تسريب العقارات بالقدس.. ناقوس خطر يُؤثر على هويتها

الرابط المختصر

يحذر مختصان في شؤون القدس من مخاطر استمرار تسريب العقارات في مدينة القدس المحتلة للجمعيات الاستيطانية، بما يؤثر على هويتها الإسلامية وطابعها التاريخي، ويُدمر النسيج الاجتماعي بين المقدسيين، ويُضعف الصف الداخلي الفلسطيني، وحركة التضامن مع سكانها الذين يعانون ظروفًا معيشية واقتصادية صعبة في ظل الاحتلال الإسرائيلي.

وتثير عمليات تسريب العقارات حالة من الصدمة والغضب الشديدين في صفوف المقدسيين، وتدق ناقوس الخطر إزاء ما تواجهه المدينة المحتلة من عمليات تهويد وتسريب، تجرى "تحت سمع وبصر السلطة وأجهزتها الأمنية".

وبعد منتصف ليلة الجمعة الماضية، سُربت شقة سكنية في حي وادي حلوة في بلدة سلوان، جنوب المسجد الأقصى المبارك، لجمعية "العاد" الاستيطانية.

وبحسب مركز معلومات وادي حلوة، فإن أكثر من 20 مستوطنًا سيطروا بحماية ومساندة شرطة الاحتلال، على عقار مؤلف من "شقة ومخازن وقطعة أرض، إضافة إلى بناء قيد الإنشاء" في حي وادي حلوة، بعد تسريبها من مالكها المدعو وليد أحمد عطعوط.

وأضاف أن المستوطنين والعمال، حطموا أقفال الشقة التي وضعها شبان الحي قبل عدة ساعات من دخولهم إليها، "بعد ورد معلومات عن تسريب العقار وهروب مالكه من المكان"، ثم وضع المستوطنون كاميرات مراقبة وحمايات للنوافذ والجدران، وغيروا الأقفال، كما أخرجوا بعض محتويات الشقة الى الساحة الخارجية.

وأوضح المركز أنه وسط التحقيقات التي أجرتها اللجان والجهات المختصة على مدار الأيام الماضية، تبين أن المدعو عطعوط قام ببيع منزله للمدعو أحمد اغبارية من الداخل الفلسطيني المحتل، والأخير سلمها لمقاول لإجراء ترميمات، فيما خرج عطعوط وعائلته المكونة من 5 أفراد من العقار، دون تفريغ محتوياته وأخذ أغراضهم الشخصية من ملابس وغيرها، لعدم لفت انتباه السكان المجاورين لهم، خاصة أن العقار يقع داخل أحد أزقة حي وادي حلوة.

ووفق المركز، فإن جهات مختصة من سلوان أجرت اتصالات مع المدعو اغبارية الخميس، لمعرفة ما يجري وطالبوه بالحضور للعقار للحديث، لكن اغبارية رفض ذلك ونفى أن يكون سرب المنزل، وقال إنه" قام بشرائه لتحويله إلى عيادة"، أما المقاول الذي جاء صباحًا للعقار، فتحدث الوجهاء معه ثم لاذ هو الآخر بالفرار من الموقع.

وحي وادي حلوة الأقرب إلى المسجد الأقصى من الجهة الجنوبية، وهو الأكثر استهدافًا من الجمعيات الاستيطانية، التي تسعى للسيطرة على عقاراته بعدة طرق، أبرزها "عن طريق حارس أملاك الغائبين، أو تسريبها من مالكيه"، ويوجد داخله ما يزيد عن 50 بؤرة استيطانية.

وشهدت القدس على مدار سنوات ماضية، عشرات عمليات التسريب لعقارات سكنية وتجارية تعود ملكيتها لعائلات فلسطينية، تمت بطرق ملتوية ووهمية، وعبر خداع أصحاب العقارات بأنها ستستثمر لصالح مشاريع خيرية أو تجارية لمستثمرين ورجال أعمال فلسطينيين، أو بدعوى تطويرها وحمايتها من الاحتلال.

قضية خطيرة

المختص في شؤون القدس ناصر الهدمي يقول لوكالة "صفا"، إن قضية تسريب العقارات في القدس خطيرة للغاية، وتؤثر على النسيج الاجتماعي بين أهل المدينة، وتُضعف الصف الداخلي المقدسي الفلسطيني.

ويوضح أن هذه الظاهرة رغم خطورتها على المجتمع المقدسي، إلا أنها ليست منتشرة بشكل عام داخل المدينة المقدسة، بل هي حالة فردية يمارسها أصحاب النفوس الضعيفة، وهي مرفوضة رفضًا قاطعًا، ومستنكرة من المقدسيين.

ويضيف أن هذه القضية تنعكس سلبًا على الحالة التضامنية في القدس، وحتى على صاحب العقار الذي تم تسريبه، محذرًا في الوقت نفسه من مخاطر تسريب عقارات المقدسيين.

وبنظر الهدمي، فإن الاحتلال الإسرائيلي يتعمد تدمير النسيج الاجتماعي في المدينة، وخاصة في بلدة سلوان، كونها منطقة ذات كثافة سكانية عالية وقريبة من المسجد الأقصى، وتعاني من مشاكل اجتماعية واقتصادية عديدة، ومن تعديات كبيرة.

ويشير إلى أن الاحتلال عمل على دعم مسربي العقارات، بما يؤدي إلى إضعاف الأحياء المقدسية، والموقف الفلسطيني من هذه القضية الحساسة.

وحول كيفية مواجهة قضية تسريب العقارات، يؤكد الهدمي ضرورة التكافل الاجتماعي والمالي بين المقدسيين، وتقوية القيم والجبهة الداخلية أخلاقيًا واجتماعيًا، والعمل على توعية الناس بمدى خطورة تسريب العقارات، خاصة في ظل ما تتعرض له القدس من حرب إسرائيلية شرسة تستهدف محو هويتها الوطنية الإسلامية.

حلول جذرية

أما الباحث في شؤون القدس فخري أبو دياب، فيحذر من خطورة تسريب العقارات على المقدسيين وهوية المدينة وطابعها العربي الإسلامي، واصفًا هذه القضية بأنها خطيرة ومؤلمة وشائكة.

ويضيف أبو دياب في حديثه لوكالة "ًصفا"، أن الجمعيات الاستيطانية تعمل عن طريق مؤسسات وسماسرة لأجل بيع العقارات في المدينة، مستهدفة بذلك "أصحاب النفوس الضعيفة، ومن باع دينه وضميره ووطنه مقابل مبالغ من المال".

ويحاول الاحتلال-وفقًا لأبو دياب-من خلال دعم مسربي العقارات، الالتفاف على صمود المقدسيين وثباتهم في المدينة، من أجل كسر معنوياتهم وشوكتهم، وكذلك محاربتهم اقتصاديًا واجتماعيًا.

ويشير إلى أن "مسربي العقارات، وهم نسبة ضئيلة جدًا، لا يُدركون قيمة أي بيت أو عقار قائم في محيط المسجد الأقصى أو بالقدس، ولا أحد يمتلك الحق في بيع أي بيت بالمدينة، لذلك يجب إيجاد الحلول الجذرية لوقف عملية التسريب".

ويلفت إلى أن هناك جهات فلسطينية -لم يسمها-تساعد الجمعيات الاستيطانية في الوصول إلى الأشخاص الذين يعانون من ضائقة مالية ويرغبون في بيع عقاراتهم.

ويؤكد أبو دياب ضرورة إيجاد سياسات وبرامج معينة ووضع الخطط والحلول الجذرية لإنهاء هذه القضية، ومنع تسريب أي عقار جديد في القدس، وذلك من خلال تشكيل صندوق مقدسي من أهل القدس ومؤسساتها لشراء هذه العقارات، بدلًا من تسريبها للجمعيات الاستيطانية، بالإضافة إلى التحقيق بشكل كبير في أسبابها ومعاقبة المسربين.

وينبه إلى خطورة قضية التسريب، "كونها تُساعد في زرع المستوطنين داخل أحياء القدس، وتؤثر على قيمة المدينة وحضارتها وهويتها، وكأن أهل المدينة يتنازلون عن حقهم فيها، وكأن لا قيمة دينية وعقائدية وتاريخية للمدينة، لكن نحن لا نقبل بذلك، ونرفض بشدة أي عملية تسريب لأي عقار مقدسي".