تسول الأطفال يفرض شروطه على الشارع، والتنمية تؤكد امتهانهم التسول وتستبعد الفقر كدافع

الرابط المختصر

 

   "أول ما أدخل السيارة متوجه لعملي أحرص على تسكير الشبابيك"  ما قالته أم سلام ليس تخوفا من موجة الحر ورغبة في تشغيل المكيف، إنما تعليقا على ما تواجهه يوميا من إستفزاز أطفال متسولين على الإشارات الضوئية ، تضيف" ما بعرف من وين يطلعوا! هم طالعين من الصبح كأنهم بوظيفة مرات بعطيهم  عطفا ويخجلوني من دعواتهم لي بالخير"!

ما  قصته  لي أم سلام  واحدة من قصص عديدة غريبة لصور التسول، منها مالا يخطر على البال، فعلى باب أحد المولات التقيت الطفل علاء الذي ألفت وجوده هناك يمسك سلة الزبون  عنوة ليقول مشددا" أنا بوصلها عنك للسيارة" بدون تحديد ثمن الخدمة، وما أن ينتهي يتشاقى  ليعطيه الزبون المزيد من النقود!  يقول علاء بابتهاج" أنا ما صدقت ألاقي نقطة اشتغل فيها، ومرات يضايقني شباب بس الناس يبعدوهم عني" حاولت محاورته  كيف قرر أن ما يفعله يعد عملا! ليرد" أنا ما ضربت حد على ايده يعطيني بس لما حد ما يعطيني بعيطله بالعالي يزيدني وفي ناس كرما  يعطوني كثير، أنا  رزقي حلال.."  لا سبيل لإقناع علاء أن ما يفعله تسول مقنع، تركته ومضيت.

لم تعد الإشارة الضوئية محطة ثابتة لمشهد المتسولين في المملكة وفقا للدكتور  حسين الخزاعي الخبير الإجتماعي" بات المستولين يرتادون المقابر، ويستغلون بيوت العزاء، والكازيات والمولات، في كل مكان عام ومأهول حولنا نجدهم"! ويتابع الخزاعي " إن معظم المتسولين من الأحداث الأطفال، وهنالك ما نسبته 6% من جنسيات عربية"  فما يفعله  علاء وغيره من الأطفال  بات  يدق ناقوس تفاقم ظاهرة التسول المبطن والقصري.

تزايد أعداد المتسولين الأحداث

يشير التقرير السنوي لوزارة التنمية الإجتماعية  لعام 2020م  بأن عدد المتسولين الذين تم ضبطهم في المملكة كان 5406، منهم 2993  بالغين، أما عدد المتسولين الأحداث 2413 حدثا، وبلغ  عدد المتسولين في العام 2019م  5135 متسولا شكل البالغين ما نسبته ( ٦٠٫٣٦٣%) والأحداث منهم ( ٣٩٫٦٣٧%) فيما كان لا يتجاوز عدد الأحداث لعام  2018  م 1200 متسول.

يؤكد مدير وحدة مكافحة التسول  في وزارة التنمية الإجتماعية  أن تلك الأعداد وبعد ضبط المتسولين والتحري أثبتت أنهم يمتهنون التسول، سيما بعد استدعاء أهاليهم، والإطلاع على أوضاعهم، و ليسوا  بفقراء، يوافقه الرأي  الدكتور الخزاعي بقوله" وفق دراسات 76%  من المتسولين ممتهني التسول، ليسوا بحاجة والمواطنون يحفزونهم من خلال إعطائهم!" ومع هذا يؤكد الخزاعي على ثلاثة دوافع للتسول  وهي عمالة الأطفال والتفكك الأسري والتسرب من المدرسة،ووفق تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان لعام ٢٠١٩م بلغت نسبة المتسولين بسبب ظروفهم المعيشية ٢٤%.

استغلال عقوبة تسول  الأطفال

تكثف وزارة التنمية حملاتها لضبطهم، وتعول على المواطن كشريك  للحد من الظاهرة، ولقد نفذت خلال العام الماضي 6192 حملة فيما  كان هنالك 4800 حملة في عام 2019 م، ما يبين تزايد في الظاهرة،  رغم نصوص القانون الرادعة  والإجراءات المشتركة بين  كل من وزارة التنمية ومديرية الأمن العام ووزارة العدل المتمثلة بالمجلس القضائي، فبموجب قانون التسول المادة (5) "كل حدث يقوم بالتسول بأي وسيلة وبأي صورة كانت يعرض نفسه للملاحقة والاعتقال من قبل الأجهزة الأمنية وإحالته بقرار من الحاكم الإداري إلى محكمة الأحداث" كما وبموجب القانون نفسه رقم 32 لسنة 2014م المادة (24)  تقضي بإشراف قضائي  لمراقبة سلوك الحدث لمدة زمنية في بيئته الطبيعية بعد  تجريم فعلته، وتغلظ العقوبة  بموجب المادة 3/389 بحق من  يسخر الغير للتسول ، وحكمه الحبس لمدة لا تقل عن سنة في حالة تكرار الفعل.

ولأن الأمور لم تجري كما توقع المسؤول  أُعتبر التسول في الأردن لعام 2020م  من ضمن  قانون جريمة الإتجار بالبشر والذي لا تقل عقوبتها عن سبع سنوات في الأشغال المؤقتة،  غير أن القانون لن  يلمس فعاليته  إذا ما لوحظ بأن معظم المتسولين من الأحداث يخضعون  لعقوبات مخففة وفق  قانون التسول،  ما يعني استغلالهم  في هذه الظاهرة، فالشارع يشهد على تزاحمهم مع مراقبة بالغين لهم!ولقد رصد المجلس الوطني لحقوق الإنسان أن معظم الأطفال الذين تم ضبطهم خلال ٢٠١٩م هم من المكررين للتسول، ويجيء تكرار فعلتهم لنظام الكفالات،وقصور في التشريعات.

يبقى الوعي المجتمعي يطغى على السند القانوني بالنظر لزوايا القضية،  في الحد من الظاهرة ،  فجهود المواطنين حلقة   من شأنها كبير  كما أشار الخزاعي، والنصيحة التي  خلصت إليها ام سلام بألا يجذبنا استعطاف الأطفال  ودعواتهم  لنا ،  فإن كان ثمة فقر هنالك وزارة  التنمية على حد قولها، وتأمل بأن يدفع مشهد  متسولون أطفال  يلعبون القمار مؤخرا  الذي  أدى إلى استنفار وزارة التنمية   للخروج بحلول  أخرى  للحد من الظاهرة.

 

المتسولين