تحديات كبار السن: القلق من الموت ونقص خدمات الرعاية النفسية
مع التغيرات في أنماط الحياة الاجتماعية نظرا للعديد من الظروف، أصبح من النادر رؤية النمط العائلي التقليدي الذي يتألف من الأبوين وأبنائهم وأحفادهم والذي كان سائدا في الماضي، هذا التغير التدريجي في الأشكال العائلية يشكل تحديا لكبار السن ويزيد من معاناتهم، في ظل غياب التشريعات والقوانين التي تهدف إلى حمايتهم في المجتمع، وفقا لخبراء.
مع تغير أشكال الأسر، يعتقد خبراء في مجال الأسرة، أن الحاجة للرعاية الصحية والنفسية والعقلية لكبار السن تتزايد، فالمشاكل الصحية والتحديات النفسية والعقلية قد تتفاقم لدى هؤلاء الأفراد الذين يشعرون بالوحدة والاكتئاب والقلق من المستقبل، ومع ذلك، يواجه كبار السن صعوبة في الوصول إلى الخدمات المناسبة والرعاية الملائمة، نظرا للتحديات المالية ونقص الموارد والقيود المتعلقة بالرعاية الصحية.
تشير التقديرات الرسمية الأخيرة إلى أن عدد كبار السن في المملكة يصل إلى ما يقرب من 500 ألف شخص، مما يشكل نسبة 5.5% من إجمالي عدد السكان.
بحسب نتائج مسح الظروف المعيشية للأسر الأردنية، يتضح أن الأسر النووية تشكل 76% من إجمالي الأسر في المملكة، بينما تبلغ هذه النسبة 38% على مستوى العالم. ولاحظنا تراجعًا كبيرًا في نسبة الأسر الممتدة، حيث انخفضت من حوالي 11% في عام 2003 إلى 1.5% حاليا.
ويقول أستاذ علم الاجتماع الدكتور حسين الخزاعي، إن النسب المنخفضة للأسر الممتدة في الأردن مرتبطة بالعائلات المتواجدة في القرى والأرياف، حيث يوجد قليل منهم الذين يحافظون على منازلهم وحياتهم الأسرية.
ويرجع الخزاعي ذلك نظرا لتفاقم معدلات البطالة والفقر وتدني فرص العمل، الأمر الذي يدفع الكثيرين الى الاقبال على الهجرة الداخلية بحثا عن فرص أفضل في الحياة بعيدا عن عائلاتهم، ومكان سكنهم.
من بين الأمراض التي يعاني منها كبار السن هناك ضعف الرؤية والسمع والحركة والأمراض المزمنة، ويواجهون أيضا مشاكل اجتماعية أخرى مثل العزلة عن الأبناء والانغماس في حالات نفسية صعبة، حيث يشعرون بأنهم لا فائدة لهم وأنهم يعيشون في الماضي.
كما يواجه كبار السن العديد من التحديات في سهولة الوصول إلى الاحتياجات الأساسية مثل الغذاء والمأوى، وذلك بسبب قلة الحركة والعزلة الاجتماعية والفقر، مما يعرضهم لمخاطر متزايدة من الأمراض وسوء النظافة وسوء التغذية، ويشكل ذلك انتهاكا صريحا لحقوقهم، مثل الإهمال ونقص الرعاية التي يتعرضون لها.
وقد أوصت ورقة سياسات، التي تم مناقشتها في جلسة عقدها مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية مؤخرا، بضرورة الاهتمام بالصحة النفسية والعقلية لكبار السن الأردنيين واللاجئين السوريين في الأردن، وتوفير رعاية صحية منزلية شاملة لهم، وركزت الورقة على واقع الصحة النفسية والعقلية لكبار السن، والإطار القانوني لحمايتهم.
وتشير المؤشرات إلى وجود حوالي 588 ألف شخص في عمر 65 وأكبر في الأردن، ومن المتوقع أن تزداد هذه النسبة ثلاثة أضعاف بحلول عام 2050. ويسلط هذا التحول الديموغرافي الضوء على أهمية تلبية الاحتياجات الصحية لكبار السن، بما في ذلك صحتهم النفسية والعقلية.
الباحثة والخبيرة في النوع الاجتماعي في مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية، علا بدر، توضح أن مرحلة الشيخوخة هي مرحلة طبيعية يمر بها الإنسان، وتتطلب اهتماما متزايدا بالرعاية الصحية في وقت تعاني فيه من نقص كبير، كنقص في بعض الأدوية وفي اختصاص طب الشيخوخة، حيث يوجد طبيب واحد فقط في المملكة.
تضيف بدر أن هناك العديد من كبار السن الذين لا يتلقون رواتب تقاعدية، مما يزيد من أعباءهم المالية، خاصة فيما يتعلق بالرعاية الصحية التي يحتاجون إليها بشكل أكبر نظرا لمعاناتهم من عدة أمراض.
وفيما يتعلق بالصحة النفسية، يعاني كبار السن من العديد من الاضطرابات بسبب المخاوف المرتبطة بالمرض وشعورهم بالقلق المستمر والخوف من الموت، نتيجة عدم قدرتهم على التكيف مع الواقع الذي وصلوا إليه، ويؤثر ذلك على شعورهم بأهمية وجودهم، مما يدفعهم إلى الوقوع في حالات نفسية صعبة تجعلهم يميلون إلى الحزن والعزلة.
للتغلب على هذه الحالة، يجب العمل على زيادة التواصل الاجتماعي لكبار السن، وجعلهم يشعرون بأن أبنائهم حاضرون في حياتهم ويدعمونهم، وتعزيز علاقاتهم الاجتماعية، حتى يشعروا بأهمية وجودهم، ويمكن الاستفادة من خبراتهم لتعزيز شعورهم بأنهم أشخاص مقدرين ولديهم هويتهم الخاصة.
تشدد منظمة "هيلب إيج" في الأردن على ضرورة الدعوة لقانون دولي يحمي كبار السن، ويكون ملزما للدول الأعضاء بتضمين هذه الفئة في سياساتها وبرامجها الشاملة، خصوصا وأنه يوجد في الأردن لديه استراتيجية وطنية لكبار السن، وتعكس الإرادة العالية للتركيز على حقوقهم.
يؤكد الأمين العام للمجلس الوطني لشؤون الأسرة، محمد مقدادي، أن قضية الصحة النفسية والعقلية لكبار السن هي قضية وطنية، ويشدد على ضرورة البحث عن بدائل لتقديم الرعاية الصحية المنزلية الشاملة لهم، نظرا لعدم قدرة الدولة على توفيرها.
ويدعو مقدادي إلى دراسة إمكانية تعزيز تدريب الأفراد المشتركين في تقديم الرعاية، وتمكين أفراد الأسرة الذين يقدمون الرعاية المنزلية.
هذا وتشير ورقة بحثية بعنوان "سياسات ضرورية للعناية بالصحة النفسية والعقلية لكبار السن في الأردن واللاجئين السوريين في الأردن" إلى النقائص في الإطار القانوني الذي يوفر الحماية لكبار السن وغياب الاعتبارات الخاصة بهم، مما يعوق التعامل مع حالات العنف وسوء المعاملة التي يتعرضون لها، نظرا لتفردهم وحاجاتهم الخاصة.
توصي الورقة بضرورة التحقق من توفر جميع خدمات الرعاية الأولية التي تشمل الخدمات النفسية والعقلية لكبار السن، وتوجيه إدارة داخل وزارة الصحة للعناية بصحة كبار السن، وإدخال تخصصات ذات صلة في الجامعات مثل طب الشيخوخة.
وفي الخامس عشر من شهر يونيو، احتفل الأردن باليوم العالمي للتوعية بشأن إساءة معاملة كبار السن، بهدف زيادة الوعي لدى المسنين بحقوقهم المكفولة بالقوانين المحلية، مثل الرعاية الطبية والحماية من جميع أشكال العنف اللفظي والجسدي والنفسي والاجتماعي والاقتصادي.