعي. ومن الطبيعي في هذا المجال، القول إنه لا بد من العمل على  التثقيف والتدريب وزيادة عدد الإعلاميين خاصة الشباب وفي المحافظات مع ضرورة احترام المؤسسات الرسمية والخاصة في دعم صحافة الحلول بدلا من وضع العراقيل أمامها.